تغيّرت مشهدية بيروت عشية الانتخابات البلدية لهذه الدورة. برزت لائحة "بيروت مدينتي" كخيار مدني بديل للعمل السياسي على المستوى البلدي. شبان وشابات، خبراء وخبيرات في مجالات متنوعة، وضعوا برنامجاً مركباً وشاملاً و"مبكّلاً" للعمل البلدي يلبي طموحات المواطنين والمواطنات بالعيش بكرامة في المدينة، عبر طرح وتقديم حلول واقعية لمشاكلها المستعصية.
في الشكل، جاء تطبيق المناصفة الجندرية بشكل عفوي، دون أن يبدو طارئاً أو مفروضاً بالقوة. وفي الشكل أيضاً، بدا تنوّع خلفية المرشحات في الفن والتمثيل والهندسة والأبحاث وغيرها، مدروس لما يتطلبه تنفيذ البرنامج دون أن يكون غريباً أو مسقطاً.
بالمقابل، ربما دفعت هذه اللائحة لوائح أخرى إلى ترشيح نساء ولو في ظلّ كوتا خجولة. "بيروت للبيارتة" مثال على ذلك. عدا عن اسم اللائحة "الإقصائي"، تبقى نسبة ترشيح النساء على تلك اللائحة خجولة، إذ تشكل النساء فيها 13% (3 نساء من أصل 24 مرشّحاً). وللإشارة فإن هذه هي "الكوتا" التي "مُنحت" للنساء في مقاعد المجلس البلدي لعام 2010 حيث كانت نسبة النساء فيها 13%.
في الوقت نفسه، لكن في مكان آخر، تنشط المنظمات والهيئات النسائية والمدنية بجهود المناصرة والتوعية والتدريب لـ"تعزيز مشاركة النساء في العمل السياسي". تعقد ورش عمل في الفنادق في مختلف المناطق، لتدريب المرشحات على قضايا الجندر وتوعية أعضاء المجتمع المحلي على دعم ترشيح النساء. هي أدوات العمل الكلاسيكية التي نظمت أشكال "النضال" النسوي في السنوات العشرين الماضية في موضوع المشاركة السياسية للنساء. ربما لم ننتبه في منظماتنا إلى بروز لائحة مثل لائحة "بيروت مدينتي" كنموذج عملي وواقعي يترجم فعلياً ما نصبو إلى تحقيقه منذ عقود.
وفي هذا السياق، حدث أننا كنا في عام 2005 نبحث عن ترجمة عربية لكلمة (gender mainstreaming). كانت حينها الترجمة "إدماج الجندر في التيار الرئيسي" في مصطلح مركب وربما فارغ لا يعني شيئاً ولا يعكس محتوى هذه الكلمة. بتنا نعقد ورش عمل وبرامج تدريب لـ"إدماج الجندر" في أعمال المؤسسات والوزارات، وفي اللوائح الإنتخابية.
لا تزال الكوتا النسائية على جدول أعمال المنظمات النسائية في أطر التوعية والتدريب. ولا تزال بعض حملات المنظمات النسائية تخاطب النساء كـ"إناث" في إحدى حملاتها الحالية مستخدمة شعار مثل (ترشحي لأنك أنثى!). هنا أيضاً ربما لم ننتبه إلى أن لائحة "بيروت مدينتي" طبّقت وتطبق المفاهيم والممارسات الجندرية وأبرزها ماينستريمنغ - جندر والمشاركة الفاعلة للنساء في العمل البلدي.