وبالتوازي مع عمليات التهجير، تواصلت معارك في مخيم اليرموك والحجر الأسود جنوب دمشق، بين قوات النظام ومليشياته من جهة وتنظيم "داعش" من جهة أخرى، والذي بات مقاتلوه محصورين في جيوب ليست كبيرة بعد أن نجحت قوات النظام في فصل اليرموك عن الحجر الأسود، والسيطرة على القسم الجنوبي من الحجر، المعقل الرئيسي للتنظيم في المنطقة.
ومنذ صباح أمس الأحد الباكر احتشد مئات المهجرين من مدنيين وعسكريين في الشوارع حاملين أمتعتهم البسيطة بانتظار حافلات التهجير التي لم تحضر حتى ساعات الضهر، وبلغت نحو 50 حافلة لنقل مهجري الدفعة الرابعة من بلدات ببيلا ويلدا وبيت سحم والانطلاق نحو محافظة إدلب، عبر ممر قلعة المضيق بريف حماة الغربي. وقال الناشط الإعلامي أيهم العمر لـ"العربي الجديد"، إنه "إضافة إلى الدفعة الرابعة التي خرجت من المقرر أن تخرج اليوم الاثنين دفعة خامسة قد تكون الأخيرة لترحيل المهجرين من جنوب دمشق".
وقد وصلت الدفعة الثالثة أمس إلى معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وضمت نحو 2700 شخص، بعد أن تاهت بعض حافلاتها في الطريق، ودخلت إلى مناطق موالية للنظام في حمص، حيث قام بعض الأهالي هناك برشق الحافلات بالحجارة ما أدى إلى تحطم نوافذ بعضها. كما شهدت الرحلة حالة وفاة لإحدى السيدات بعد إصابتها بسكتة قلبية، فيما أنجبت إحدى الحوامل داخل الحافلة. وحسب منسقي الاستجابة في الشمال السوري فإن العدد الإجمالي للخارجين من جنوب دمشق بلغ حتى الآن 4 آلاف شخص بينهم 1500 طفل وألف امرأة، فضلاً عن وجود 15 حالة في حاجة للإسعاف.
وجاء ذلك مع استمرار العملية العسكرية لقوات النظام ضد تنظيم "داعش" جنوبي العاصمة، وشنّت طائرات النظام غارات جديدة على منطقتي الحجر الأسود ومخيم اليرموك وسط قصف مدفعي وصاروخي طاول المنطقتين. وأعلن النظام أن قواته أحكمت سيطرتها على محطة الكهرباء ومدرسة القدس شمال منطقة المقبرة في الحجر الأسود، بعد مواجهات مع "داعش" وسط رمايات مدفعية مكثفة، فيما "عثرت وحدات الجيش على شبكات من الأنفاق والخنادق للتنظيمات الإرهابية في الجزء الجنوبي من حي الحجر الأسود"، وفقاً لوكالة "سانا" التابعة للنظام.
وذكرت مواقع موالية أن "قوات النظام مع لواء القدس وصلت إلى حي العروبة ومشارف حي التقدم، بينما وصلت الفصائل الفلسطينية التي تحاصر المخيم من الشمال إلى مجمع الأمان الطبي في شارع الـ15، حيث تتواصل الاشتباكات عند ساحة الطربوش وسوق الثلاثاء القريب من دوار فلسطين". وكان النظام أعلن انه سيطر بشكل كامل على الجزء الجنوبي من حي الحجر الأسود، بعد معارك مع "داعش"، وأنه "يواصل تقدمه على محاور عدة في القسم الشمالي من الحي".
من جهته، أعلن "داعش" أنه "كبّد النظام والمليشيات التي تقاتل معه خسائر فادحة على جبهات مخيم اليرموك وحي التضامن والحجر الأسود"، مشيراً إلى "تدميره دبابة وعطب عربة شيلكا في الحجر الأسود، إضافة إلى مقتل 20 عنصراً من قوات النظام السوري والمليشيات".
