جوزيف صقر: يُغنّي كما لو أنه يتحدّث

01 يناير 2019
زياد الرحباني مع الراحل جوزف صقر (فيسبوك)
+ الخط -
صوت خفيف الظل، صاف للغاية وصادق جداً. يباغتنا، لكن بمنتهى الهدوء والثقة، عندما يقرر جوزيف صقر أن يغني. حتى الانفعال المقصود أن يكون حادّاً عبر الأغنية، يحركه صقر بصوته بمنتهى الهدوء والقوة في آن، لينقله صوته بذات الأثر بنسبة محسوبة - فطرياً على الأغلب - من دون مبالغة أو افتعال.
عمل جوزيف صقر مدرساً للغة الفرنسية قبل التحاقه بفرقة الأخوين رحباني، ليشارك في مسرحيات عديدة معهما، مثل "فخر الدين" و"هالة والملك" و"لولو" و"ميس الريم". تنقّل صقر أثناء الحرب الأهلية بين بيته في القنطاري في بيروت وقريته قرطبا. كما أقام لفترات في دمشق وأبوظبي. كان صقر أيضاً مغنياً في كورس الرحابنة مع مروان محفوظ، إلى جانب آخرين، ثم سمعه زياد الرحباني. وعن التعاون بينهما، يقول صقر: "عملنا قعدة هيك، واشتغلنا".
بدأت البطولات من هنا، في مسرحيات الرحباني الابن، كان صوت وتمثيل صقر عنصراً رئيسياً وملهماً؛ "سهرية"، و"نزل السرور"، و"بالنسبة لبكرا شو"، و"فيلم أميركي طويل"، و"شي فاشل"، و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد" و"لولا فسحة الأمل".
كثيرون من المستمعين إلى أغاني زياد الرحباني، يعتقدون أن صوت جوزيف هو صوت الأول، حتى في الفيديوهات المنشورة على يوتيوب، لا يُذكر اسم جوزيف. من أهم ما يميّز صوته، هو تنصّله من أسلوب الغناء اللبناني المميِّز للتراث والمناطق الجبلية الذي يعتمد على تفخيم واستعراض الصوت، ليصبح أقرب إلى التريُّث المصري (السلطنة) في الأداء، لكن بخفة وبشخصية صوتية مميزة، تحمل لمحة من الحزن الانهزامي، مهما كانت الأغنية فرحة.
يحطم جوزيف صقر، من دون قصد، أسطورة شائعة؛ مفادها أن الصوت الحلو الناعم الواسع القدرات لا يتمكن أبداً من الأداء التمثيلي، وأسطورة أن الجمع بين التطريب والأداء في ذات اللحظة من المستحيلات؛ فبصوته القوي الذي يتمكن من أداء العتابا، يمكنه أيضاً أن يؤدي الأغاني الشرقية الخفيفة (الطقاطيق) التي يلحنها زياد، مثل "بما إنو"، بذات السهولة التي يمكنه أن يؤدي فيها، أيضاً، أغاني الجاز المودرن بلمسات السول التي يصنعها زياد، مثل 007 و"أفلاطون". كل هذا بنفس الشخصية الصوتية الحادّة النافذة.



برغم إدراك جوزيف حرب الفطري لقدرته الطربية وصوته الواعي لحدوده وإتقانه، كان يترك عمداً مساحة بينه وبين بعض النوت أو الحليات من دون أن يصلها، ومن دون أن يصل أيضاً حدّ النشاز المزعج أو الأداء المخفق؛ فكانت هذه المساحة المشتركة بينه وبين زياد بملامسته للجاز، وخلقه نوعاً من غناء الجاز المعرّب السلالم الموسيقية بهذا الحياد الموازى عن قصد، كي لا يكون طربياً حتى النهاية، ويظل طبيعياً.
يشابه صفاء صوت جوزيف صقر صفاء صوت وديع الصافي الرنان، ولكن يختلف عنه في قرب صوت جوزيف الشديد من المستمع، وبساطته من دون حواجز طربية أو كنسية فخمة الطابع. تماماً، كالفارق بين السينما والتلفزيون في البعد. إلى جانب ذلك، يقترب صوت جوزيف من المستمع من خلال "هضامته"؛ فهو على الدوام يحوي قفشة ما. يغني جوزيف بسلاسة كأنه يتحدث؛ فالمستمع مع كل جملة ينتظر الجملة التالية متشوقاً لما سيخبره به جوزيف. يترجم هذا الأثر ويبرزه الطبيعة الراقصة لألحان زياد العربية الطابع، التي تحوي موسيقى ناضجة ومكتملة بروح تخت عربي وإيقاع راقص مراهق، وحكاية في الأغلب ساخرة لا يملك المستمع سوى التمايل والابتسام استجابة لها.
جاء صوت جوزيف صقر في الغناء مُعادلاً لأداء زياد المسرحي، وخصوصاً أن الأخير يتملّص من أنه مغنٍّ، دائماً، وكان عليه الاستناد إلى صوت كصوت صقر.
عن سرّ عمله المستمر مع زياد الرحباني، قال جوزيف: "زياد بيجاوب على شو بدي إسأل، إن كان بعمل مسرحي أو حتى بقعدة... بيجاوب عن شو عم فكّر". عند رحيله، قبل 22 عاماً، رثاه رفيقه زياد الرحباني، وجاء في هذا الرثاء: "عطاني عمرو، أنا عمرو شو بدّي فيه، أنا العمر اللي عليي مش عارف كفيه".
المساهمون