جمعة "الشهداء والأسرى"... أسبوع رابع من تحدي التهديدات الإسرائيلية

21 ابريل 2018
تحدّي الاحتلال يسير بنسق تصاعدي (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

كانت الأراضي الفلسطينية على موعد، أمس، مع الجمعة الرابعة من فعاليات مسيرات العودة، والتي أُطلق عليها "جمعة الشهداء والأسرى"، ليعمّد الفلسطينيون بدمائهم أسبوعاً رابعاً من المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً عند الحدود الشرقية لقطاع غزة، وسط حالة من الإصرار على استمرار الاحتجاج السلمي وتلبية مطالب المتظاهرين، ووقف العبث بالقضية الفلسطينية، على الرغم من التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة.

وبدت الأوضاع ساخنة في الخطوط الأمامية ونقاط التماس عند السياج الفاصل على الحدود الشرقية لقطاع غزة، في الجمعة الرابعة التي سجّلت سقوط ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى الفلسطينيين، فيما كان الاحتلال استبق ذلك بإلقاء طائراته المسيّرة منشورات، صباح أمس، في مناطق التظاهر وقبالة الحدود الشرقية لغزة، حملت تهديدات للسكان المدنيين من الاقتراب من الحدود، وتحذيرات من أنّ الجيش الإسرائيلي سيتعامل بقوة مع المتظاهرين الفلسطينيين.

غير أن تلك الخطوة لم تنجح في ثني الفلسطينيين عن المشاركة في المسيرات والتظاهرات الحاشدة، التي تتصاعد وتيرتها جُمعة بعد الأخرى، في مواصلة لفعاليات مسيرات العودة الكبرى التي أطلقت شرارتها في ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من مارس/ آذار الماضي. إصرار الفلسطينيين على مواصلة المسيرات الاحتجاجية السلمية يأتي على الرغم من الخطر المحدق، والاستهداف الإسرائيلي المتواصل للمتظاهرين العُزّل، من دون تفريق بين كبير أو صغير، امرأة أو رجل، وبعد سقوط آلاف الجرحى، ونحو 33 شهيداً، قبل تسجيل الضحايا أمس، إثر استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي القوة المفرطة والرصاص الحي والأعيرة المطاطية وقنابل الغاز السامة والقنابل المسيلة للدموع.

وبدأ الفلسطينيون مبكراً التجمع قبالة الحدود الشرقية لقطاع غزة، للمشاركة في التظاهرات. ووفق معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فإنّ منظمي الفعاليات اتخذوا سلسلة قرارات من أجل استدامة هذه الفعاليات. وأقدم المنظمون، وهم القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية والفعاليات الشعبية، على تقديم الخيام إلى ما يقارب 50 متراً، ما يعني تقليص المسافة التي تفصل بين الخيام والأراضي المحتلة، في إشارة إلى استمرار هذه التظاهرات والفعاليات وعدم توقفها حتى تحقيق الأهداف الموضوعة لها.

ونجح متظاهرون فلسطينيون شرقي مدينة خان يونس، جنوبي غزة، في إزالة أجزاء من السياج الحدودي الذي وضعته قوات الاحتلال خارج الحدود. وأطلقت القوات الإسرائيلية نيران قناصتها على المتظاهرين في محاولة لإبعادهم عن الحدود. فيما أشعل الشبان الفلسطينيون في مناطق مختلفة من الحدود إطارات السيارات "الكاوتشوك" لحجب الرؤية عن قناصة الاحتلال المنتشرين بكثافة في مناطق التماس الحدودية، والذين يعتلون السواتر الترابية والأبراج العسكرية.
"على القدس رايحين، شهداء بالملايين"، "يا شهيد ارتاح ارتاح، واحنا نواصل الكفاح"، بهذه الهتافات صدحت جموع مئات المحتشدين على الحدود الشرقية، إلى جانب "يا أسير سير سير، واحنا معاك للتحرير"، "يا أسير وينك وينك، إسرائيل بينا وبينك".


