جهود تركية وضغوط شعبية تنهي اقتتال فصائل الغوطة الشرقية

11 مايو 2016
شمل الاتفاق سحب العناصر والسلاح من داخل المدن(عمار البوشي/الأناضول)
+ الخط -
أسفرت جهود المصالحة من جهات إقليمية، وتحديداً تركيا، والضغوط الشعبية عن توصل فصائل المعارضة المتحاربة في الغوطة الشرقية إلى اتفاق مبدئي لوقف النار، لينهي عشرة أيام من الاقتتال بين "جيش الإسلام" من جهة و"فيلق الرحمن" و"جيش الفسطاط" من جهة أخرى، على أن تستمر الجهود الرامية إلى التوصل لاتفاق نهائي.

يقول ناشطون ميدانيون إن الاتفاق يتضمن الوقف الفوري للاقتتال، وتعهد كل طرف بعدم الاعتداء على الطرف الآخر، وإفراغ مدينة مسرابا من العسكريين وتسليمها للمدنيين والشرطة المدنية، باعتبار أن مسرابا ليست جبهة قتال، ولا حاجة لوجود عسكريين فيها. كما تم الاتفاق على أن تتولى إدارة المدينة الفعاليات المدنية مثل الهيئة العامة في الغوطة، ومجلس محافظة ريف دمشق، واللجنة الشرعية في مسرابا، ومجلس أمناء دوما، وقيادة الشرطة.

واقتحم "جيش الإسلام"، السبت الماضي، مدينة مسرابا التي كانت خاضعة لسيطرة "جيش الفسطاط" و"فيلق الرحمن"، وقرر الانسحاب منها بموجب الاتفاق مع تعهد "فيلق الرحمن" بعدم الاقتراب منها. كما شمل الاتفاق إنزال جميع القناصين المنتشرين في الأبنية العالية، وسحب العناصر والسلاح من داخل المدن وتوجيهها للجبهات كبادرة حسن نية للتوصل للاتفاق النهائي في وقت قريب. لكن الاتفاق لم يتطرق إلى مصير المعتقلين لدى الجانبَين والمقدّر عددهم بأكثر من ألف مقاتل، إضافة إلى ما استحوذ عليه كل طرف من أسلحة ومقرات من الطرف الآخر.

وتوصل كل من "فيلق الرحمن" و"جيش الإسلام"، أمس الأول الإثنين، إلى اتفاق يقضي بتعيين ثلاثة مندوبين عن كل جانب لحل المشاكل بينهما، ويكون هؤلاء بمثابة لجنة مستقلة لحل الخلاف وإيقاف الاقتتال وحقن الدماء. وعلى الأثر، تعهد قائد "جيش الإسلام"، عصام بويضاني (أبو همام)، وقائد "فيلق الرحمن"، النقيب عبد الناصر شمير بتنفيذ وقف إطلاق النار بين الطرفين. كما تعهد بويضاني بسحب قواته العسكرية من مدينة مسرابا، وعدم العودة إليها عسكرياً، في حال التزم "فيلق الرحمن" بالاتفاق الذي تم برعاية مشايخ الغوطة الشرقية.

وقال المتحدث باسم "فيلق الرحمن"، وائل علوان إن "ما جرى هو حلّ إسعافي لوقف القتال ومنع سقوط مزيد من القتلى، خصوصاً في صفوف المدنيين ولقطع الطريق على قوات النظام السوري لاستغلال ما يجري وتحقيق تقدم في المنطقة". وأضاف علوان في تصريحات صحافية أن "تدخلاً إيجابياً من بعض الأطراف الإقليمية، خصوصاً من جانب تركيا، ومنظمة "أي ها ها" الإنسانية التركية، أدى إلى الاتفاق"، مشيراً إلى أن "جذور المشكلة تمتد لأكثر من شهرين، وأهم مسبباتها عدم وجود قضاء مستقل يخضع له الجميع، ما جعل كل الأطراف تحتكم للسلاح، والتأجيج الشرعي والإعلامي من كلا الجانبين". وأكد علوان أن الشارع السوري كان له الدور الأساسي في الدفع باتجاه التوصل إلى الاتفاق بين الأطراف المتحاربة وإجبارها على العودة إلى الصواب، على حدّ تعبيره.




