حاربوا السّمنة بالضرائب

12 مايو 2016
الضرائب وسيلة فعالة لدفع المواطنين إلى خفض استهلاكهم (Getty)
+ الخط -

في عالمنا هذا وأيامنا تلك، بات ارتفاع معدل انتشار السمنة ليس مجرد مشكلة صحية، بل أيضا مشكلة اقتصادية ومالية، ولذا فإن الحكومات العربية مطالبة بالتحرك لمواجهة هذا المرض، ليس من منطلقات صحية وأخلاقية فقط، بل ومن منطلقات مالية أيضاً في ظل الظروف المالية الصعبة التي تعاني منها معظم دول المنطقة.

وإذا أرادت الحكومات العربية محاربة السمنة وتبعاتها الخطيرة على الصحة العامة والاقتصاد، فعليها فرض ضرائب على المأكولات والمشروبات والخدمات التي تؤدي إلى مزيد من السمنة، خاصة أن الانتشار الكبير للسمنة بات يمثل إرهاقاً للموازنات العامة في الدول العربية، ويلتهم جزءا من مخصصات وزارة الصحة.

وأكبر دليل على ذلك أرقام الاتحاد الدولي للسكري، التي تشير إلى أن غالبية البلدان تنفق ما بين 5 إلى 12% من ميزانياتها للرعاية الصحية على مكافحة المرض.

فرض ضرائب على المأكولات والمشروبات المحلاة ليس بدعة، بل طبقتها العديد من دول العالم، أحدثها جنوب أفريقيا التي يعاني ربع سكانها من البدانة، حيث قررت السلطات هناك فرض ضريبة على المشروبات الغازية في إطار خطة لمكافحة تفشي آفة الوزن الزائد، وتقليل أضرارها على الصحة العامة، والحد من مخاطرها الاقتصادية.

وبذلك تنضم جوهانسبرغ إلى قائمة متزايدة من البلدان، التي تحاول مكافحة البدانة عبر وسائل مالية، منها فرض ضرائب على المأكولات المسببة للسمنة بهدف دفع المستهلك نحو تقليص استهلاك المشروبات الغازية، لاحتوائها على كميات كبيرة من السكر.

وسبق لدول أخرى اتخاذ مواقف مماثلة، منها المجر، التي تعاني عجزاً في التمويل الصحي بـ 370 مليون يورو، حيث بدأت السلطات فيها تطبيق قانون جديد يفرض ضرائب على الأطعمة، التي تحتوي على نسب عالية من الدهون والأملاح والسكريات.

ويعتمد القانون المجري على فكرة تقول إن من تجعلهم سمنتهم يمكثون لفترات طويلة داخل المستشفيات، عليهم تحمل الأعباء المالية، وعدم تحميلها للدولة التي تعاني عجزا مالياً.


والملفت أن العديد من الدول الأوروبية بدأت اتخاذ تدابير مشابهة لمحاربة السمنة عبر فرض الضرائب، كما تبحث دول أخرى عن تدابير مماثلة لمقاومة داء السمنة، وعلى سبيل المثال، تدرس الحكومة البريطانية فرض مثل هذه الضريبة على شركات المشروبات الغازية المسببة للسمنة.

وتنطلق حكومة كاميرون في خطوتها من اعتبارات مالية واقتصادية وصحية، ومن دراسات متخصصة تم إعدادها في هذا الشأن، منها مثلاً ما ذكره مركز أبحاث السرطان في لندن، ومنتدى الصحة العامة، من أن فرض 20% ضرائب إضافية على المشروبات السكرية وذات السعرات الحرارية العالية قد يقلل من السمنة في بريطانيا بنسبة 5% بحلول عام 2025 ويمنع 3.7 ملايين شخص من الإصابة بالسمنة خلال العقد القادم.

كما أن فرض الضريبة يوفر 10 ملايين إسترليني تنفقها هيئة الصحة الوطنية على الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية في 2025 وحدة.

على الجانب الآخر من الأطلسي، تحرك العديد من مؤسسات الرعاية الصحية وخبراء الصحة الأميركيين نحو مطالبة السلطات الأميركية بفرض ضرائب على المشروبات الغازية المحلاة، وقالوا إن مثل هذه الضرائب تساهم في مكافحة السمنة وتمويل جهود رعاية الصحة العامة، بل إن مكتب الميزانية في الكونغرس قدّر أن فرض ضريبة 3 سنتات على علبة المياه الغازية التي زنتها 12 أوقية يمكن أن يجمع 50 مليار دولار خلال 10 سنوات.

والملفت أن خبراء متخصصين في مرض السكري تحركوا لإقناع قادة مجموعة العشرين بفرض ضرائب على السكر، وطالبوهم بوضع هذا الاقتراح على جدول أعمالهم لمكافحة السمنة، وقالوا إن الخطوة ستنقذ أرواحا وتخفض ميزانيات الرعاية الصحية.

كما أن ضريبة كهذه ستدفع المواطنين إلى خفض استهلاكهم من السعرات الحرارية 15% يوميا، إضافة إلى أن المرض لا يضع المرضى فقط في خطر بل الاقتصادات أيضا، كما قالت الرئيسة التنفيذية للاتحاد الدولي للسكري، بيترا ويلسون، التي حثت قادة مجموعة العشرين على التعاون في التصدي للسمنة.

عربيا، تقول منظمة الصحة العالمية إن سكان المنطقة العربية هم الأكثر سمنة في العالم، وإن هناك 5 دول عربية في مُقدّمة الدول الأكثر بدانة عالمياً، كما تؤكد جمعيات حماية المستهلك أن نحو 15 مليار دولار تنفق سنوياً على الترويج بمخاطر المرض.

وتشير الأرقام إلى أن مرض السمنة المفرطة بات ينتشر بشكل كبير داخل المنطقة العربية، وهو ما يكبّد اقتصادياتها خسائر مالية فادحة، وأبرز مثال ما كشفه أمين عام جمعية السكر في السعودية من أن "الكرش" والسمنة يهددان حياة السعوديين، وأن العلاج يكلف الدولة أكثر من 500 مليون ريال سنويا.

إزاء كل هذه المخاطر المالية والصحية، يجب على الحكومات العربية التحرك لفرض ضرائب على المشروبات والمأكولات المسببة للسمنة.

المساهمون