"السبب الرئيسي الذي دفعني إلى ترك ميانمار (بورما) كان عدم السماح لنا بالتنقل من قرية إلى أخرى من دون تصريح. وإذا ما حصلنا عليه، يضربنا عناصر الجيش بهدف الحصول على المال. يفعلون هذا لأنهم يسعون إلى قتلنا ببطء. يريدوننا أن نموت جوعاً. هذه الإجراءات جعلت بعض الناس يموتون جراء النقص في الغذاء والدواء. إنها خطة ممنهجة". هذا الكلام لشاب من الروهينغيا يبلغ من العمر 27 عاماً، وقد رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.
فتاةٌ هذه المرة، تبلغ من العمر 15 عاماً، اضطرت إلى مغادرة ولاية راخين، الواقعة علی الساحل الغربي والمطلة علی المحيط الهندي، بسبب الجوع. تقول إن منظمات الأمم المتحدة كانت تعطي الفرد كوباً من الأرز وقليلاً من الزيت في اليوم. تقول الفتاة: "كنا نضطر إلى بيع نصفها أحياناً لشراء حاجيات أخرى كالوقود. عشتُ في المخيمات. وبسبب المعاناة، أدركت أنه يجب مغادرة البلاد".
حدثت هاتان القصتان، وتحدث الآلاف غيرهما في راخين، موطن مسلمي الروهينغيا، الذين
تعرضوا خلال السنوات الأخيرة للاضطهاد. ويعيش حوالي 1.3 مليون منهم في مخيمات وبيوت بدائية. يمكنُ جمع القصص المأساوية التي يشهدها العالم وإسقاطها على هذه الولاية. هناك، يولد هؤلاء بهدف الموت، بعدما حرمتهم السلطات من الحق في الحياة.
منذ العام 1982، تحرمهم ميانمار من حق المواطنة بحجة أنهم مهاجرون بنغاليون غير شرعيين، فيما تصنّفهم الأمم المتحدة من بين أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم، بفعل الاشتباكات الطائفية التي دارت بينهم وبين البوذيين، إلی أن اندلعت أعمال عنف ضدهم عام 2012.
في ذلك الوقت، اتُّهم جيش ميانمار باستهداف الروهينغيا من خلال الاعتقالات الجماعية والعنف. وبدأ عشرات الآلاف منهم الهجرة إلى ماليزيا، كما وقع كثيرون في قبضة تجار البشر، فيما وصل عدد كبير منهم عن طريق البحر إلى السواحل التايلاندية. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، فرّ أكثر من 120 ألفاً منهم إلى الدول المجاورة.
في يناير/كانون الأول عام 2014، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو ميانمار إلى منح الجنسية الميانمارية لهذه الأقلية المسلمة. لكن القرار لم يكن ملزماً رغم اعتماده بالإجماع، في ظل "القلق الشديد" حيال مصير الروهينغيا. وخلال العام 2013، قتل البوذيون حوالي 200 شخص في الولاية، معظمهم من المسلمين، وأحرقوا مئات المنازل، وأجبر حوالي 250 ألفاً على ترك المنطقة.
اقرأ أيضاً: آلاف الروهينغا يواجهون الموت فراراً من الموت
في السياق، تذكر منظمة "فورتيفاي رايتس" الحقوقية، المعنية في رصد ومنع انتهاكات حقوق الإنسان في جنوب شرق آسيا، أن التجار متواطئون مع السلطات في ميانمار وبنغلادش المجاورة، لتعذيب الروهينغيا، والحصول منهم على مبالغ ضخمة قبل السماح لهم بالوصول إلى ماليزيا. أما أولئك العاجزون عن الدفع، فيباعون إلى صيادين، أو آخرين.
في هذا الصدد، تعملُ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على مساعدة الروهينغيا. يقول المسؤول الإعلامي في المفوضية أندرياس نيدهام لـ "العربي الجديد" في هذا الشأن، إن "المفوضية عملت على مساعدة الروهينغيا الذين فرّوا إلى بلدان أخرى خلال السنوات الماضية، بينها بنغلادش والهند وأندونيسيا وماليزيا وتايلاند".
ويوضح أنه "في بعض المناطق، تمكنّا من تسجيلهم أو مدّهم بالمواد الإغاثية. كذلك، طالبنا حكومات الدول المضيفة بعدم إرسالهم مجدداً إلى ميانمار، واحترام حقوقهم والسماح لهم بالوصول إلى الخدمات الأساسية". يتابع أننا "عملنا على مساعدة النازحين في الداخل في ولاية راخين، وخصوصاً بعد العنف الطائفي الذي ضرب البلاد عام 2012. أيضاً، ساعدنا حوالي 140 ألف نازح كانوا من دون مأوى، وغالبيتهم من الروهينغيا. وكجزء من الاستجابة المشتركة بين الوكالات الإنسانية، قادت المفوضية الجهود لتوفير إمدادات الإغاثة ومساكن مؤقتة لهؤلاء".
يعاني المسلمون الروهينغيا من انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية. والمشكلة الكبرى تتمثل في حرمانهم من حق المواطنة. يقول نيدهام إن "ميانمار لا تعترف بالغالبية العظمى من الروهينغيا كمواطنين، ما يعني أنه ليس لديهم أي حقوق، ويفتقدون الأمان الذي يتمتع به المواطنون". يضيف أنه "في ولاية راخين، يعاني هؤلاء من قيود عدة في حياتهم اليومية، منها تلك المتعلقة بحرية الحركة. هذا بدوره يحدّ من فرص حصولهم على الخدمات الأساسية، بما فيها الرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى فرص كسب العيش".
