كان هذا في الدوحة عام 2005؛ الوجدان الجمعي خارج من أسئلة الغزو والتحرير والمفاهيم الملتبسة حول الحداثة والمعاصرة والتثاقف، والقصيدة في فضاءات مرتبكة تتخطّفها التجارب والغوايات، وفي مقهى حالول (الصيادين سابقاً) ثمّة إعلاميون ومعلمون وأطباء، يتبادلون همّ الكلمة، وأهلها، وكانت الفكرة.
تأتي تسمية "قلق" حسب بيانها الأول، كعامل مشترك يجمع بين الشعراء المشغولين بالقصيدة التي تقف على عدّة مفارق، أمام صعود الرواية، وهيمنة الثقافة البصرية، وأفول الإيديولوجيات، وتباشير العولمة، واحتلال عاصمة عربية: "لا ننتظر المستقبل، نذهب إليه محمّلين بشغفنا كلّه ورغبتنا في صوغ مشهدٍ جمالي يرتقي بالروح. عابرين أفق المحنة بشجاعة، وذاهبين إلى ما نريد بطاقة الشعر الكامنة في كلّ شيء يحيط بنا. نقلق لنُحبّ ونسأل لنجعل من الإجابة سؤالاً يرتفع بقيمة المعنى".
من المفارقة أنّ الجماعة خرجت على مفهوم الجماعات الشعرية السابقة، المرتبطة بتيار شعري ذي نزوع تجريبي أو انتماء فكري أو سياسي كالإضاءة 77 أو جماعة شعر أو الرابطة القلمية، فشعراء الجماعة يمثلون أكثر من تيار وطيف، من الكلاسيكية إلى قصيدة النثر. فالمكان جمع بين أعضائها القادمين من دول عربية مختلفة بغرض العمل في دولة قطر، لكنّ إرادة الشعر كسرت قيد المفهوم السابق للجماعات الشعرية، فكانت "قلق" محطة مضيئة في المشهد الثقافي، على بساطتها، وتأثرها برحيل بعض أعضائها، لكنّها ظلّت مدة عقد منارة جميلة وجد فيها المهمومون بالكلمة وطناً يتّسع، وهاهي تكمل عامها العاشر، وفي كلّ أسبوع يلتقون في مقاهي المدينة ويثيرون غبار الأسئلة بجديد النصوص.
أسماء ونشاطات
سجّل ربيع 2005 نشاطاً ملحوظاً وقراءات شعرية مختلفة المشارب، وتناقلت الصحافة البيان. وإن كانت قصيدة التفعيلة هي المهيمنة في تجارب السوريين إسماعيل الصمادي وماجد قاروط وبسام علواني والأردني غازي الذيبة والموريتانيين سيدي ولد محمد ومحمد ولد الطالب، وقصيدة النثر في تجربة السوري عبد الله الحامدي والأردنيين سمر الأشقر ورامي شهاب ومحمّد هديب، والتفعيلة مع العمودي عند الأردني راشد عيسى، وكذلك عند مواطنه جميل أبو صبيح، في حين كان محمد مصطفى حسين مخلصاً لقصيدة العمود. وقد كان لقراءات الناقد السوداني محمّد الربيع دوراً مؤثراً، وساهم حضور الكاتب والشاعر محمّد هديب في إثراء الجلسات الشعرية التي كانت ورشات عمل منتظمة، يستفتي فيها الشاعر زملاءه في نصّه الجديد، وكانت مجالاً لخوض تجارب جديدة، انتقل فيها بعض الشعراء من التفعيلة إلى النثر كما في تجربة بسام علواني.
وككلّ الجماعات الأدبية عاشت "قلق" حالات مدّ وجزر. لكنّها استطاعت البقاء، لاستقلال تجارب أصحابها، ولأنها نجحت في استقطاب جلّ الوجوه الشعرية القادمة إلى الدوحة في السنوات التالية؛ فانضمّ إليها شعراء مهمّون في الساحة العربية: عصام السعدي وإبراهيم العمري ويونس أبو الهيجا وغيث القرشي من الأردن، ومحمد الشيخ من فلسطين، وأحمد البربري من مصر، وابتسام الصمادي من سورية وبلال البوعيني من تونس.
