كرة القدم مثل الحياة، مجرد اختيارات. يوجد من يفكر فقط في الفوز والثلاث نقاط، وهناك من يريد تطبيق أفكاره الحياتية داخل اللعبة، أن يفوز أو يخسر مع الأسلوب، وسامباولي واحد من هؤلاء. المدرب الذي بدأ التدريب من الدرجة الأدنى، وانطلق من محطة بيلسا الأولى، النيولز أولد بويز في الأرجنتين.
التلميذ
سامباولي هو ملك الـ Pressing Game في أميركا الجنوبية، لعبة الضغط التي اشتهر بها منتخب شيلي مع اللوكو مارسيلو بيلسا في سنوات سابقة، فريقه لا يجيد بناء الهجمة من الخلف بطريقة مهارية، ولا يستحوذ على الكرة كثيراً، لكنه يقتل خصومه في نصف ملعبهم، بالدفاع المتقدم وتضييق الخناق عليهم بالسرعة المطلوبة.
النيولز أولد بويز هو الأساس، وكأن هذا النادي هو معقل الـ Bielsistas بالقارة المعزولة، لأن كلاً من بيلسا، سامباولي، تاتا مارتينو، حصلوا على تجاربهم الفنية الأولى من خلال هذا الفريق.
يعتمد جورجي في أفكاره التدريبية على نفس مبادىء بيلسا، الهجوم المستمر، اللعب العمودي إلى الأمام، الوصول إلى مرمى الخصم بأقل عدد ممكن من التمريرات، مع تسجيل الأهداف العديدة في كل مباراة، وقبل كل ذلك الضغط الراديكالي القوي في نصف ملعب المنافسين، هذه هي القاعدة التي تطورت معها الكرة في شيلي خلال السنوات الأخيرة، والسر يعود إلى العقول المبتكرة القادمة من بلاد الأرجنتين.
نقطة الضعف
منتخب شيلي فريق لا يهاب، هكذا عودتنا الكرة في أميركا الجنوبية، لا يوجد أبداً منتخب فوق الكل، مهما زادت الفروقات المهارية بين اللاعبين. والفضل في هذا الأمر يعود إلى بيلسا، المدرب الذي يتعامل مع اللعبة من منظور مختلف عن البقية، لا يهمه الفوز بقدر الطريقة التي يحقق بها مبتغاه، لذلك لعبت شيلي تحت قيادته بطريقة هجومية مندفعة، حتى أمام أعتى المنتخبات العالمية.
في مونديال جنوب أفريقيا 2010، لعبت شيلي مباريات رائعة أمام إسبانيا والبرازيل، ورغم أنها كانت الطرف الأخطر لكنها خسرت وخرجت في النهاية، والسر يعود إلى الثغرات الدفاعية الموجودة أثناء التحولات من الدفاع إلى الهجوم، بسبب نقص عدد المدافعين أمام المرمى، مع طريقة اللعب 3-3-1-3، وبالتالي كبرت الفجوة بين كُلٍّ من إيسلا وميدل على اليمين، وأصبحت هناك إمكانية لضرب الدفاعات عن طريق التمريرات الطولية الماكرة.
بعد تولي سامباولي تدريب المنتخب، سار على نفس النهج بشكل كلي، وقدم الفريق عروضاً رائعة مثل أيام بيلسا، لكنه اصطدم أيضاً بنفس الصعوبات أمام عمالقة اللعبة، كمباراة البرازيل في مونديال 2014، كذلك مباراة هولندا بنفس البطولة، ألا وهي وجود بعض الفراغات في أنصاف المسافات بين الأظهرة وقلوب الدفاع، نتيجة الجرأة الهجومية المبالغ فيها.
النضج الفني
يبدو أن جورجي سامباولي فهم اللعبة مؤخراً، وصار أكثر نضجاً على المستوى الفني، مع تحوله إلى طريق الواقعية الكروية، وتحوله إلى شخص أكثر براغماتية بالفترة الأخيرة. وظهر هذا بوضوح خلال بطولة كوبا أميركا 2015، حينما تخلى المدرب عن طريقة اللعب 3-3-1-3 قليلاً، ومبادلتها بخطة متوازنة أقرب إلى 4-3-1-2، بتواجد رباعي دفاعي متنوع، وثلاثي وسط متحرك سواء بالدفاع أو الهجوم.
راهن منتخب شيلي في السابق على الكثافة بالوسط، مع المخاطرة بالدفاع، لكنه مؤخراً حل هذه المعضلة بعودة فالديفيا إلى الخلف قليلاً، وقيامه بدور لاعب الوسط الرابع عند الحاجة، مع تثبيت جاري ميدل في الدفاع بجوار سيلفا، وذلك من أجل التغطية خلف تقدم الظهيرين، إيسلا وجان بوسيجور، بالإضافة إلى تحول مارسيلو دياز للدفاع من أجل بناء الهجمات وإخراج الكرة بشكل سليم.
تنازل سامباولي عن المبادىء الملحة للضغط، واختار استراتيجية أكثر تحفظاً، يعود دياز إلى الخلف ليصعد عوضاً عنه ميدل إلى الأمام لمقابلة ميسي، يتحرك فيدال تجاه الثلث الهجومي الأخير، ليقوم أرانجويز بالتغطية العرضية، لتنكسر كل محاولات الأرجنتين في النهائي بلعب الكرات الطولية، والسبب وجود حائط دفاعي متوازن من قبل منتخب الشيلي.
الجماعية المطلقة
تضع البرازيل كامل حظوظها على نيمار، بينما ميسي بمثابة ترمومتر الأرجنتين، لتتحول الفرق الكبيرة إلى مجموعات تضم عازفاً منفرداً، إذا كان في يومه يفوز رفاقه، أما في حالة انخفاض مستواه فالأمور تسوء على الجميع. لكن منتخب شيلي هو الوحيد الذي يقدم كرة قدم جماعية في كل شيء، من الدفاع إلى الهجوم مروراً بخط الوسط.
تعامل سامباولي مع أليكسيس سانشيز كما يفعل لوتشو مع ميسي في برشلونة، وضعه في مكان مثالي مع مزيد من الفراغات، ومحاولة التمرير له بشكل طولي مباشر، لذلك كلما يستلم اللاعب الكرة يكون في وضعية رائعة، مع تحركات مثمرة من بقية الزملاء، فارغاس، فالديفيا، فيدال، وإيسلا، إنها الكرة المثالية بالنسبة لسكان القارة الجنوبية.
تسير كرة القدم في المواسم الأخيرة وفقاً لفلسفة المدير الفني، مارسيلو بيلسا. التركيز الدائم، النقل السريع، المداورة، السيطرة على الكرة لكن مع لعب مباشر وعمودي تجاه المرمى، الاستحواذ من أجل الهجوم لا من أجل مجرد الحفاظ على الكرة، اللعب إلى الأمام، المدافع يمرر ولاعب الوسط يهاجم والمهاجم يلعب في كل مكان بالملعب، التحرر الكروي الكامل، هكذا فهم اللوكو اللعبة، وحاول ولا يزال يحاول تطبيق هذه الأفكار، لكنه يظل مجنوناً أمام الناس حتى يحقق ما يريد، وسامباولي في النسخة الأخيرة من الكوبا كان هو التلميذ الذي اتبع خطوات أستاذه، بل وتفوق عليه في النهاية.
اقرأ أيضاً..
صحف الأرجنتين تطالب بسحب شارة القيادة من ميسي