إلى ذلك، ذكرت مصادر محلية أن "العديد من القتلى والجرحى، وبينهم نساء وأطفال، سقطوا جراء قصف جوي لروسيا وقوات النظام السوري وآخر مدفعي وصاروخي على مخيم اليرموك والحجر الأسود". وقال ناشطون محليون إن "قوات النظام وروسيا استهدفت قبو بناء كان يختبئ فيه نحو 25 مدنياً بينهم أطفال، ما تسبب بمقتل وجرح عدد منهم، من دون تحديد أرقام كون الجرحى والجثث ما زالت تحت الأنقاض". كما قُتلت طفلة نتيجة القصف العنيف لقوات النظام على أحد الأقبية في حي الجاعونة بالمخيم". وقدّر ناشطون محليون نسبة الدمار في أحياء جنوبي دمشق ومخيم اليرموك ومدينة الحجر الأسود بـ55 في المائة نتيجة القصف المكثف لقوات النظام".
وتحاول قوات النظام إتمام سيطرتها على كامل محيط العاصمة دمشق من الجهة الجنوبية، بعد خروج مقاتلي "هيئة تحرير الشام" وبدء تنفيذ عملية التهجير من بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، مع الفشل المتكرر لمحاولات التفاوض مع "داعش".
وفي ريف حمص الشمالي، من المقرر أن يتم اعتباراً من اليوم الاثنين، خروج الدفعة الأولى من مهجري مناطق ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي وذلك باتجاه محافظة إدلب ومدينة جرابلس بريف حلب، بينما خرجت أمس مجموعة من الجرحى الذين أصيبوا خلال انفجار مستودع للذخيرة، أسفر أيضاً عن مقتل ثلاثة من مقاتلي الجيش الحر.
وقال الإعلام التابع للنظام إن "المجموعات المسلحة في منطقة الحولة بريف حمص أحرقت ودمّرت جميع المقرّات والمواقع والآليات والسيارات التابعة لها قبل تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بينما تواصل أمس تسليم السلاح الثقيل والمتوسط لقوات النظام تنفيذاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه في ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، والقاضي بتهجير القسم الأكبر من مقاتلي الفصائل مع عائلاتهم إضافة إلى بعض المدنيين ممن اختاروا الخروج خوفاً من التعرض لهم من جانب النظام في حال بقوا في مناطقهم".
وذكرت وسائل إعلام النظام أنه "تمّ فتح طريق حمص - حماة الدولي وإزالة السواتر الترابية تمهيداً لعملية التهجير ودخول قوات النظام". غير أن المعلومات تحدثت عن أن "الطريق لم تُفتح ولم تتم إزالة السواتر، إلا من جهة النظام حيث تقف قوات الأخير ومحطاته التلفزيونية على بعد نحو كيلومترين عن مدينة تلبيسة. والسواتر أُزيلت أيضاً من جهة مدينة حماة تمهيداً لخروج الدفعة الأولى من المهجرين اليوم". ولاحظ مراقبون أن عدداً محدوداً فقط من الأهالي البالغ عددهم نحو 350 ألف نسمة سيخرج إلى الشمال السوري، وفضّل معظم الناس البقاء في بيوتهم تحديداً في تلبيسة والرستن، بينما من المتوقع خروج أكثر من نصف أهالي منطقة الحولة.
وكان من المقرر خروج "هيئة تحرير الشام"، التي لا يتجاوز عدد مقاتليها 250 عنصراً من المنطقة، إلا أنها رفضت الخروج في الدفعات الأولى. ومن المقرر بموجب الاتفاق دخول الشرطة العسكرية الروسية والشرطة المدنية بعد خروج آخر قافلة من الريف الشمالي. ويحقّ لكل مقاتل إخراج بندقية وثلاثة مخازن، إضافة إلى الأمتعة الشخصية، بينما يسلم من يرغب بـ "التسوية" سلاحه الفردي حين البدء بالإجراءات.
وتشمل التسوية المنشقين والمدنيين لمدة ستة أشهر، بعدها يساق من دخل سن الخدمة الإلزامية والاحتياطية للخدمة، كما تسوى أوضاع الطلاب والموظفين ويعودون لعملهم ودراستهم مع مراعاة فترة الانقطاع. ويمنع الاتفاق دخول قوات الأمن والنظام طيلة فترة وجود الشرطة العسكرية الروسية، أي لا يقل عن ستة أشهر وفق "هيئة التفاوض". وحسب اعلانات الفصائل حتى الآن، فإن "كلاً من أحرار الشام وفيلق الشام وحركة تحرير الوطن ستخرج من المنطقة، بينما يبقى جيش التوحيد وبقية فصائل تير معلة والدار الكبيرة والرستن ليسهموا في إدارة المنطقة، بموجب اتفاق آخر يجري إعداده".