اقرأ أيضاً: تفكيك ملحمة الآخر
ويبقى إصدار مجموعة مشتركة عام 2006 أثراً باقياً، في ديوان "... كأنّ الريح" في إشارة إلى قلق شاعر العربية الأوّل أبي الطيّب المتنبّي، في بيته الشهير: "على قلقٍ كأنّ الريح تحتي/ أوجّهها يميناً أو شمالا". وضمّت المجموعة نصوصاً لشعراء المجموعة وقتها، وتصدّرتها مقدّمة للناقد العراقي المعروف فاروق يوسف الذي عمل فترة في جريدة الوطن القطرية جاء فيها : "كلّ الكلام يتفتّت حين تلمسه أصابع الشعر، ربّما ينفعنا قلقكم في العثور على سنتمتر واحد من جنّته، سنتمتر يجعلنا قادرين على الوقوف أمام الله مع الشاكرين".
لقاء تجارب
رغم اختلاف التجارب الأدبية والمشارب الفكرية التي جاء منها شعراء قلق، إلاّ أنّ ثمة ما يجمع ما بين كثير من شعرائها، فقد التقى شعراء التفعيلة عند المدرسة التموزية المطعّمة بالمعجم الفلسطيني الذي شغل نصوص إسماعيل الصمادي المهتمّ بالأسطورة وغازي الذيبة المهموم بجرح فلسطين، في حين انهمّ ماجد قاروط وبسام علواني بالتجريد والتجريب فانشغل القاروط في العوالم الداخلية واستغرقت الصورة نصوص بسام علواني، فيما ذهب عبدالله الحامدي إلى خيارات قصيدة النثر مستفيداً من إرث القصيدة السورية في تجارب الماغوط وبندر عبد الحميد ورياض الصالح الحسين، كما تلتقي تجربته مع تجربة أبناء الشمال السوري، حيث قصيدة النثر الكردية التي تؤكد على جماليات المكان، وخاصة في قصيدته "ماردين"، وتظلّ قصيدة سيدي ولد محمد ابنة الصحراء رغم لبوس الحداثة، مستحضرة التراث المادي والمعنوي في جلّ نصوصه. وفي حين ينشغل أحمد البربري ومحمد مصطفى حسين وراشد العيسى ويونس أبو الهيجاء بأطياف الشعر الصوفي مع اختلاف تجاربهم وعمقها وتقاطعها مع ألوان أخرى، ومن الشباب الجدد كانت تجربة كلّ من رامي شهاب و محمد الشيخ ممثلة للجيل الجديد من شعراء فلسطين الباحث عن ذاته خارج المكان، يضاف إليها تجربة ابتسام الصمادي وسمر الأشقر في النصّ الأنثوي المتّكئ على الفقد والحرمان والتأمّل عند الأشقر، والنصّ المفعم بالأنوثة عند الصمادي.
تأتي تسمية "قلق" حسب بيانها الأول، كعامل مشترك يجمع بين الشعراء المشغولين بالقصيدة التي تقف على عدّة مفارق، أمام صعود الرواية، وهيمنة الثقافة البصرية، وأفول الإيديولوجيات، وتباشير العولمة، واحتلال عاصمة عربية: "لا ننتظر المستقبل، نذهب إليه محمّلين بشغفنا كلّه ورغبتنا في صوغ مشهدٍ جمالي يرتقي بالروح. عابرين أفق المحنة بشجاعة، وذاهبين إلى ما نريد بطاقة الشعر الكامنة في كلّ شيء يحيط بنا. نقلق لنُحبّ ونسأل لنجعل من الإجابة سؤالاً يرتفع بقيمة المعنى".
من المفارقة أنّ الجماعة خرجت على مفهوم الجماعات الشعرية السابقة، المرتبطة بتيار شعري ذي نزوع تجريبي أو انتماء فكري أو سياسي كالإضاءة 77 أو جماعة شعر أو الرابطة القلمية، فشعراء الجماعة يمثلون أكثر من تيار وطيف، من الكلاسيكية إلى قصيدة النثر. فالمكان جمع بين أعضائها القادمين من دول عربية مختلفة بغرض العمل في دولة قطر، لكنّ إرادة الشعر كسرت قيد المفهوم السابق للجماعات الشعرية، فكانت "قلق" محطة مضيئة في المشهد الثقافي، على بساطتها، وتأثرها برحيل بعض أعضائها، لكنّها ظلّت مدة عقد منارة جميلة وجد فيها المهمومون بالكلمة وطناً يتّسع، وهاهي تكمل عامها العاشر، وفي كلّ أسبوع يلتقون في مقاهي المدينة ويثيرون غبار الأسئلة بجديد النصوص.
