جوردي إستيفا: سندباد بحر العرب

05 نوفمبر 2014
+ الخط -

يشكّل كتاب "عرب البحر: على طريق السندباد من موانئ الجزيرة العربية إلى موانئ زنجبار" للكاتب والمصوّر الإسباني جوردي إستيفا (1951) نموذجاً لحلم الطفولة الذي تحوّل إلى مغامرة حقيقية.

الرحلات التي يضمّها الكتاب (دار سنابل) بدأت عام 1977، وهي حافلة بأخبار الأماكن وأحوالها على نحو يقود إلى تصوّر وفهمٍ أعمق للتغيرات التي مرّت بها المنطقة العربية، خصوصاً لأولئك الذين لا يميلون لقراءة التاريخ كمادة جافة. لم يتقصد إستيفا، على الأرجح، أن يقودنا إلى طريق الأسئلة والتقصي، فالكتاب ينتمي لأدب الرحلات بجدارة، ويحمل انطباعات الرحّالة عن البلاد التي يزورونها، لكن تأمّلات إستيفا هذه تكشف الكثير من التبدلات التي طرأت على البلاد العربية.

اتخذت خارطة الطريق التي اعتمدها إستيفا القاهرة نقطة انطلاق لها، ومن سلطنة عُمان نقطة وصول. على هذا النحو، سيمر مؤلّف "واحة مصر" بالسودان ويعبر البحر الأحمر حتى يصل شواطئ عدن في اليمن. ولعل رحلته إلى السودان هي الأكثر إثارة، إذ رصد في ذلك الوقت ظواهر عديدة، أهمّها بداية الأحداث السياسية في الصومال، والتي ستنتهي بتفتيت البلاد.

في جوبا السودانية، يفشل الكاتب والمخرج في العثور على قريبه الذي يعمل مع شركة تدّعي أنها تنظم رحلات لمن يريد أن يغامر بدخول الأدغال الأفريقية. بدلاً من ذلك، وجد أوروبياً آخر يعمل في الشركة نفسها، لكنه رفض أن يدلي بأية معلوماتٍ عن الجهة التي يتواجد فيها القريب المختفي.

التقط إستيفا، صاحب "العودة إلى أرض الأرواح"، إيحاءات تشير إلى سريّة العمل الذي يقوم به هؤلاء الأوروبيون في تلك المنطقة، والتي بدا أنّ فكرة رحلات الأدغال مجرّد غطاء لها، هذا ما سيبدو لاحقاً أنه مجهود استخباراتي، لا سيّما بعد انفصال جنوب السودان عن شماله.

لدى وصوله اليمن، يتبع الكاتب الخط الساحلي إلى ميناء "موقا"، الذي خرجت منه شحنات البنّ اليمني الشهير في العصور الوسطى، ويصل إلى نتيجة مفادها أن حياة اليمنيين القدامى لا تختلف كثيراً عن حياتهم اليوم. إثر وصوله إلى عُمان، يبدأ إستيفا بالتجول في منطقة ظفار والالتقاء بأهالي المنطقة وتصويرهم، هكذا حتى ينتقل إلى زنجبار في تنزانيا، ليسجّل حواراته مع قباطنة التاريخ السلطاني للشاطئ الشرقي لأفريقيا، الذي كان في يوم من الأيام امتداداً لسلطنة عُمان.

في هذه المرحلة، يتناول الكتاب ثورة الزّنج التي قامت ضد الوجود العربي في زنجبار، معتبراً إياها مؤامرة لإنهاء الوجود العربي في شرق أفريقيا، لعبت بريطانيا فيها الدور الرئيسي.

ليس "عرب البحر" كتاب رحلات فقط، بل هو "عودة إلى صفحات مشرقة في تاريخ العرب الذين كانوا سادة البحار" حسب ما يقول مترجمه طلعت شاهين، مبيناً أن إستيفا جمع الأسطورة العربية في البحار مع الرغبة في استرداد عالم اختفت ملامحه، لأنه يؤمن أن كل شيء يتغيّر إلا أن الذاكرة تبقى.

المساهمون