جوع في مديرية أسلم اليمنية

26 سبتمبر 2018
هكذا يزينون الأطفال في مستشفى عبس (عيسى أحمد/فرانس برس)
+ الخط -


لفظت زيفة شعيب ابنة السنوات الثلاث أنفاسها الأخيرة في قريتها الواقعة في مديرية أسلم التابعة لمحافظة حجة اليمنية، وذلك بعد معاناة طويلة من جرّاء إصابتها بسوء تغذية حاد. ولعلّ تلك المأساة نتيجة طبيعية للظروف المعيشية المتردية التي تعرفها أسرتها وأسر كثيرة في اليمن.

يخبر والد زيفة أنّ وزنها راح يتضاءل فبات جسدها نحيلاً ونتأت عظامه بينما تبدّلت ملامح وجهها الصغير، مضيفاً أنّها أصيبت بسوء التغذية قبل أشهر. بالتالي، حملوها إلى مركز صحي في منطقة الثلوث في مديرية أسلم، حيث بقيت لمدّة عشرة أيام من دون أن تقدّم لها الأدوية المناسبة نظراً إلى عدم توفّرها هناك. ويتابع الوالد أنّهم نقلوها بعد ذلك إلى مستشفى عبس التابع لمحافظة حجة والذي تديره منظمة أطباء بلا حدود لتلقي العلاج، وتوفيت هناك.

ويشير الوالد إلى أنّ القائمين على مستشفى عبس طلبوا منه نقلها إلى مدينة حجة لمتابعة حالتها الصحية في مركز علاج سوء التغذية في المستشفى الحكومي، غير أنّه لم يتمكّن من فعل ذلك. ويشرح: "لا نملك تكاليف الانتقال إلى مدينة حجة ولا ثمن الدواء والعلاج، فأنا عاطل من العمل منذ فترة ولم أجد من يقرضني المال لنقل ابنتي إلى مستشفى المدينة". ويكمل: "قررت إبقاءها في مستشفى عبس، وقلت للعاملين فيه إنّني سوف أنتظر الأجل المكتوب لابنتي وأتقبله بعدما عجزت عن توفير الدواء لها وإنقاذ حياتها".

ويتحدّث الوالد عن مرض ابنته ووفاتها وعن ظروف حياته وحياة أفراد أسرته، مؤكداً أنّ "الغذاء لا يتوفر لهم بصورة دائمة" وهذا ما تسبب في ضعف أجسادنا جميعاً. نحن نعمد إلى تناول أوراق الحلص، وهو نبات ينمو في قريتنا العقلة، فنطبخه بعدما فشلنا في توفير مواد غذائية أخرى لأطفالنا". يُذكر أنّ لديه سبعة أطفال من الجنسين، ولم تحصل عائلته على أيّ مساعدة إنسانية من قبل المنظمات خلال الفترة الماضية. ويؤكد والد زيفة أنّه وسكان المديرية بمعظمهم، لا يستطيعون شراء القمح بعد ارتفاع أسعاره بصورة كبيرة أخيراً، "فنحن بمعظمنا عاطلون من العمل منذ سنوات. أمّا الموظفون في القرية، فإنّهم من دون رواتب".




الجوع وعدم توفّر الغذاء في مديرية أسلم، دفعا أسراً كثيرة إلى تناول أوراق النبات، بما في ذلك أنواع عدّة من الأشجار، لمواجهة الموت. كذلك، يمتلئ المركز الصحي في المنطقة بعشرات الأطفال المصابين بسوء التغذية وأمراض أخرى، في ظل انعدام الإمكانات الصحية للمركز. ويقول منسق التغذية في مكتب الصحة في محافظة حجة، محمد الفراص، إنّ "مديرية أسلم من أكثر المديريات المصابة بسوء التغذية الحاد الوخيم على مستوى المحافظة، بين الأطفال دون الخامسة من العمر"، شارحاً لـ"العربي الجديد" أنّ "عدد الإصابات بسوء التغذية الحاد الوخيم كبير، فبين سكان مديرية أسلم والنازحين إليها على حدّ سواء، بلغ عند بداية العام الجاري أكثر من ألف و700 إصابة". يضيف الفراص أنّ "المرضى تلقوا العلاج في المراكز الخاصة بمتابعة سوء التغذية في المرافق الصحية البالغ عددها 11 وحدة معالجة، وكذلك في قسم الاستشفاء الخاص بمعالجة سوء التغذية الحاد الوخيم في المركز الصحي في منطقة الثلوث المموّل من قبل منظمة الصحة العالمية، وفي العيادة المتنقلة التي ينفذها مكتب الصحة في المديرية".

