جيش لبنان ينتصر على البغدادي

06 ديسمبر 2014

تشكيلات عسكرية للجيش اللبناني في صيدا (25 يونيو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

في نكتة شائعة، يقال، والعهدة على الرواة، إن الجيش اللبناني يُعتبر ثالث أقوى الجيوش في.. لبنان.
وبعيداً عن سخرية مُرّة كهذه، لا تبدو الفاعلية العسكرية للدولة الصغيرة، المشتتة الولاءات الإقليمية والدولية، أشد ضعفاً وهزالاً مما لدى شقيقاتها الكبريات، في الجغرافيا الواسعة الضيقة، الممتدة من المحيط إلى الخليج، ومن الفرات إلى النيل. فالجيوش العربية، كلها تقريباً، لا تنتصر سوى على مواطنيها العزّل، في الشوارع أو الميادين العامة، بينما تتقهقر، بسرعة قياسية، أمام أعدائها، على الجبهات، أو عند ثغور الوطن. وفي أمثلة ساخنة جداً، شاهدنا، بعين الدهشة، عام 2014، كيف دحر "تنظيم الدولة الإسلامية"، المعروف باسم داعش، الجيش العراقي عن محافظة نينوى في ساعات، وتفرجنا، بأسى، على مئات الجنود السوريين يخرجون من قواعدهم العسكرية، مستسلمين، أمام "الدواعش"، وعراة، إلا من ملابسهم الداخلية، كما رأينا وسمعنا قصصاً مؤسفة عن تنكيلٍ تعرضت له قوات برية وبحرية مصرية، على أيدي مجموعات عصابية متطرفة.
بيد أن الجيش اللبناني الذي استطاع، وللمفارقة، أن ينتزع لنفسه مكانة عزيزة، في قلوب مواطنيه، من دون أن ينتصر يوماً، حتى في معركة صغيرة على الأعداء الخارجيين، ظل، ولا يزال مختلفاً نسبياً عن الجيوش العربية، في ما خص امتناعه عن أن يكون أداة قمع وحشية، لمواطنيه، في العقود الثلاثة الأخيرة، على الأقل، بفعل عوامل عدة، لعل أهمها تركيبة لبنان السياسية، القائمة، أساساً، على محاصصة طائفية ذات قناع ديمقراطي.
لذلك، كان هذا الجيش الذي لا وظيفة عسكرية أو أمنية، تقليدية، له، يبحث دوماً عن مبرر وجوده، ويتوسل انتصارات سهلة، في هوامش بعيدة عن الأعداء المتربصين خلف الحدود، وبعيدة، أيضاً، عما قد يثير حساسيات الطوائف، أو يمس توازنها الهش، فينبري، مرة، لتدمير مخيم فلسطيني (نهر البارد مثلاً) وتشريد سكانه، بحجة اجتثاث مجموعة إرهابية، ويقتحم، في أخرى، مخيماً بائساً للاجئين السوريين (في بلدة عرسال)، ويعمد إلى معاقبتهم وإذلالهم، بذريعة مماثلة، ناهيك طبعاً عما يُروى من قصص اعتقال المعارضين لنظام بشار الأسد، وتسليمهم إلى جلادي أجهزته الأمنية.
أما الدرك الأسفل لهذا السلوك، فيجد تعبيره الآن، في تبجح مصادر الجيش اللبناني علناً، وعلى رؤوس الأشهاد، باعتقال امرأة عراقية وطفلتها، بزعم أنهما زوجة زعيم "تنظيم الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي وابنته، ثم انحدار وزراء، ووسائل إعلام محلية، إلى الحديث عن "بازار مقايضتهما" بالجنود اللبنانيين المحتجزين لدى "داعش" و"جبهة النصرة".
لا ينتبه هؤلاء، على الأرجح، وبافتراض حسن النية، إلى ما يقترفونه من محو مريع للخطوط الفاصلة بين الدولة والتنظيم أو العصابة المسلحة. يتحدثون بفخر عن الخبطة الأمنية الكبرى، أو الانتصار المذهل الذي حققه الجيش، بمساعدة أجهزة استخبارية عدة، حتى ليظن من لا يعرف بأنهم باتوا يرفعون علم لبنان على مزارع شبعا.
وإذ تتناقض الأنباء، في شأن هوية المرأة التي تدعى سجى الدليمي، وما إذا كانت زوجة البغدادي فعلاً أو لا، تعود مصادر الجيش اللبناني لتؤكد أن تحليل الحمض النووي (دي. أن. إيه) للطفلة المحتجزة مع أمها، وعمرها ست سنوات، أثبت أنها ابنة الرجل الذي يتحالف العالم للقضاء عليه، والذي لا يعرف أحد من أين أتت الاستخبارات اللبنانية بحمضه النووي!
برافو.. برافو، برافو (على طريقة فضائيات الترفيه البيروتية) ولكن؛ ألا يعرف الجيش اللبناني أن بعض قادة تنظيم القاعدة، وعلى رأسهم زعيمه الراحل أسامة بن لادن، كان لهم أبناء وأقرباء وأنسباء، يعيشون في دول الغرب، وما زالوا يقيمون هناك، أو يجولون بين العواصم الأوروبية، من دون أن يعترض طريقهم أحد؟
أقول؛ هناك، حيث ثمة دول حقيقية، لا تحتاج الانتصار على امرأة عزلاء، وتحرص، ولو ظاهرياً، على أَلا تتخلق بأخلاق العصابات.

EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني