جورج إبراهيم عبد الله إلى الحرية اليوم؟

05 نوفمبر 2014
أقدم سجين في فرنسا وأوروبا (لوران دار/فرانس برس)
+ الخط -

ينتظر المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، حكم القضاء الفرنسي، اليوم الأربعاء، بغية إطلاق سراحه والسماح له بالعودة إلى لبنان، في ظلّ الضغوط الأميركية والإسرائيلية، التي ربما ستدخل مرة أخرى في انتهاك صارخ لحقوق أقدم سجين سياسي في فرنسا وأوروبا.


لن يخطئ المرء إذا وصف استمرارية اعتقال جورج إبراهيم "انتقام دولة"، كما يرى كثيرون، ومن بينهم مدير صحيفة "بوليتيس" الأسبوعية، دينيس سييفير. ولا شيء يبرر اعتقال الرجل بعد أن كان يتمتع، نظرياً، بحق إطلاق السراح منذ عام 1999، ولا يوجد أي تبرير قضائي لبقائه في السجن. وليس فقط المبرر القضائي هو الغائب بل حتى المبرر السياسي، فاعتقال عبد الله جاء في سياق الحرب الأهلية في لبنان والاجتياح الإسرائيلي لهذا البلد، سنة 1978.

ولا تزال ظروف اعتقال الرجل وإدانته تثير شكوكا كثيرة، إذ لم يثبت قط مساهمته في ارتكاب الأعمال التي نُسبت إليه، فيما يخص اغتيال الملحق العسكري الأميركي في باريس تشارلز راي، ولا أحد مستشاري السفارة الإسرائيلية يعقوب يارسمينتوف في فرنسا، في عام 1982. كما لم يتم إثبات تورّطه في محاولة اغتيال الدبلوماسي الأميركي روبرت أوم في ستراسبورغ عام 1984.

اعتُقل عبد الله في 1984 وحُوكم سنة 1986، بأربع سنوات سجناً، بتهمة "المشاركة في عصابة إجرامية". وكاد أن يُطلق سراحه حين اختُطف الدبلوماسي الفرنسي جيل سيدني بيرول في لبنان، فأرسلت فرنسا مبعوثاً خاصاً للتفاوض حول إطلاق سراح الدبلوماسي الفرنسي مقابل إطلاق سراح عبد الله وترحيله إلى لبنان.

وفّى مختطفو الدبلوماسي بتعهدهم في حين أن فرنسا نكثت عهدها. إذ إنه وفي يوم توقيع الاتفاق، قالت الشرطة الفرنسية إنها عثرت على متفجرات في مسكن عبد الله الباريسي. فحُكِمَ سنة 1987 بالمؤبد، وهو ما يعني إمكانية إطلاق سراحه سنة 1999.

وإذا كان جورج عبد الله، الذي تعتبر سيرته في السجن مثالية، انتظر حتى سنة 1999 بحسن نية، فإنه لم يكن يتصور أن تدخل على الخط الضغوط الأميركية والإسرائيلية واليهودية في فرنسا، من خلال المنظمات اليهودية التي تدور في فلك الدولة الإسرائيلية، ومنها "الرابطة الدولية ضد العنصرية ومعاداة السامية".

وهكذا رُفض إطلاق سراحه ثماني مرات بحجة "مخاطر العودة إلى الإجرام". وهو ما يعتبره سييفير "تبريراً مزدوج العبثية: أولاً، لأنه سيُرحّل فوراً إلى بلده، لبنان، الذي التزم باستقباله. وثانياً، لأن السياق تغير بشكل كامل، منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي. فعبد الله ليس جهاديّاً، بل مناضل شيوعي تابع لإحدى التنظيمات العلمانية، التي ضعفت بسبب القمع".

وحتى يظل عبد الله في السجن، اختلقت الاستخبارات الفرنسية قصة اعتناقه للإسلام، وهي قصة مغلوطة، على الرغم من أن اعتناق الإسلام لا يعتبر جُنحة في القانون الفرنسي العلماني.

