بلغ عدد العراقيين الذين قتلوا أو أصيبوا أو اختطفوا، على يد مسلحي تنظيم "داعش" في مناطق محيط الموصل والبعاج والقيارة والحويجة والشرقاط وسلسلة جبال حمرين وطريق بغداد ــ كركوك والعظيم، خلال الثلاثة أيام السابقة نحو 50 شخصاً، بينهم ما لا يقل عن 25 عراقياً من أبناء القبائل والسكان المحليين، والباقي من عناصر الجيش والشرطة ومليشيات "الحشد الشعبي". كما طاولت الاعتداءات الإرهابية للتنظيم حتى رعاة الأغنام، من قبائل شمر وعنزة وطي وربيعة وغيرها من القبائل المتواجدة في تلك المناطق. واتخذت تلك الهجمات شكل الكمائن على الطرق الخارجية أو عبوات ناسفة ولاصقة تثبت أسفل السيارات، خصوصاً داخل المدن.
ووفقا لمصادر عسكرية عراقية فإن ما لا يقل عن 200 عنصر من تنظيم "داعش"، على شكل جيوب وخلايا صغيرة، ينشطون مساءً في مناطق عدة من شمال العراق، وينفذون هجمات نوعية ضد القوات العراقية والمدنيين المتهمين بالتعاون مع قوات الأمن أو قوات العشائر و"الحشد الشعبي"، أو أنهم من أقارب مسؤولين في الأمن. والسبب الأخير أيضاً هو رفضهم التعاون مع "داعش"، سواء عبر دفع الإتاوات التي بات يفرضها من خلال رسائل هاتفية ترد للسكان أو عدم تعاونهم معه في أمور معينة.
وقال عقيد في الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مسلحي التنظيم غيروا من تكتيك عملياتهم الإرهابية، وباتوا أكثر سرعة وخفة في تحركاتهم، وينسحبون إلى مناطق زراعية وصحراوية، بالعادة يتم تطويقها لكن لا يتم العثور عليهم"، مرجحاً وجود "أنفاق ومخابئ تحت الأرض يلجؤون إليها". وأضاف "بعض الكمائن نفذها عناصر من داعش يرتدون ملابس الجيش والشرطة، ويتنقلون بهويات مزيفة. الموضوع بات بحاجة لجهد استخباري كبير". وتعتبر سلسلة جبال حمرين، التي تربط محافظات كركوك وصلاح الدين ونينوى وديالى، واحدة من أكثر المناطق العراقية سخونة شمال العراق. ولم تستطع القوات العراقية، وقبلها الأميركية، فرض سيطرة تامة عليها منذ العام 2003 وحتى اليوم، وهي ما زالت تعتبر منطقة مهمة لتنظيم "داعش" وقبله تنظيم "القاعدة" و"جماعة أنصار السنة".
ويجبر المواطنون، عند الخروج من كركوك، وتحديداً عبر منفذ مكتب خالد مروراً إلى بلدة الرشاد ومنها إلى ناحية الرياض، بالمرور عبر طريق تمر بجبال حمرين، حيث أصبحت تنتشر السيارات، المدنية والعسكرية، المدمرة أو المحترقة بفعل كمائن لعناصر "داعش"، من دون أي تقدم تحققه قوات الأمن العراقية لضبط هذا الموضوع منذ أكثر من 10 أسابيع. وقال المقدم باسم حسين الساعدي، لـ"العربي الجديد"، إن "مسلحي داعش، الذين يخرجون من الجبال أو المناطق الصحراوية القريبة، يضربون ويهربون. وفي العادة لديهم أهداف ومعلومات مسبقة، وقد نجحنا بقتل عدد منهم، لكنهم كثر". وأضاف "عناصر داعش يسرقون الآن السيارات والأموال، وقد تحولوا إلى قطاع طرق، وأصدروا فتاوى تبيح دماء الناس لمجرد أنهم رحبوا بقوات الأمن عند تحرير هذه المناطق".
