جولة ليلية

11 أكتوبر 2016
(الكاتب)
+ الخط -

وصلتُ البيت حاملاً الحقيبة المليئة بالأوراق: تقارير ودراسات وأبحاث ومقترحات وعقود. كانت زوجتي تلعب الورق على السرير. على الطاولة كأس ويسكي، قالتْ دون أن تزيح نظرها عن ورق اللعب: تبدو متعباً.

أصوات المنزل: ابنتي في غرفتها تتدرّب على تثبيت السلّم الموسيقي لصوتها، والموسيقى الصاخبة قادمة من غرفة ابني. ألن تُطلق من يدك تلك الحقيبة؟ - سألتْ زوجتي- غيِّر ملابسك واشرُبْ كأس ويسكي. أنت بحاجة للراحة.

أتوجّهُ إلى المكتب، ركن البيت الذي أحب أن أنفرد فيه مع نفسي. وكالعادة، لم أفعل شيئاً. فتحت ملف أوراق التحقيق فوق المكتب، لم أكن قادراً على رؤية الحروف والأرقام جيداً، كنت أنتظر فقط. أنت لا تتوقّف عن العمل، أراهن أن شركاءك لا يعملون نصف ما تعمل ويكسبون ما تكسبه تماماً، دخلتْ زوجتي القاعة ساعتها وفي يدها كأس شراب. أيمكنني طلب تقديم العشاء الآن؟

الخادمة كانت تقدّم الطعام على الطريقة الفرنسية، أولادي كانوا قد كبروا، أنا وزوجتي أصبحنا بدينَيْن. هذا نبيذك المفضل، هي تفرقع أصابعها بمتعة. ابني طلب مني مالاً حين كنّا نشرب القهوة، ابنتي طلبت المال حين بدأنا شرب العرق. زوجتي لم تطلب شيئاً، كان لدينا حساب بنكي مشترك.

أنذهب في جولة بالسيارة؟ اقترحتُ. كنت أعرف أنها لن تذهب، فالمسلسل سيبدأ بعد قليل. لا أعرف ما نفع التجوال بالسيارة كل ليلة. تلك السيارة أيضاً كلّفت مبلغاً ضخماً من المال، يجب أن تكون مستعملة. أنا أقلّ شخص يتعلّق بالماديّات في هذا البيت، أجابتْ زوجتي.

سيارتا الولدين المركونتان على باب المرآب كانتا تمنعانني من إخراج سيارتي منه. أخرجتُهما إلى الشارع، بعدها أخرجتُ سيارتي وتركتها في الشارع، أعدت السيارتين إلى المرآب مجدداً، أغلقت الباب. كل هذا تركني مغتاظاً قليلاً، لكن ما إن رأيتُ مصدّة سيارتي بدعامتها الخاصة المطلية بالفولاذ شعرتُ أن قلبي يخفقُ بقوة من فرط الغبطة.

وضعتُ المفتاح وأشعلتُ المحرّك القوي الذي كان يولّد قوّته في صمت. خرجتُ كالعادة دون أن أعرف لأي وجهة أذهب. من الواجب أن تكون شارعاً خالياً في هذه المدينة التي يتعدّى عدد سكانها عدد الذباب. في شارع البرازيل، لم يكن ممكناً، فقد كان يعجّ بالمارة. وصلتُ إلى شارع قليل الإنارة، مليء بأشجار غامقة اللون، كان المكان المثالي.

رجل أم امرأة؟ صراحة لم يكن هناك فارق كبير، لكن لم يظهر شخص مناسب، بدأتُ أشعرُ ببعض التوتر، هذا ما يحدثُ دائماً، حتى إن هذا الأمر كان يعجبني لأن انشراح الصدر يكون أكبر أيضاً. ساعتها شاهدتُ المرأة، يمكن أن تكون الشخص المناسب، ولو أن وجود امرأة يكون أقل إثارةً لأنه أسهل.

كانت تسيرُ بسرعة وتحملُ في يدها حزمة أوراق وأكياس حلويات وخضار. كانت تلبس قميصاً وتنورة وتمشي بسرعة. على الرصيف كان يوجد صفّ أشجار، واحدة كل عشرين متراً، وهو مشكل عويص كان يتطلّب جرعة من البراعة والخبرة. أطفأتُ أنوار السيارة وأسرعتُ. شعرتْ أنني أتبعها فقط حين سمعتْ صوت مطاط العجلات يضربُ في مجرى المياه على جانب الطريق.

اصطدمتْ السيارة فوق ركبة المرأة، وسط رجليها تماماً، وفوق ذلك بقليل في الرجل الأيسر، ضربة مثالية، سمعتُ صوت الارتطام وهو يسبّب كسر العظام. عطفتُ شمالاً بسرعة، ضربة مثالية، مررتُ مثل صاروخ بجانب شجرة وانزلقتُ بعجلات السيارة وأنا أغنّي، عدتُ إلى وسط الطريق. محرّك سيارتي ممتاز، يتحوّل من صفر إلى مئة كيلو متر في ظرف 11 ثانية، حتى إنني تمكّنتُ من رؤية جسم المرأة الذي تحوّل إلى كتلة لحم متفكّكة، لونه أصبح أشدّ حمرةً وهو ممدّد فوق سور، مثل تلك الأسوار الصغيرة لبيوت الضواحي.

فحصتُ السيارة في المرآب. بنعومة مرّرتُ أصابعي، مفتخراً، على المصدّة التي لم تتعرّض لأي خدش. أناس قليلون في العالم بأسره كانوا يعادلون مهارتي في سياقة السيارات. كانت العائلة لا تزال تشاهد التلفزيون. قُمتَ بجولتك، أتشعر بأن أعصابك هدأت الآن؟ سألتني زوجتي وهي ممدّدة على الأريكة ونظراتها شاخصة صوب التلفاز. سأذهب إلى النوم، ليلة سعيدة للجميع – أجبتُ- غداً سأقضي يوم عمل رهيب في الشركة.

* José Rubem Fonseca روائي وقاص وسيناريست برازيلي وُلد عام 1925

** ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي


المساهمون