وبالطبع لم يصدق القضاء الفرنسي هذه القصة فقرر في نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2012 إطلاق سراحه، شرط إبعاده إلى بلده. وحينها تدخل مانويل فالس، وزير الداخلية، وصديق إسرائيل و"المرتبط بها إلى الأبد"، كما قال في معرض الدفاع عن إسرائيل وعن يهود فرنسا، لمنع تنفيذ القرار القضائي. حينها يسجل أن وزيرة العدل، كريستيان توبيرا، التي كانت مناضلة وثوروية قبل وصولها إلى الوزارة، لم تُحرّك بنت شفة.

ولا يخفي الأميركيون معارضتهم لإطلاق سراح جورج إبراهيم عبد الله، إذ لا يزال الجميع يتذكر تصريح السفير الأميركي في فرنسا، تشارلز ريفكين، سنة 2012، الذي يتحدث فيه عن "الخطر الذي يمثله عبد الله على المجتمع الدولي في حال إطلاق سراحه".

وإذا كان الكثيرون في فرنسا اكتشفوا الظلم القضائي والتاريخي الذي يعاني منه عبد الله، والذي وصفه المحامي جان ـ لويس شالانسيت بـ"انتقام دولة"، فقد ذهبوا إلى المطالبة بإطلاق سراحه، وهو موقف سار في اتجاهه مدير الاستخبارات الفرنسية الداخلية بين عامي 1982 و1985، إيف بونيه، والذي أشرف على اعتقال عبد الله، من خلال التوقيع على عريضة أطلقتها موقع صحيفة "بوليتيس" الإلكتروني، تطالب بإطلاق سراحه.

فهل سيتدخل فالس، بصفته رئيساً للحكومة هذه المرة، معترضاً؟ وهل سيذهب نفس مذهب رئيس المجلس التنفيذي للمنظمات اليهودية، الذي يلحّ، قبل أي شيء، على "وجوب تخلي عبد الله عن قناعاته"؟ وهو نفس الموقف الأميركي الذي لا يرى في موقف عبد الله، بعد طول هذه المدة، أي تأسف وحزن على الضحايا.

ولاقى عبد الله دعماً من مؤيدين كثر، وأبرزهم حزب "أهالي الجمهورية"، الذي حرص الناطق باسمه يوسف بوسوماح، على التأكيد لـ "العربي الجديد"، عن مخاوفه من التدخل الأميركي الوقح في القضية دون أن يغفل دور الاشتراكيين الفرنسيين المعيب، وقال "نحن نعرف أن الولايات المتحدة مصممة على ترك عبد الله يموت في السجن، كما يقول بعض موظفي السجن، فهل سنتركها تفعل؟ لِنكن على علم أنه إذا كان عبد الله رهينةَ الأميركيين في فرنسا، فإن التاريخ سيذكر أن الشخص الذي يعترض باستمرار على إطلاق سراحه هو المحامي جورج كيجمان، الشخصية الاشتراكية البارزة. وأن سجّانه الذي يرفض تركه يخرج من السجن هو الاشتراكي، مانويل فالس، وأن زيرة العدل التي وافقت على إنكار العدالة كانت مناضلة سابقة بِيعَت للحزب الاشتراكي، كريستيان توبيرا، وأن رئيس الجمهورية والحزب اللذين يغطيان على هذه المناورة هما أيضاً اشتراكيان، ولكن الأصفاد التي تُكبّل جورج، صُنِعت، بالتأكيد، من صمتنا".

أعداء عبد الله وخصومه يعرفون أنه القائل "لستُ نادماً على شيء. ولن أقبل أي صفقة، وسأواصل المقاومة". ولهذا لم ولن يدخروا أي وسيلة لكسر صمود الرجل الأسطوري.

المساهمون