وشهدت الغوطة الشرقية تصعيداً عسكرياً خلّف أكثر من 250 قتيلاً في صفوف الفصائل العسكرية والمدنيين، بالتوازي مع تصعيد في الفتاوى الشرعية من رجال الدين المناصرين لطرفَي النزاع. وبادر هؤلاء إلى اتهام الطرف الآخر بـ"الخروج عن المسار"، ما دفع المدنيين في المنطقة إلى الخروج بتظاهرات تطالب بوقف الاقتتال وتوجيه البندقية نحو النظام السوري، وتوحيد الفصائل بالمنطقة قبل أن يستغل النظام هذا الصراع ويتمكن من تحقيق تقدم كبير يجعل الجميع خاسرين فيها.

وفي حادثة عكّرت صفو الاتفاق، أطلق حاجز تابع لـ"جيش الفسطاط" على أطراف بلدة مديرا التي استعادها الأخير من "جيش الإسلام"، النار لإبعاد وفود المصالحة، ومنع دخولهم إلى البلدة. غير أن الناشط مازن زيتون يقول لـ"العربي الجديد" إن لجنة المصالحة لم تنسّق مع جيش الفسطاط بشأن دخولها إلى مديرا، وعناصر الحاجز لا يعلمون بما حدث من اتفاق بشأن بلدة مسرابا". ويؤكد أنّ الأمر ليس أكثر من سوء تفاهم بسبب حالة التوتر التي كانت سائدة، وعدم التنسيق الكافي بين الطرفين، بحسب تعبيره.

ووجّه القيادي في "جيش الإسلام"، كبير المفاوضين في وفد المعارضة إلى جنيف محمد علوش، في تغريدة له على موقع "توتير"، أمس الثلاثاء، نداء "للأخوة في الفيلق والفسطاط من أجل السماح لأهلنا في الغوطة من مرضى الكلى بالمرور عبر الحواجز ليتعالجوا في مركز دوما"، الذي يسيطر عليه "جيش الإسلام".

في غضون ذلك، استغلت قوات النظام والمليشيات الموالية لها حالة الاقتتال الداخلي بين الفصائل، وسيطرت على نقاط عدة على محور جبهة بلدة زبدين في ريف دمشق. كما حاولت التقدم من جهة طريق دمشق ـ حمص الدولي، إلا أن مقاتلي المعارضة تمكنوا من التصدي لها.
وتأتي أهمية بلدة زبدين كونها تشرف على بلدة دير العصافير وعلى بلدات عدة في المنطقة. وفي حال تمكن النظام من السيطرة عليها، تسقط نارياً 10 بلدات في القطاع الجنوبي، ويكون بإمكان النظام إحكام سيطرته على القطاع بشكل كامل.

في هذا السياق، يقول ناشطون ميدانيون إن رتلاً من قوات النظام توجه من اللواء 155 في منطقة قطيفة بالقلمون الشرقي نحو اللواء 39 في منطقة عدرا، كما خرج رتل آخر من كلية الحرب الإلكترونية على طريق المطار لاقتحام الغوطة الشرقية من محاور عدة. ويحاول النظام، منذ أيام، اقتحام بلدات في القطاع الجنوبي من الغوطة عبر محاور زبدين، وبالا، والركابية، مستغلاً الاقتتال الحاصل فيها بين فصائل المعارضة. وأشار حساب "فيلق الرحمن" على موقع "توتير" إلى أن قتلى وجرحى سقطوا في صفوف قوات النظام أثناء التصدي لمحاولة تسلل فاشلة مترافقة مع قصف مدفعي في جبهة بالا جنوب الغوطة الشرقية. كما قتل أحد المدنيين وأصيب أكثر من 20 آخرين، أول من أمس الإثنين، جراء استهداف قوات النظام مدينتَي دوما وعربين ومحيطهما بقذائف المدفعية الثقيلة والهاون.


المساهمون