جيش عربي ضد من؟

02 مارس 2015

مشهد الغروب قرب الناصرية في العراق (2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

فجأة، ظهرت فكرة تشكيل قوات عسكرية عربية، أي جيش عربي، يتولى مواجهة التحديات، ودرء التهديدات التي تواجه الدول المشاركة فيها، أو التي تستدعيها. ونظراً لتزامن طرح الفكرة علناً مع تزايد انخراط دول عربية في عمليات عسكرية داخل أو فوق أراضي دول أخرى (عربية أيضاً)، يبدو الأمر محاولة لتقنين تلك الظاهرة الجديدة أو تنظيمها، إلا أن الفكرة نفسها يجري تداولها في الكواليس منذ أشهر. وقد شهدت أروقة جامعة الدول العربية نقاشات بشأنها، في محاولة من بعض الدول لتمرير الفكرة تحت مظلة الجامعة، بيد أن الانقسام العربي الحاصل خارج الجامعة كان لا بد وأن ينعكس داخلها، خصوصاً أن مصدر التهديد المفترض أن تتشكل قوة عربية لمواجهته، ليس إسرائيل بطبيعة الحال، ولا إيران بحكم الموازين الإقليمية والدولية. ولمّا كان شعار المرحلة وخطر الساعة هو "الإرهاب" الملتبس مفاهيمياً وتنظيمياً، فمن الطبيعي ألا يحظى التوجه نحو تشكيل حلف عسكري لمواجهته بتوافق عربي عام. بل إن دولاً عربية متهمة من دول عربية أخرى برعايتها "الإرهاب"، ما يعني أن تلك القوة قد تستخدم من هذه الدول (العربية) ضد تلك (العربية أيضاً) تحت شعار مواجهة "الإرهاب".

وفي غمرة الخلافات العربية حول الأزمة السورية، والحرب على "داعش"، بالإضافة إلى الوضع في ليبيا واليمن، لن تكون تلك القوة شاملة لكل الدول العربية، لا في عضويتها، ولا في الدول التي ستستفيد منها، ما يعني، بالتبعية، إيجاد حلف أو محور عسكري تحت إقليمي. وهي سابقة خطيرة لم تحدث في المنطقة العربية، تفتح باباً واسعاً لمحاور وأحلاف عسكرية أخرى. فبافتراض أن القوة المزمع تشكيلها ستشمل مصر والأردن وبعض دول الخليج، فذلك سيمثل دعوة ضمنية لتشكيل محور عسكري آخر، قد يضم، مثلاً، تونس والجزائر والسودان. ولا ضمانة تحول دون انضمام دول غير عربية إلى هذا المحور أو ذاك الحلف، فضلاً عن إمكانية استحداث أحلاف عسكرية، تكون الدول الإقليمية غير العربية القوام الرئيس له. ولا يمكن، في هذه الحالة، منع أو حتى لوم إيران، إذا قررت تحويل الدعم العسكري الذي تقدمه للنظام السوري إلى تحالف عسكري شامل ومفتوح ومقنَّن، يضم إيران وسورية والعراق، و(جزء) من لبنان. وهنا، ستظهر كارثة أخرى، لها مقدمات مفزعة، فعدد لا بأس به من الدول العربية ليس فيها حكومة واحدة. وفي أفضل الحالات، لا تكون الحكومة القائمة المسيطرة وحدها على الوضع الداخلي، وبالتالي، على القرار السياسي والعسكري. فإذا قرر حزب الله الانضمام إلى أحد الأحلاف العسكرية المتوقعة في المنطقة، هل تستطيع أي حكومة لبنانية منعه؟ ما ينطبق أيضاً على المليشيات المسلحة في العراق، وهي كثيرة ومتنوعة، منها ما هو سني الهوى وما هو شيعي المذهب. وفي اليمن وليبيا، لا حكومة واحدة يمكن التعامل معها، وهو وضع سيؤدي إلى اعتبار التدخل العسكري (العربي) قانونياً ومشروعاً من وجهة نظر أحد الأطراف، وفي الوقت نفسه، عدوان مرفوض في رأي طرف آخر، ما سيكرس الانقسام الداخلي القائم أصلاً، ويزيد الأمور تعقيداً. وإذا كانت المقولة الرائجة حالياً أن الجيوش العربية تنهار الواحد تلو الآخر، ولا بد من الحفاظ على المتماسك منها وتدعيمه، فأنّى يستمر التماسك مع الانخراط في أحلاف عسكرية لمواجهة مليشيات، في حروب عصابات مُهلكة لأي جيش نظامي، أو لقمع الثورات والحراك الشعبي ضد الاستبداد. ومعروف أن الجيوش لا تهزم مليشيات، والقوة لا تقهر الشعوب. وفيما يتم استنفاد ما تبقى من الجيوش العربية في تلك المواجهات، سيكون تعدد الأحلاف العسكرية مدعاة لاشتعال حرب إقليمية في المنطقة، اضطراراً أو عمداً، في أي لحظة. وعندها، ستفقد تلك الجيوش قدرتها على خوض الحروب النظامية بكفاءة، بل ربما حتى بغير كفاءة.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.