في هذا الإطار، حثّت المفوضية، بحسب نيدهام، ميانمار على منح الروهينغيا حق المواطنة، ووضع حد للقيود المفروضة عليهم، منها حرية التنقل. يضيف أنه في راخين، قدمت المفوضية المساعدات لحوالي 250 ألف شخص عادوا إلى البلاد، بعدما مكثوا لسنوات في مخيمات اللجوء في بنغلادش.
وفي ما يتعلق بآلية العمل مع دولة ميانمار لإعطاء الجنسية للروهينغيا، يقول "إننا لا نمارس أي ضغوط بل نسعى إلى العمل معها بطريقة بناءة". ويوضح، نقلاً عن عدد من الناجين من الرحلات عبر البحر، أن بعض الأطفال اختطفوا من الشوارع في ميانمار وبنغلادش، وأخذهم المهربون في قواربهم. ويلفت إلى أن "الرحلة بحد ذاتها محفوفة بالمخاطر، وغالباً ما تكون القوارب مكتظة. ولا يستطيع جميع المسافرين الجلوس في القارب، وبالكاد يحصلون على المياه. ويتعرّض للضرب من يقرّر التحرك من دون إذن، حتى لو أراد فقط الذهاب إلى المرحاض. ومن يحالفه الحظ ويصل إلى مهربين آخرين على الحدود التايلاندية ـ الماليزية، فيوضع مجدداً في مخيمات مكتظة، ويحصل على الطعام مرة أو اثنتين على الأكثر يومياً، ويضرب إن لم توافق عائلته (بعد الاتصال بها) على دفع المال في مقابل إطلاق سراحه.
ويقول بعض الذين نجوا إن آخرين لقوا حتفهم نتيجة الضرب المبرح والحرمان من الطعام".
اقرأ أيضاً: قمة آسيوية لبحث أزمة المهاجرين الروهينغا
المعاناةُ كبيرة إذاً. اضطهاد في الداخل وحرمان من جميع الحقوق، واضطهاد جديد في دول اللجوء. يولد الروهينغيا من دون حياة، ويعيشون من دون مستقبل. يدرك الفارّون مخاطر الهجرة غير الشرعية. مع ذلك، يبقى هذا خيارهم الأخير.
وتعليقاً على الهجرة غير الشرعية، يقول نيدهام إن "الوكالة ليس لديها أي خبرة أو سلطة لمنع الأمر. هذه مشكلة إقليمية تحتاج إلى حلول إقليمية. ليس لدينا أي معلومات عما إذا كان هناك روهينغيا عالقون في البحر اليوم. في منتصف يونيو/حزيران الماضي، قدرنا وجود المئات في عداد المفقودين. ونرجح احتمال أن يكون البعض قد غادروا القوارب من دون علم أحد".
أما الروهينغيا الذين سمح لهم بدخول إندونيسيا وماليزيا وتايلاند في مايو/أيار الماضي، فتسعى المفوضية إلى توفير إمدادات الإغاثة لهم بالإضافة إلى تسجيلهم.
ولدى سؤاله عن رفض إندونيسيا وتايلاند استقبال اللاجئين، يقول نيدهام إن "تايلاند تستضيف حالياً أكثر من 500 من الروهينغيا، بالإضافة إلى 1700 في اندونيسيا، و46000 في ماليزيا، و11000 في الهند، و232 ألفاً في بنغلادش، علماً أنها الدولة الوحيدة التي تضم مخيمات. أما الدول الأخرى، فيعيش المهاجرون فيها في مراكز احتجاز المهاجرين، أو الملاجئ، أو بين السكان المحليين".
يبدو واضحاً أن الحكومة الميانمارية لا تنوي منح الروهينغيا حق المواطنة. أكثر من ذلك، يبدو أنها تسعى إلى الحد من نسل هذه الأقلية، من خلال منع الزواج إلا بعد الحصول على إذن، من دون أن يعني ذلك أن التقدم بطلب زواج سيقابل بالموافقة. هذا ما يقوله المدير التنفيذي لـ "فورتيفاي رايتس" ماثيو سميت لـ "العربي الجديد".
كذلك، يمنع عليهم إنجاب الأطفال خارج إطار الزواج، كما حدّدت عدد الأطفال باثنين، ما اضطر عددا من النساء إلى الإجهاض. ونتيجة منع الروهينغيا من التنقل، لا يستطيع الأطفال الوصول إلى المدارس، على سبيل المثال.
ويعدّد سميث الانتهاكات بحق الروهينغيا كـ "استغلال الأطفال في الجيش، والعمالة، والاغتصاب، والقتل والتعذيب، وإحراق الممتلكات". ويضيف أن جميع هذه الإجراءات تدفع هذه الأقلية إلى مغادرة البلاد. ويرى أن حل هذه القضية يحتاج إلى ضغط دولي لم يتحقق حتى اليوم.
وعلى الرغم من جميع أنواع هذه المعاناة، لم تنتشر الأمراض بين الروهينغيا، بحسب نيدهام، إلا أن معظم السكان يعانون من نقص في فيتامين "ب"، نتيجة سوء التغذية. فهؤلاء بالكاد يحصلون على الأرز والفلفل الحار.
اقرأ أيضاً: منظمة حقوقية: حماية أقلية الروهينغا مسؤولية العالم