أسماء ونشاطات
سجّل ربيع 2005 نشاطاً ملحوظاً وقراءات شعرية مختلفة المشارب، وتناقلت الصحافة البيان. وإن كانت قصيدة التفعيلة هي المهيمنة في تجارب السوريين إسماعيل الصمادي وماجد قاروط وبسام علواني والأردني غازي الذيبة والموريتانيين سيدي ولد محمد ومحمد ولد الطالب، وقصيدة النثر في تجربة السوري عبد الله الحامدي والأردنيين سمر الأشقر ورامي شهاب ومحمّد هديب، والتفعيلة مع العمودي عند الأردني راشد عيسى، وكذلك عند مواطنه جميل أبو صبيح، في حين كان محمد مصطفى حسين مخلصاً لقصيدة العمود. وقد كان لقراءات الناقد السوداني محمّد الربيع دوراً مؤثراً، وساهم حضور الكاتب والشاعر محمّد هديب في إثراء الجلسات الشعرية التي كانت ورشات عمل منتظمة، يستفتي فيها الشاعر زملاءه في نصّه الجديد، وكانت مجالاً لخوض تجارب جديدة، انتقل فيها بعض الشعراء من التفعيلة إلى النثر كما في تجربة بسام علواني.
وككلّ الجماعات الأدبية عاشت "قلق" حالات مدّ وجزر. لكنّها استطاعت البقاء، لاستقلال تجارب أصحابها، ولأنها نجحت في استقطاب جلّ الوجوه الشعرية القادمة إلى الدوحة في السنوات التالية؛ فانضمّ إليها شعراء مهمّون في الساحة العربية: عصام السعدي وإبراهيم العمري ويونس أبو الهيجا وغيث القرشي من الأردن، ومحمد الشيخ من فلسطين، وأحمد البربري من مصر، وابتسام الصمادي من سورية وبلال البوعيني من تونس.
اقرأ أيضاً: تفكيك ملحمة الآخر
ويبقى إصدار مجموعة مشتركة عام 2006 أثراً باقياً، في ديوان "... كأنّ الريح" في إشارة إلى قلق شاعر العربية الأوّل أبي الطيّب المتنبّي، في بيته الشهير: "على قلقٍ كأنّ الريح تحتي/ أوجّهها يميناً أو شمالا". وضمّت المجموعة نصوصاً لشعراء المجموعة وقتها، وتصدّرتها مقدّمة للناقد العراقي المعروف فاروق يوسف الذي عمل فترة في جريدة الوطن القطرية جاء فيها : "كلّ الكلام يتفتّت حين تلمسه أصابع الشعر، ربّما ينفعنا قلقكم في العثور على سنتمتر واحد من جنّته، سنتمتر يجعلنا قادرين على الوقوف أمام الله مع الشاكرين".
لقاء تجارب
رغم اختلاف التجارب الأدبية والمشارب الفكرية التي جاء منها شعراء قلق، إلاّ أنّ ثمة ما يجمع ما بين كثير من شعرائها، فقد التقى شعراء التفعيلة عند المدرسة التموزية المطعّمة بالمعجم الفلسطيني الذي شغل نصوص إسماعيل الصمادي المهتمّ بالأسطورة وغازي الذيبة المهموم بجرح فلسطين، في حين انهمّ ماجد قاروط وبسام علواني بالتجريد والتجريب فانشغل القاروط في العوالم الداخلية واستغرقت الصورة نصوص بسام علواني، فيما ذهب عبدالله الحامدي إلى خيارات قصيدة النثر مستفيداً من إرث القصيدة السورية في تجارب الماغوط وبندر عبد الحميد ورياض الصالح الحسين، كما تلتقي تجربته مع تجربة أبناء الشمال السوري، حيث قصيدة النثر الكردية التي تؤكد على جماليات المكان، وخاصة في قصيدته "ماردين"، وتظلّ قصيدة سيدي ولد محمد ابنة الصحراء رغم لبوس الحداثة، مستحضرة التراث المادي والمعنوي في جلّ نصوصه. وفي حين ينشغل أحمد البربري ومحمد مصطفى حسين وراشد العيسى ويونس أبو الهيجاء بأطياف الشعر الصوفي مع اختلاف تجاربهم وعمقها وتقاطعها مع ألوان أخرى، ومن الشباب الجدد كانت تجربة كلّ من رامي شهاب و محمد الشيخ ممثلة للجيل الجديد من شعراء فلسطين الباحث عن ذاته خارج المكان، يضاف إليها تجربة ابتسام الصمادي وسمر الأشقر في النصّ الأنثوي المتّكئ على الفقد والحرمان والتأمّل عند الأشقر، والنصّ المفعم بالأنوثة عند الصمادي.