جملة وتفصيلاً

13 يونيو 2015

متوقع جداً من البطل الورقي أن يتفوه بهراء كثير(Getty)

+ الخط -
عادي جداً! إياك أن تغضب، لا عليك، صديقي القارئ البريء الطيب الذي يميل إلى تصديق الأشياء من باب افتراض حسن النية، لأنك ما زلت، بحكم تطلعك إلى غد عربي أقل قتامة، تكنّ تقديراً للكلمة، وتؤمن بكليتك بدور المثقف الطليعي في حركة تحرر الشعوب، وتحقيق أحلامها في العدالة والحق والجمال والغد الآمن المستقر كذلك. لا داعي للاستهجان، الله يرضى عليك، تخلص قليلاً من مثاليتك وحرفيتك ونقاء سريرتك. إنها ليست آخر الدنيا، وهي ليست مصيبة المصائب، لا سمح الله، بل إنها تحدث دائماً، وتحدث كثيراً، خصوصاً بين رهط المثقفين الأبرار، الله يخليهم لأمهاتهم! 

ممكن جداً أن يتفوه كاتب ما في بلد عربي ما، وهو الفاشل بشكل ذريع على المستوى الإنساني، بدليل عدد الذين انفضّوا عنه تباعاً عبر السنين، وها هو يعبر، متثاقلاً مترهلاً، سن اليأس الإبداعي، بكثير من مشاعر السواد والضغينة والافتراء والتخوين والشك الذي يطغى على خطابه الهزيل، غير المستند إلا على الكذب المحض. متوقع جداً من هذا البطل الورقي (المجعلك) الملفوظ أن يتفوه بهراء كثير، من باب محاولة لفت النظر ليس أكثر! وسوف يجد من أمثاله صغاراً يشدون على يده، ويصفقون لبذاءاته التي يبثها على مواقع التواصل، وفي مقالات تفوح بنفس طائفي إقليمي تشبيحي بغيض، يعمل هذا المسبح بحمد الطغاة وأتباعهم من المنتفعين والمضللين على نشر إشاعات سخيفة مضحكة بدائية غير متقنة على المستوى الفني! تطاول زملاء (يزعم أنهم تقاضوا أموالاً طائلة) مقابل انحيازهم إلى حق الضحية في السؤال البسيط: بأي ذنب قتلت؟ وكذلك حق الشعوب في الحياة، متحررة من حكم عائلة باغية حكمتها انقلاباً بالنار والحديد عقوداً طوال، وكذلك حق الإنسان العادي غير المسيّس في التأمل بما يحدث على الأرض من ظلم وعدوان.
خطيئة الزملاء المفترى عليهم زورا وبهتانا أنهم مخالفون بشكل جذري للكاتب غير الجهبذ في مواقفه السياسية المشينة، المصطفة بشكل جلي، لا يقبل اللبس خلف ديكتاتور برتبة حكيم عيون أعمى البصيرة، خبير متمرس في البراميل العشوائية المتفجرة الساقطة على رؤوس أبرياء، ذنبهم الفادح هو مصادفة الجغرافيا البحتة. مجرم حرب تقليدي قتل واعتقل وشرد وهجر شعباً بأكمله، حفاظاً على كرسي مخلخل، على وشك التحطم فوق رأسه، متستراً بذرائع مستهلكة غير مقنعة، لا تتخطى حدودها اللفظية المحتشدة في خطابات طاغية الجنوب لبناني التي لم تعد تنطلي لفرط ركاكتها على صغير في اللفة.
ويدرك هذا الكاتب غير الكبير سوى عمراً، في أعماقه، أن من حاول التطاول عليهم من مناصري الطرف المستضعف في مجريات هذا الكابوس، هم تعريف للصدق والضمير الحي، غير أنه سوف يظل يجادل في المحسوس، لسبب سيكولوجي معروف، مفاده بأن اللص والمتسول والمنتفع والقاتل والمعتدي يرغب، عادةً، في تصديق أن كل الناس يفكرون، ويتصرفون وفق أسلوبه النفعي غير الأخلاقي. وفي ذلك، حل سحري فذ، وتحايل مكشوف على المستوى النفسي، يمنح ضميره، على فرض وجوده، بعضاً من سكينة، أمثال هذا النموذج المؤسف متوفر في الأوساط الثقافية، وهي الحاضنة لأبشع أشكال الأمراض النفسية غير القابلة للتعافي من شيزوفرينيا ونرجسية وأحقاد وحسد وكراهية وابتذال وخيال ساذج مسموم تنقصه البراعة.
من هنا، لا بد من التأكيد على عادية أن ينجم كل هذا القبح عن هذا المثقف وأمثاله من ذوي الضمائر المهترئة التي برسم البيع، وهم المستكينون بدعة وامتثال عجيبين أسفل الحذاء العسكري المستأجر الآثم المدافع عن فرد في مواجهة أغلبية كبرى، راغبة في الخلاص.
ومن الطبيعي جداً، والحالة هذه، أن تتناقض أقواله مع الحق والحقيقة، جملة وتفصيلاً.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.