في المقابل، واصلت قوات الاحتلال المتمترسة خلف آلياتها العسكرية وسواترها الترابية على طول الشريط الحدودي لغزة من شماله حتى جنوبه، استهداف المتظاهرين العُزل، على الرغم من سلمية التظاهرات، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة فلسطينيين، عُرف منهم أحمد نبيل أبو عقل (25 عاماً)، والذي أصيب برصاصة في الرأس من قناص إسرائيلي إلى الشرق من مخيم جباليا للاجئين، شمال قطاع غزة، وأحمد رشاد العثامنة (24 عاماً).

ولم يكن الوضع أكثر أمناً في مداخل مخيمات العودة الخمس في رفح، خان يونس، البريج، غزة، وجباليا، إلا أن المعتصمين داخل تلك الخيام القماشية أصروا على استكمال أنشطتهم حتى تحقيق الأهداف المرجوة، خصوصاً بعد سقوط عدد كبير من الضحايا الفلسطينيين الذين لم يتسلحوا سوى بالعَلَم والمطالبات السلمية.

مداخل تلك المخيمات تزيّنت بصور الشهداء والأسرى والأعلام الفلسطينية، إلى جانب سارية كبيرة وضع عليها علم ضخم، إلى جانب تنظيم "معرض الأسرى" والذي احتوى مدخله على عبارة "عودتنا قريبة وحريتكم أقرب"، وإلى جانبها بعض اليافطات المطالبة بحرية الأسرى. وخصصت بعض تلك الخيام لأهالي بلدات معينة، ووضعت أسماء البلدات الفلسطينية عليها، وإلى جانبها بعض الصور التذكارية القديمة. وقام أهالي البلدات الفلسطينية بإقامة بعض الطقوس الخاصة ببلداتهم، فارتدت بعض النسوة الزي الخاص ببلداتهن، وصنعن الأكلات التراثية لمساندة المشاركين، بينما حاول الرجال المساعدة لإسعاف الجرحى، في لوحة شعبية ووطنية متكاملة ومتماسكة. وتجاور تلك الخيام سيارات إسعاف تم تجهيزها وتشغيلها لنقل الإصابات على وجه السرعة، بعد تقديم الإسعافات الأولية والإغاثية داخل الخيام الطبية المنتشرة، والتي تم تزويدها بالمعدات والأدوات الطبية اللازمة، وينتفض المتظاهرون لنقل كل إصابة، في حال عدم قدرة الإسعافات على الوصول إليها نتيجة الاستهداف الإسرائيلي المستمر للطواقم الطبية.

وعلى الرغم من التلويح الإسرائيلي الدائم باستخدام القوة لردع المشاركين، فقد بات "يوم الجمعة" يوماً محورياً عند الفلسطينيين، إذ تتم تسميته باسم معين، يحمل عنواناً يميز فعالياته عن الأسبوع الذي سبقه. ويوم أمس، وهي الجمعة الرابعة، تم تخصيصها للشهداء والأسرى، تخليداً لذكرى الشهداء الذين ارتقوا وهم يدافعون عن قضية فلسطين، وإسناداً للأسرى الفلسطينيين، الذين يتعرضون لمختلف الممارسات الإسرائيلية العنصرية خلف قضبان السجون.
وكانت الجمعة الثالثة قد خُصصت لرفع العلم الفلسطيني، وحرق العلم الإسرائيلي، فيما سُميت الجمعة الثانية بـ"جمعة الكاوتشوك" (إطارات السيارات الفارغة) والتي أشعلت فيها الإطارات بهدف حرف أنظار أفراد وحدة القناصة الإسرائيلية. وأشعل المتظاهرون إطارات السيارات تعبيراً عن غضبهم جراء مواصلة قوات الاحتلال استخدام قوتها المفرطة في مواجهة متظاهرين عُزل، وذلك وسط تأكيدات فلسطينية على استمرار الفعاليات حتى ما بعد 15 مايو/ أيار، والذي سيمثل ذروة تلك الاحتجاجات، تزامناً مع إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني.