يستعد الفلسطينيون لـ"جمعة الغضب الثانية" ضمن فعاليات مسيرة العودة وكسر الحصار، بأدوات نضالية جديدة ابتدعوها لمواجهة العنف الإسرائيلي الذي واجهوه في أول حراكهم السلمي، ما أعاد للأذهان سير الحراك الجماهيري الفلسطيني الأول في الانتفاضة الأولى، وبداية انتفاضة الأقصى.
ويبدو أنّ الفلسطينيين مستمرون في حراكهم، رغم عاصفة الاتصالات التي ترد إلى قيادات غزة من أطراف مختلفة، لوقف تدهور الأوضاع ومنع الفعاليات الحدودية، وسط إصرار فلسطيني، رسمي وشعبي، على السير حتى النهاية في طريق النضال السلمي والحراك الحدودي.
وأطلق كثيرون على الجمعة الثانية من الغضب الشعبي، اسم "جمعة الكاوتشوك" (إطارات السيارات الفارغة)، في ظلّ جمع المتظاهرين لكميات كبيرة منها لحرقها على الحدود ومنع الاحتلال الإسرائيلي من استهدافهم، رغم توضيح البعض مخاطر القيام بمثل هذه الخطوة، لكن يبدو أنّ المتظاهرين ماضون فيها.
وعلى الشريط الحدودي الذي يستقبل المتظاهرين يومياً والفعاليات المختلفة للاحتجاج، وُضعت سواتر ترابية وأكوام من الرمال لاحتماء المتظاهرين بها، في ظلّ الاستهداف الإسرائيلي المتعمّد للمتظاهرين المقتربين من السياج الفاصل، أو حتى المتواجدين في خيام التظاهرة التي لا تزال منصوبة على بعد نحو سبعمائة متر من الحدود.
ويتوقّع أنّ يكون زخم هذه الجمعة أكبر من الجمعة الأولى، إذ إنّ المتظاهرين باتوا يعتقدون أنّ مفاعيل "جمعة الغضب" الأولى، محلياً ودولياً، أتت بعض ثمارها، وهم ينتظرون القيام بالجهود كافة من أجل لفت الأنظار إلى معاناتهم المستمرة بفعل الاحتلال والحصار، إضافة إلى المعاناة اليومية المترتبة على الانقسام الفلسطيني السياسي.
وبات الفلسطينيون يتداولون أفكاراً جديدة لحراكهم السلمي، منها إقامة فعالية سلسلة بشرية على بعد محدد من السياج الفاصل بزيّ موحّد، فضلاً عن أفكار أخرى متعلّقة بحمل المرايا العاكسة لمنع جنود الاحتلال الإسرائيلي المنتشرين على الحدود من استهداف المتظاهرين.
وفي الجانب المحتل من الأراضي الفلسطينية، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تعزيز قواته وجنوده وآلياته العسكرية على مقربة من السياج الفاصل، في مشهد يذكر بمشاهد الاعتداءات الإسرائيلية خلال الحروب. وتعمل طائرات جديدة يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي للمرة الأولى، على مسح الشريط الحدودي بشكل مستمر، ومنها ما يقوم بإطلاق قنابل الغاز على المتظاهرين، في محاولة لتفريقهم، لكن سرعان ما يتجاوز الشباب هذه العراقيل ويعودون لأماكن اعتصامهم.
إلى ذلك، رصد تقرير أصدره "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان"، ومقره غزة، سلسلة من النقاط التي استخدمت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي القوة في التعامل مع التظاهرات السلمية. وأشار المركز إلى أنّ "المسافة التي تمركز خلفها جنود الاحتلال تبعد نحو 30 إلى 70 متراً من السياج الفاصل، وأن أكثر نقطة اقترب منها المتظاهرون في أغلب المناطق لا تتعدى 50 متراً غرب السياج، وبذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تشكل المسافة ما بين الجنود والمتظاهرين أي خطر على حياة الجنود، خصوصاً أن المتظاهرين عزّل".
ولفت المركز في تقريره الأسبوعي، إلى أنّ "قوات الاحتلال استهدفت بشكل مباشر عدداً من النشطاء الميدانيين، والذين يتواجدون باستمرار على الشريط الحدودي في أي فعالية سلمية"، موضحاً أنّ "جميع الشهداء كانت إصاباتهم في الرأس والعنق والصدر والبطن، وهناك واحد منهم أصيب في الرأس من الخلف". وأكّد المركز "تعمّد قوات الاحتلال إيقاع أكبر عدد من الإعاقات في صفوف المتظاهرين، حيث كانت هناك إصابات في الركبة"، لافتاً إلى أنّ "سقوط العدد الكبير من الضحايا في قطاع غزة يدلّ على استمرار قوات الاحتلال في اقتراف المزيد من جرائمها، واستخدام القوة المفرطة ضد المواطنين الفلسطينيين، واستهتارها بأرواحهم بقرار سياسي رسمي".
وفي السياق، قال عضو الهيئة القيادية العليا لمسيرات العودة، ذو الفقار سويرجو، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه المسيرات بدأت تصبح ثقافة في الشارع الفلسطيني وفي قطاع غزة تحديداً، ولم تعد حراكاً عادياً، نتيجة لتأثيراتها الكبيرة الداخلية والخارجية"، متوقّعاً أن تشهد الجمعة الثانية وما سيتبعها من أيام "تواجداً مكثفاً لعشرات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة"، استمراراً لمسيرة العودة التي شهدها القطاع يوم الجمعة الماضي في ذكرى يوم الأرض، مع تأكيده أنه يتمّ "العمل حالياً على محاولة تقليل نسبة الخطر على المتظاهرين".
وأضاف سويرجو أنّ "ردات الفعل التي حصلت من قبل المجتمع الدولي وحالة الارتباك الكبير التي وقعت داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، ساهمت في تعزيز الحشود الجماهيرية واستمرارها، وصولاً إلى الحراك الكبير المتوقع أنّ يكون في 15 مايو/ أيار المقبل، بذكرى النكبة". وأكّد أنّ "الحراك بات مطلوباً له الاستمرار وأن يأخذ شكلاً حضارياً أكثر مما هو عليه، وأن يجري خفض كلفته من الناحية المادية والبشرية"، مشيراً إلى أنّه "سيجري إبعاد الاحتجاجات عن الاحتكاك المباشر مع جنود الاحتلال، وسيتم استخدام بعض الأدوات البدائية البسيطة التي تستنزف جنود الاحتلال المدربين على التعامل مع الحروب".
وتوقّع سويرجو "أن تتدحرج كرة الثلج خلال الفترة المقبلة وأن تكون للمسيرات رسائلها الواضحة للاحتلال والمجتمع الدولي، والتي من شأنها أن تصل بالحراك إلى الاجتياح السلمي للحدود من دون استخدام أي وسائل، وعبر التقدّم السلمي البطيء، وصولاً إلى مرحلة الاشتباك المباشر من نقطة صفر من دون أي أدوات".