شهد عدد من السجون المغربية، في الآونة الأخيرة، حالات انتحار لمعتقلين، ما جدد جدلاً مجتمعياً بشأن ظروف الاعتقال وطرق المعاملة داخل السجون، وخلفيات ودواعي إقدام بعض السجناء، على إنهاء حياتهم داخل زنازينهم. بين من قال إنها أسباب نفسية أو اجتماعية، وبين من أشار بأصابع الاتهام لظروف السجن.
وأقدم ثلاثة سجناء على الانتحار في كل من سجن "عكاشة" بالدار البيضاء، وسجن "مول البركي" بمدينة آسفي، والسجن المحلي "تولال" بمدينة مكناس، وذلك لأسباب مختلفة، عزتها إدارة السجون كلها إلى عوامل اجتماعية بالأساس.
وكانت آخر حالة انتحار تم تسجيلها، لسجين في العشرينيات من عمره، بسجن عكاشة في مدينة الدار البيضاء، يوم الخميس الماضي، حيث قام السجين الشاب بذبح نفسه بسكين، ما تسبب في إنهاء حياته، وأحدث حالة من الهلع والارتباك في أوساط السجناء. وذلك بسبب شعوره بالظلم إزاء زجه في السجن بتهم، كان يؤكد أنه بريء منها، وفق مقربين من السجين المنتحر. لتنضم الواقعة إلى حالات انتحار سابقة لسجناء ومعتقلين، على مدار السنوات الماضية بسجن عكاشة.
حالات الانتحار هذه اعتبرتها الباحثة في علم الاجتماع، ابتسام العوفير، حالات "معزولة وفردية، ولا يمكن وصفها بأنها ظاهرة للانتحار في السجون المغربية، ولكنها رغم ذلك تحيل إلى مؤشرات مقلقة، وتستوجب البحث في دلالاتها ودوافعها، حتى يتم تجنيب سجناء آخرين
ذات المصير".
وقالت الباحثة في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن انتحار السجين غالبا ما تكون خلفه عوامل نفسية أو اجتماعية، تعود إما إلى محيطه الأسري القريب، بسبب مشاكل تواصلية مع زوجته مثلا أو أبنائه، وإما إلى مشاكل اجتماعية، أو نفسية تتعلق بالشعور بالغبن أو ضعف الشخصية.
واستطردت العوفير بأن حالات الانتحار توجد في أي بيئة وأي مهنة، مستحضرة حالات الانتحار التي أصابت أخيرا أوساط رجال الأمن، جراء الضغوط النفسية التي يعاني منها بعضهم، جراء ظروف العمل التي تتطلب جهدا كبيرا. موضحة أن حالات انتحار سجناء، لا تبدو خطيرة على المجتمع السجني.
إدارة السجون
وأصدرت إدارة السجون بالمغرب، بيانا تؤكد فيه أن الأمر "لا يرتبط باضطرابات نفسية سببها وضعية السجون، وإنما يعود السبب إلى مشاكل عائلية".
وسردت إدارة السجن، في بيانها الذي اطلع "العربي الجديد" على نسخة منه، تفسيرات الانتحار لدى السجناء الثلاثة، فالأول في سجن آسفي، قالت إنه "لم يسبق له أن عانى اضطرابات نفسية، بحسب معاينات وتقرير الطاقم الطبي للمؤسسة، وكذا الأخصائي النفساني العامل بها".
وأما حالتا الانتحار في سجن مكناس والدار البيضاء، فقد أكدت مندوبية السجن أن الأسباب "لا علاقة لها بظروف الإقامة داخل المؤسستين السجنيتين، بل هي أسباب متعلقة بمشاكل عائلية، بدليل أن السجينين كانا حديثي العهد بالسجن، ولم تتجاوز مدة إقامتهما داخله أسبوعا واحدا، على ذمة الاعتقال الاحتياطي".
ولفت المصدر ذاته، إلى أن العاملين في إدارة المؤسسات السجنية والأطقم الطبية، قاموا بمجهودات من أجل إنقاذ السجناء الثلاثة المنتحرين، غير أن اثنين منهم توفيا في الطريق إلى المستشفى، وفق تعبير بيان إدارة السجن.
وتضم سجون المغرب أكثر من 70 ألف سجين، موزعين على نحو 73 سجناً، و49 في المائة منهم معتقلون احتياطيّون. ويشكل الذكور النسبة الكبرى (97% من مجموع المعتقلين). أما السجناء الذين تتراوح أعمارهم ما بين 21 و50 عاماً، فتصل نسبتهم إلى 87%، وتبلغ المساحة المخصصة لكل سجين 1.6 متر مربع فقط.
اقرأ أيضاً:
سجون المغرب مكتظّة و"متردّية"