جيوش المتسوّلين: ظاهرة باقية وتتمدّد لتتحوّل إلى تجارة واستثمار

15 يوليو 2015
+ الخط -
أصبحت ظاهرة التسوّل عابرة للدول العربية. وأمام تفاقم الأزمات والحروب، غدت جنسيات المتسولين تختلف داخل البلد الواحد. بل ظهرت موجة جديدة لـ"التسول الراقي"، حيث تطل عبر الشاشات وصلات إعلانية تدعوك للتبرع لفائدة جهة ما، وكأن مؤسسات الدول العربية الاقتصادية والاجتماعية أعلنت عجزها التام عن التكفّل بالمواطنين، فلجأت لهؤلاء من أجل التكفل بأنفسهم.


وغذّت الظاهرة موجة اللاجئين الفارين من الحروب في كل من سورية، اليمن، العراق، وليبيا. ليجد المواطن نفسه أمام "جيوش من المتسولين"، يحمل البعض منهم شهاداته الجامعية العليا، وأوراقاً تثبت مهنته في بلده الأم، كحال المهندس النفطي العراقي، الذي صادفته "العربي الجديد" برفقة أسرته أمام أحد مساجد مدينة الدار البيضاء المغربية، وقال في تصريح للجريدة "الرحلة من العراق إلى المغرب عبر حدود الدول العربية استنفدت كل مدخراتي، ولم أعد أملك ما أسد به جوع أسرتي، لذلك لجأت إلى أبواب المساجد طمعاً بعطف المغاربة".

في اليمن الذي مزقته الحرب، قدّرت منظمة "يونيسف" عدد المتسولين ما دون سن الـ18 سنة بحوالي 30 ألفاً. أما في لبنان، فقد ساهم لجوء السوريين إلى البلد، في رفع عدد المتسولين، وغالبيتهم من الأطفال. حيث قدرت دراسة صدرت بداية العام الحالي أشرفت عليها كل من "منظمة العمل الدولية" و"يونيسف" ومنظمة "أنقذوا الأطفال"، أن 45% من المتسولين في لبنان هم أطفال عمرهم ما بين الـ10 والـ14 سنة.

اقرأ أيضا: المنسيون: الجغرافيا تحكم على ملايين العرب بالتهميش والاستغلال

أما بالنسبة لمصر، فقد تحوّل فيها التسول أو ما يصطلح عليه بجمع التبرعات، إلى ظاهرة منظّمة، تشرف عليها جهات إما حكومية أو مدنية، توجّه دعواتها إلى جمع المال لمختلف الفئات المحتاجة عبر وصلات إعلانية، تطل بقوة خلال شهر رمضان.

وفي تعليق على هذه الموجة الجديدة، قال الخبير الاقتصادي المصري، وائل نحاس، إن مصر عرفت خلال السنوات الأخيرة ظهور العشرات من الجمعيات والمنظمات التي تسوّق تكفّلها بالمحتاجين، وجمع التبرعات لهم، لكن لا تخضع هذه الجهات لأي وسيلة رقابة واضحة، وليست هناك أي آلية لربطها بواقع تلك الفئات، من أجل تقييم مدى تأثيرها بالإيجاب على وضعيتها.

اقرأ أيضا: حروب وفقر.. ورمضان العرب

وكشف الخبير الاقتصادي المصري، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن معظم الجمعيات والهيئات التي تطل عبر الشاشة الصغيرة من أجل جمع التبرعات، تصرف حوالي 20% ممّا تجمعه على الإعلانات فقط.


وعن دور مؤسسات الدول، وهل استقالت لترمي بحمل الرعاية الاجتماعية والصحية على كاهل المواطنين، عبر تبرعهم للجمعيات المدنية، اعتبر وائل نحاس أن دور هذه الأخيرة أصبح فعلاً مكمّلاً، بل أصبح المجتمع يعول عليها إلى حد كبير، خاصة في ما يتعلق بالرعاية الصحية. لكن في المقابل، عاب المتحدث ذاته، تعامل جهات داخل الدولة مع هذه المؤسسات المدنية كيافطة لمصالح أخرى.

وفي ما يتعلق بدرجة حضور الشفافية في تدبير مالية التبرعات، شدد الخبير الاقتصادي المصري على أن مبدأ الرقابة والمحاسبة غائب تماماً، بل ذهب حد القول بأن التحقيقات في مصر كشفت توجّه أموال خاصة بتكفل الأطفال الأيتام إلى مصالح شخصية. وأضاف أن بعض المؤسسات المعروفة في مصر تساهم في تمويل برامج الطبخ داخل إحدى القنوات المصرية، وأخرى تنتج برامج الترفيه، ومستشفى مشهور في مصر لعلاج الأمراض المستعصية تحوّل من "واجهة خيرية لرعاية الفقراء" إلى "مشروع استثماري أجر موظفة الاستقبال فيه أعلى من أجر طبيب خارج مصر".

وختم وائل نحاس تصريحه بالقول: "طيلة الفترة الأخيرة لم نلمس أي أثر إيجابي على الجهات التي تُجمَع باسمها التبرعات".

اقرأ أيضا: التنمية البشرية: مشاريع لا تغير حال المواطنين

وما يؤكد تصريحات الخبير الاقتصادي المصري، الأرقام الصادرة عن جهات مصرية رسمية، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، حديث للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري حول استمرار ارتفاع نسب الفقر في مصر بمعدل سنوي بلغ 1.1%.


من جهتها، أوضحت الخبيرة في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ربعية بوهيمة، أن سياسة دعم الفئات الهشّة في مختلف الدول العربية عبر "الإحسان إليها فقط"، يعتبر في حد ذاته شكلاً من أشكال التسوّل، والذي يجبر المحسَن إليهم على انتظار مساعدات المتبرعين في كل مناسبة، دون أن تساهم المساعدات المالية أو العينية التي يتلقونها في تحسين ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية.

وأضافت المستشارة السابقة في وزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني المغربية، في تصريحها لـ"العربي الجديد"، أن دول العالم العربي تعيش واقعاً متشابهاً في ما يخص جمع التبرعات للفقراء، حيث تفتقر المنطقة لرؤية شاملة تستطيع ترجمة التبرعات إلى مشاريع تخلق القيمة المضافة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية بالنسبة للمستفيدين، ما يجعلهم سجناء داخل حلقة الهشاشة.

اقرأ أيضا: الاقتصادات العربية في 2025: التغيير الآن أو الخراب!

واعتبرت أن الخلل الأول الذي تعاني منه عملية جمع التبرعات للفقراء، يكمن في غياب قانون ينظّم العملية، ويضبط آلياتها، وأهدافها، ثم تقييم النتائج ومحاسبة المسؤولين عنها.
دلالات