وقال الخبير الاستراتيجي والضابط السابق في الجيش العراقي، العميد الركن فاضل حسين خلف، لـ"العربي الجديد"، إن "هجمات داعش الأخيرة باتت تمثل تحدياً أمنياً خطراً يجب الوقوف عنده ومعالجته من قبل الحكومة سريعاً". وأضاف "ما زالت جيوب وخلايا داعش تتحرك بكل حرية، فهي تضرب وتنسحب متى تشاء. والمتابع للعمليات الإرهابية التي ينفذها التنظيم، يعرف أنها عبارة عن عمليات كر وفر نوعية، إذ يقوم بنصب كمائن وخطف عناصر أمن وجيش عند نزولهم في إجازات، والمدنيين بشكل انتقامي وهستيري". وأشار إلى أن "تنظيم داعش لديه مجاميع صغيرة تتحرك وفق منظور عسكري دقيق، خصوصاً في قضاء الحويجة ونواحي الرياض والرشاد جنوب غربي كركوك، وهذه المنطقة تتصل بمنطقة جبال حمرين التي تربط كركوك بمحافظة صلاح الدين من جهة ناحية الرياض ومنطقة الفتحة ومنطقة الجزيرة، وترتبط هذه المناطق من الجهة الغربية بناحية الزاب التي ترتبط بقضاء الشرقاط ومنها الموصل. إن مجاميع داعش تنشط في هذه المناطق تحديداً".
من جهته، قال حميد العبيدي، الذي يسكن في ناحية الرشاد المتاخمة لسلسلة جبال حمرين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الحكم في هذه المناطق ينقسم إلى جزأين، في النهار للحكومة العراقية، وبعد المغرب تجد عناصر داعش ينشطون في عدد من القرى ويمتلكون معلومات عن العناصر التي تعمل مع الجيش والشرطة والحشد الشعبي. لقد تصدى أهالي القرية قبل أيام لهجوم من داعش قبل أن يصل الجيش متأخراً". وأضاف "لاحظنا تحركاً للتنظيم، فاتصلنا بقوات الجيش والحشد الشعبي، وتم إرسال قوة من ستة عناصر تابعين للحشد الشعبي، وبقينا نقاوم حتى الصباح وقتلنا أربعة منهم. لكننا الآن مهددون أكثر من أي وقت مضى". وأكد أن "عمليات الخطف والقتل وحرق المزروعات جرائم ينفذها التنظيم الإرهابي بحق الأهالي العائدين إلى المناطق المحررة في جنوب غربي كركوك وجبال حمرين ومنطقة الحظر والشرقاط والجزيرة في صلاح الدين ومناطق أخرى".
من جهته، قال ضابط في الشرطة العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "القوات العراقية تمتلك معلومات كاملة عن بقايا وجيوب تنظيم داعش والمساحات التي ينشط فيها، ونشن بين فترة وأخرى عمليات نوعية ضد هذه المجاميع للقضاء عليها". وأضاف "المناطق التي ما زال التنظيم ينشط فيها بشكل رئيس هي سلسلة جبال حمرين وأطراف الرياض والرشاد والزاب جنوب غربي كركوك ومنطقة الحظر وأطراف الشرقاط والجزيرة من جهة محافظة نينوى ومنطقة مطيبجية والزركة وجبال حمرين الجنوبية وصحراء العظيم بين ديالى ومحافظة صلاح الدين". وأشار إلى أن "التنظيم متورط بخطف وقتل العشرات في النصف الأول من العام الحالي، وما زالت جيوب التنظيم الإرهابي تقوم بحرق محاصيل الذين لا يتعاونون مع التنظيم في كركوك وديالى وصلاح الدين، ولدينا أكثر من خمسة حوادث لحرق محاصيل المراعي في كركوك وديالى من قبل التنظيم الإرهابي خلال الأيام الماضية".