تحاول كل دول العالم، ابتكار طرق جديدة للحد من تفشي فيروس كورونا، ولفرض قواعد التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات. في الهند مثلاً أو حتى في بعض الدول الأفريقية، تلاحق الشرطة المخالفين في الطرقات وتضربهم بعصي غليظة، في عقاب جسدي، أثار استياء المنظمات الحقوقية حول العالم.
في أميركا الوسطى والجنوبية، حيث تفشّى الوباء بشكل كبير، ومن دون أن تقوم الحكومات بداية بأية إجراءات حازمة (البرازيل والمكسيك على سبيل المثال)، تحوّل "كوفيد ــ 19" إلى ما يشبه شبح الموت المتنقّل من مدينة إلى مدينة ومن بيت إلى بيت. إلا أن الصور الأكثر حزناً كانت تأتينا منذ بدء الوباء من الإكوادور، إذ انتشرت على وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي، صور الجثث المرمية في الشوارع وعلى أبواب المستشفيات، بعدما فشلت السلطات في مواكبة عدد الموتى المرتفع جداً. لكن بعد أشهر من تفشّي فيروس كورونا، بدأت الحكومة بابتكار أساليبها الخاصة، للتماشي مع عدد الوفيات المرتفع، ومع تكدّس الجثث.
هكذا تعرّف الإكوادوريون على "وحدة كوفيد" في الشرطة، وهي وحدة مؤلّفة من عناصر من وحدة علم الجريمة، إلى جانب طبيب موفد من وزارة الصحة وأعضاء من خدمة دفن الموتى وطاقم للتعقيم، وقد استُحدِثت هذه الوحدات الخاصة في مختلف المناطق لتخفيف الضغط على خدمات الاستشفاء ودفن الموتى.
ففي بداية الموجة الوبائية، أصيبت المشارح بتخمة في مدينة غواياكيل، أحد أكبر المرافئ في جنوب غرب البلد، فتكدّست الجثث في المنازل وحتّى في الشوارع. وبعدها تحوّلت مدينة كيتو إلى بؤرة لانتشار العدوى في البلاد، فحشدت الحكومة الشرطيين المتخصصين في علم الجريمة لتولّي حالات الوفاة خارج المستشفيات.
وكالة "فرانس برس" رافقت إحدى هذه الوحدات في مهامها خلال يوم، فتنقلت مع الشرطي وليام يوغزي الذي تخلّى عن السلاح الذي يحمله خلال دوام العمل وارتدى بزّة وقائية ليقصد مسرح جريمة من نوع جديد في كيتو، فالضحية توفيت فجأة وهي جالسة على الأريكة وفي يدها كوب ماء وبسكويت إثر هجوم... من فيروس كورونا.
ويتولّى هذا الشرطي البالغ من العمر 38 عاما دراسة وضعية الجسم الشديد التصلّب، والتحقّق من وجود أيّ علامات للعنف في مسكن متواضع في كيتو.
الشخص الضحية هو بابلو ساسيغ عامل توصيل في الثامنة والأربعين من العمر عاطل من العمل أصيب بـ"كوفيد ــ 19". جلس في إحدى الليالي على أريكة بجانب سريره عندما كان أفراد العائلة الآخرون نائمين، بحسب ابنه رودريغو (23 عاماً). ووجدته والدته روزا (78 عاما) صباحاً وهو لا يزال على أريكته. فلمست جبينه لمعرفة إن كان مصاباً بالحمى وحاولت إيقاظه ولكن عبثاً حاولت. وعندما تلقّت الشرطة اتصالها، أوفدت إلى منزلها إحدى "وحدات كوفيد" البالغ عددها 15 وحدة. وسُجلّت في الإكوادور حيث تعيش 17,5 مليون نسمة قرابة عشرة آلاف وفاة خلال ستة أشهر من أصل أكثر من 105 آلاف إصابة مؤكدة. ولا يخفي يوغزي أنه يخشى انتقال العدوى إليه، لكنه يؤكد أنه ينفّذ مهامه "بوقار".
هكذا وصلت الوحدة إلى الموقع في سيارة دورية مع إطفاء الصفّارة. وقبل دخول بيت ساسيغ، ارتدى العناصر البزّات الواقية من قمّة الرأس إلى أخمص القدمين.
بداية، دخل الموقع العنصر المكلّف تعقيم الجثّة والغرفة. خلفه دخل الطبيب ثمّ عناصر الشرطة. ولا تتولّى خدمة دفن الموتى مهامها إلا عندما يسمح لها بنقل الجثّة، علماً أنه يعود للأقارب أن يقرّروا ما إذا كانوا يريدون دفن الميت أو حرق جثّته. بعدها أخذ أنخيل ميدينا، وهو أيضاً شرطي متخصص في علم الجريمة، بصمات أصابع بابلو ساسيغ لمقارنتها بتلك المحفوظة في السجلّات الرسمية بغية تأكيد هويّة الضحية. والتقط يوغزي صورة أخيرة تظهر وجه الرجل مع لاصقة تبرز اسم الضحية "15149" ورقم هويتها توضع حول معصم اليد اليمنى.
ومنذ إبريل/نيسان، توفّي في كيتو نحو 300 شخص يشتبه في إصابتهم بـ"كوفيد ــ 19" أو كانت إصاباتهم مثبتة، وجاءت وفيات هؤلاء مباغتة، فحصلت في منازلهم أو في الشارع، أو في السيّارة خلال توجّههم إلى المستشفى أو في عيادات طبية، بحسب السلطات.
وشهدت الوفيات الناجمة عن أسباب طبيعية ارتفاعاً شديداً بأكثر من 28200 حالة بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو مقارنة بالفترة عينها من العام 2019، بحسب دائرة الأحوال المدنية. وكما الحال في بلدان أخرى، يُعتقد أن الأرقام الفعلية هي أعلى في الواقع.
(فرانس برس، العربي الجديد)