ويشير الفراص إلى أنّ "96 متطوعة صحية في المديرية خضعنَ للتدريب حتى يتمكنّ من القيام بالتوعية المجتمعية حول مخاطر المرض وطرق الحدّ من الإصابة به"، مشدداً على "الحاجة إلى رفع المستوى المعيشي وتوفير الغذاء وتحسين سبل العيش، بالإضافة إلى تغذية الأمهات الحوامل والمرضعات". ويوضح الفراص أنّ "عدد سكان مديرية أسلم يُقدّر بنحو 65 ألف نسمة، بينما يصل عدد النازحين إليها إلى نحو خمسة آلاف و700 نازح من مديرية حيران التي تشهد مواجهات مسلحة ومن محافظة الحديدة المشتعلة، أمّا عدد المهمشين فيبلغ نحو ستّة ألف تقريباً". ويكمل أنّ "المديرية تفتقر إلى الخدمات الأساسية وتُعَدّ من أفقر المديريات في المحافظة وفي اليمن عموماً".

في سياق متصل، يقول مدير مكتب الصحة في مديرية أسلم في حجة، الدكتور محمد عبده الأسلمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الطفلة زيفة التي قضت من جرّاء سوء التغذية، كانت تسكن في إحدى قرى منطقة الدانعي التابعة لمديرية حيران المحرق على حدود مديرية أسلم". يضيف أنّ "طفلة أخرى توفيت أخيراً بعد إصابتها بالمرض وعدم قدرة أسرتها على نقلها إلى مرفق صحي. فتعاون أهل المنطقة وأمّنوا تكاليف نقل الصغيرة بسيارة إلى المستشفى، إلا أنّها توفيت في اليوم نفسه". ويشير الأسلمي إلى "452 إصابة بسوء تغذية حاد في المرافق الصحية بالمديرية سُجّلت حتى شهر أغسطس/ آب الماضي".



من جهته، يؤكد ممثل مديرية أسلم في البرلمان، عبد الكريم الأسلمي، صعوبة الأوضاع المعيشية التي يعيشها السكان في المديرية، محمّلاً "النازحين إلى المديرية أسباب تفاقم المعاناة في المنطقة". ويشير الأسلمي في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أنّ "أبناء المديرية يستهلكون الحلص باستمرار، ومن وقت إلى آخر، كواحدة من العادات القديمة، لأنّ أجدادنا تناولوها بالفعل في أثناء مجاعات سابقة". وإذ يقول إنّ "ثمّة حالات لم تتلقَّ مساعدات من المنظمات الإغاثية لعدم تسجيلها حتى الآن"، يطالب "المنظمات المحلية والدولية بتكثيف مساعداتها الإنسانية واستيعاب كل الحالات التي أهملت سابقا، بالإضافة إلى التأكد من وصول هذه المساعدات إلى مستحقيها".

تجدر الإشارة إلى أنّه وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، فإنّ نحو 2.2 مليون طفل يمني يعانون من جرّاء سوء التغذية الحاد، وهم في حاجة إلى الرعاية العاجلة. ويشمل ذلك 462 ألف طفل على أقلّ تقدير، يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهؤلاء معرّضون للموت في حال لم يحصلوا على المساعدات التي يحتاجون إليها.