جيبوتي والتهديد بفقدان الاستقرار

01 نوفمبر 2014
+ الخط -

منذ الاستقلال الرسمي لها عن فرنسا عام 1977، لم تعرف جيبوتي حرباً أهلية، ولا انقلاباً عسكرياً، ولا أيّاً من المصائب السياسية التي أصبحت مألوفة في معظم دول شرق أفريقيا. وأكبر قوميتين، الصومالية والعفرية، تتعايشان بسلام في البلد، كما شهد الاقتصاد نمواً على مدى العقد الماضي.

كل هذا على الرغم من حقيقة واضحة أن البلاد لا تملك أصلاً مصادر لثروات طبيعية، وبسبب مناخها الجاف، هي غير قادرة على تحقيق اكتفاء ذاتي في الإنتاج الغذائي. وإذا استطاعت جيبوتي ما بعد الاستقلال أن تطور وضعاً اقتصادياً ومؤسسات سياسية مستقرة، فإن السبب يرجع إلى إدراك وفعالية استغلال موقعها الجيوستراتيجي.

وكونها تقع في القرن الأفريقي، ومتصلة بالبحر الأحمر والمحيط الهندي اللذين يعتبران ممراً مزدحماً للسفن التجارية العالمية، جعل الفرنسيين ينتبهون إلى أهميتها، ولأول مرة، حين أسسوا فيها قاعدة ليمونيه العسكرية لقواتهم في الخارج (الفيلق الأجنبي). واليوم، تتبع ليمونيه للقوات الأميركية، وتعتبر أنشط قاعدة للطائرات بدون طيار خارج أفغانستان. ولأجل قضايا عدة، مثل القرصنة البحرية والإرهاب، أثبتت جمهورية جيبوتي مراراً أنها منصة مهمة لإطلاق الصواريخ للعمليات الأميركية. وعندما أنقذت البحرية الأميركية الرهينتين، جيزيكا بوشانان وبول هاجين، العاملين في المساعدات الإنسانية، من القراصنة الصوماليين الذين احتجزوهم، كانت ليمونيه مقر إقلاع الجنود الأميركيين وهبوطهم.

وقد تولى قيادة جيبوتي رئيسان فقط منذ الاستقلال، حسن جوليد أبتدون (1977-1999)، وإسماعيل عمر جيليه، ابن أخ أبتدون؛ وكان هذا الاستمرار مسؤولاً عن الاستقرار السياسي. كما كان الاستقرار عاملاً مؤثراً في العلاقات السياسية الجيبوتية، على المستوى الدولي، وحتى بعد نهاية حكم الاستعمار الفرنسي، بقيت جيبوتي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع باريس وبعض الحلفاء في الغرب. ولم تعترف الولايات المتحدة بالأهمية الاستراتيجية للبلاد، إلا بعد حادثة 11سبتمبر/ أيلول 2001.

وإن كانت قيادة جيليه أخيراً، وفي أحسن الأحوال هشة، ما قد يزعزع الثقة، ويوقف الاستثمار الذي تشتد الحاجة إليه. وفي عام 2000، وفي 25 فبراير/ شباط الماضي، أعطى الرئيس الجيبوتي الضوء الأخضر لتوقيع اتفاقية دفاع مع الصين، تمنح بموجبها البحرية الصينية استخدام بلاده مربطاً للسفن. وتفيد التقارير بأن سوزان رايس، كبيرة مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما للشؤون الأمنية، أعربت في لقائها أخيراً مع جيليه عن قلقها العميق تجاه الحضور العسكري الصيني، المتزايد في البلاد، ما يتعارض مع التعاون الذي تم بناؤه بين أميركا وجيبوتي.

إذا كان أثر ذلك كله لا يعني شيئاً، يبدو كما لو أن الأهمية الاستراتيجية لموقع جيبوتي تغزو رأس جيليه، لتشعره بأنه واقع وراء المتناول من القوى الخارجية. ليس هناك أدنى شك أن الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى قد تكون أكثر انتقاداً لسجل حقوق الإنسان لنظام جيليه، إذا لم تكن قلقة إزاء زعزعة استقرار أحد أهم حلفائها في أفريقيا. ويجب تذكّر أنه في عام 2011 خرق جيليه التزام بلاده قرارات محكمة الجنايات الدولية، والتي وقعها بنفسه قبل تسعة أعوام، بترحيبه بالرئيس السوداني، عمر البشير، في بلاده، المتهم بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.

مثل هذا التجاهل الصارخ للاتفاقيات الموقعة، والإهمال السياسي والاقتصادي، يشكلان خطراً يقوّض الأسس التي بنت عليها جيبوتي الاستقرار النسبي فترات طويلة؛ وحتى الصين التي تستعد، حالياً، للاستفادة من غياب حسن النية لدى جيليه مع حلفائه التاريخيين، سوف تمتنع عن مساعدة جيبوتي فترة طويلة، إذا لم يثبت رئيسها بأنه جدير بالثقة.

avata
avata
كارولين هولموند (جيبوتي)
كارولين هولموند (جيبوتي)