جنيف3 اليمني: خيبة أمل كبرى والسرّ بين مسقط وصنعاء

09 سبتمبر 2018
فشل غريفيث في مهمته الجدّية الأولى (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -


خيبة أمل كبرى، فاقت كل التوقعات تقريباً، مُنيت بها جولة المشاورات اليمنية الأولى برعاية المبعوث الأممي مارتن غريفيث، والثالثة التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، إذ أُسدل الستار عليها في اليوم الثالث، من دون أن تكون قد بدأت، واضعة جهود السلام في اليمن، أمام مرحلة صعبة مجدداً، من المتوقع أن يسود فيها التصعيد العسكري إلى حين، الأمر الذي يحدث منذ سنوات، عقب كل محادثات فاشلة ترعاها الأمم المتحدة.

وكان غريفيث أعلن أمس السبت، انتهاء رحلة مشاورات جنيف، التي أعدّ لها منذ أشهر، محطماً بذلك، رقماً قياسياً بالفشل، مقارنة بجنيف1 في يونيو/حزيران 2015، عندما رفض الوفدان الجلوس إلى طاولة واحدة، أما هذه المرة، فإن أحد طرفي المفاوضات، ممثلاً بوفد جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائها، لم يحضر بالمرة. وأفاد المبعوث الأممي بأنه لم يكن قادراً على تجاوز المسائل التي أعاقت سفر الوفد من صنعاء إلى جنيف، ما طرح التساؤلات، عن القدرة التي يحتاجها لإقناع الأطراف بتقديم التنازلات وحل مسائل اليمن العسكرية والسياسية برمتها.

وبدا غريفيث دبلوماسياً حريصاً على بقاء خطوط التواصل مع جميع الأطراف، إذ رفض وفقاً لمصادر سياسية تحدثت إلى "العربي الجديد"، مطالب الوفد الحكومي له، بأن "يعلن صراحة أن الحوثيين هم من رفض الحضور إلى جنيف، وعوضاً عن ذلك، فقد بحث غريفيث في المبررات التي أعاقت سفر الوفد"، مؤكداً في الوقت ذاته، أن "الحوثيين كانوا يرغبون في الذهاب إلى جنيف، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك. الأمر الذي دفع رئيس الوفد الحكومي، وزير الخارجية، خالد اليماني، إلى التوجه مباشرة إلى المبعوث الخاص، قائلاً إن تصريحاته جاءت لتبرر غياب الحوثيين".

من جانبه، كشف مبعوث الأمم المتحدة، عن جولته المقبلة، التي ستشمل كلاً من العاصمة العُمانية مسقط وصنعاء، ومن المؤكد أن تغيّب وفد الحوثيين مرتبط بسبب محوري، وهو مطالبة الجماعة، بنقل جرحى يمنيين موجودين خارج البلاد للعلاج، على ظهر طائرة تابعة لسلاح الجو العُماني، إلى صنعاء، ومن ثم تقوم بأخذ الوفد المفاوض، على متنها، مع جرحى آخرين من صنعاء للعلاج في الخارج. وهو الطلب الذي قابله التحالف (السعودية والإمارات)، بالرفض، واكتفى الأخير بمنح تصريح لطائرة تابعة للأمم المتحدة بنقل الوفد وهو ما رفضه الحوثيون.

تحولت "الطائرة العُمانية"، إلى ما يشبه اللغز، بعد أن تمسّك الحوثيون بعدم السفر سوى على متنها، ودفع ذلك التحالف إلى القول إن الجماعة، تسعى لإخراج قيادات من حزب الله اللبناني وأخرى إيرانية. وقال السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر في تغريدة على حسابه على "تويتر"، إن "المليشيات الحوثية المدعومة من إيران، راوغت مرات عدة رافضة القبول بطائرة الأمم المتحدة التي ترعى المشاورات، وجعلت الأولوية لإخراج عناصر من حزب الله وإيران". وردّ المتحدث باسم الحوثيين، رئيس الوفد المفاوض على السفير بالقول إنه "حتى الببغاء أفصح لساناً من سفير برتبة مفسبك لا يحفظ إلا عبارة (إيران وحزب الله) ويظل يرددها صباحاً مساءً، بمثل هؤلاء تسقط الأنظمة وتزول الدول حينما تفتقد مشروعاً وقضية".



من زاوية أخرى، مثّلت مشاورات جنيف3 أولى محطات الإخفاق للمبعوث الأممي الجديد الذي بدأ عمله خلفاً للموريتاني اسماعيل ولد الشيخ أحمد، في مارس/آذار الماضي. ونجح غريفيث في انتزاع موافقة الأطراف المختلفة بالحضور إلى جنيف، للمرة الأولى منذ أكثر من عامين، من دون شروط مسبقة، لكن من الواضح أن فشل الجولة، وإضافة إلى أنه أول إخفاقاته المحورية، فإنه كذلك، وضعه في أزمة مع الحكومة اليمنية، التي حضر وفدها مؤلفاً من 12 شخصاً إلى جنيف، وتحولت أقصى آماله، بانتزاع موقف للمبعوث الأممي يندد بعدم حضور الحوثيين. وقد وجّه نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي من أنصار الحكومة، نقداً لاذعاً لغريفيث، فور إعلانه عن انتهاء جهود مشاورات جنيف، وما أطلقه من تصريحات، لم يوجه فيها عتاباً مباشراً للحوثيين، بل اعتمد توصيفاتهم أحياناً، باعتبارهم "وفد صنعاء".

في غضون ذلك، برزت التساؤلات عما بعد فشل المحطة السياسية التي ترقبها اليمنيون أشهراً، ومن شبه المؤكد، وكما اعتاد اليمنيون مع نهاية كل مشاورات فاشلة، عودة التصعيد العسكري. الأمر الذي بدأت بوادره منذ أيام، بتجدد المواجهات الميدانية جنوب مدينة الحديدة الساحلية، مع حشد الحوثيين قوات لاستعادة مواقع فقدوها في وقتٍ سابقٍ، في مقابل تعزيزات للقوات اليمنية المدعومة من التحالف، والتي ذكرت أنها "تستعد لمرحلة جديدة من العمليات باتجاه مدينة الحديدة الاستراتيجية، بعد أن توقف التقدم، منذ ما يقرب شهرين، نتيجة للجهود التي قادها المبعوث الدولي".

الجدير بالذكر، أن العديد من الفراغات سبقت التحضير لجولة المفاوضات الأخيرة، إذ إن جولة المشاورات الثانية (في بيل السويسرية - ويطلق عليها أيضاً جنيف2) في ديسمبر/كانون الأول 2015، ومثلها مشاورات الكويت بين إبريل/نيسان 2016 وأغسطس/آب من العام عينه، سبقهما الاتفاق على التهدئة وبعض الترتيبات المتعلقة بأجندة المفاوضات. أما هذه المرة، فقد جرى الترويج لأن الأطراف وافقت على الذهاب من دون شروط، لكن الأيام الأخيرة، أثبتت أن الحضور نفسه إلى جنيف، تحول إلى مشاورات، جعلتها تنتهي دون أن تبدأ.