جزيرة "سحاحير" في السودان

29 فبراير 2016
يؤمن البعض بأن الأساطير حقيقة (ألبير غونزاليس فران/فرانس برس)
+ الخط -

"جزيرة ناوا" أو "جزيرة السحاحير"، كما يحلو لبعض السودانيين تسميتها، تعدّ منطقة مخيفة. تقول الأساطير إن أناساً سكنوها اعتمدوا في غذائهم على أكل لحوم البشر، من أجل الصحة والقوة وطول العمر. وهذا ما جعل منها منطقة مخيفة، وخصوصاً للذين آمنوا بهذه الأساطير.

تقعُ الجزيرة في شمال السودان، على الضفة الشرقية لنهر النيل. أُطلق عليها جزيرة علماً أنها لا تتوسط نهر النيل، وقد اشتهرت بزراعة النخيل وإنتاج التمر. وعند الحصاد، يبدأ السكان بتبادل قصص السحرة. تاريخياً، عرف سكان وادي النيل بممارسة السحر أيام الفراعنة، كجزء من ثقافتهم. ويقول باحثون إن منطقة ناوا كانت بمثابة مكان لتدريب وتعليم الفراعنة القدامى السحر. أيضاً، يؤكدون أن أصول فرعون مصر هي من تلك المنطقة.

ويقال إن السحرة قد يتحولون إلى حيوانات بأذيال ويأكلون لحوم البشر. وكثيراً ما يتداول الناس هذه القصص في موسم الحصاد لردع الصبية الصغار عن العبث ببساتين النخيل. إحدى القصص تحكي عن عريس التهم زوجته ليلة زفافهما، وأخرى لرجل طعن تمساحاً عند النهر. وبعد أيام، طرق أحد الأبواب طلباً للراحة، فاكتشف أن التمساح الذي ضربه ما هو إلا صاحب المنزل.

من جهته، يؤكد الباحث في التراث النوبي محمد عوض أن صاحب القصة هو عمه. يضيف أن "ناوا منطقة روحانية، وهناك روايات كثيرة حول المنطقة تتناقلها الأجيال، وجميعها تتصل بالسحرة. وعادة ما تتناقل النساء هذه القصص وقد يصدقها البعض. وفي المناسبات، يرمون اللحوم من أجل محبوبتهم، ظناً منهم أنهن قد يأكلنها، ويعتقدون أن هذا فأل خير".

وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة، ما زال هناك جدال حول منطقة "ناوا" وعلاقتها بالسحر والسحرة. يؤمن باحثون بحقيقة وجود السحر، فيما ينفي آخرون الأمر تماماً، لافتين إلى أن القصص هي مجرد أساطير. أيضاً، يرى باحثون أن المهدية ساهمت في نشر هذه الأساطير. ويقال إنه خلال فتوحات المهدي للأراضي السودانية ومحاولة نشر فكر المهدية، عمد أهل المنطقة إلى تعليق وتقطيع أحد أبناء القرية ممن توفوا حديثاً، في محاولة لإيهام جيش المهدي بأنهم من آكلي لحوم البشر، الأمر الذي دفعم إلى الهرب. ويروي آخرون أن النساء كنّ ينزلن إلى مياه النيل ولا يجففن أنفسهن بعد الخروج من المياه، وقد أخاف مشهد النساء جيش المهدي.

اقرأ أيضاً ست البنات الجعلي: من أجل حقوق المهاجرات

في المقابل، يرى مؤرخون أن الأمر برمته مرتبط بنزاع بين قبيلتين على المنطقة، ما دفع أحدهم لإشعال النار والقيام بحركات بهلوانية على مقربة منها لإيهام الطرف الآخر بأن الجزيرة مسكونة بالشياطين. تقول زينب (60 عاماً)، التي تقطن في منطقة دنقلا القريبة من جزيرة ناوا، إنها ما زالت على قناعة بأنه في المنطقة سحرة، وعادة ما تحذّر أبناءها من الالتقاء أو التعرّف على أهالي تلك المنطقة.

أما فاطمة (34 عاماً)، فتقول إنها سمعت الكثير عن ناوا من دون أن تصدق يوماً حكاياتها. تضيف: "لديّ أصدقاء كثر من المنطقة، وعادة ما نتبادل القصص على سبيل المزاح". من جهتها، توضح إكرام (26 عاماً) أن والدتها، وهي من منطقة ناوا، كانت تؤكد على ما يروى وتحرص في مختلف مناسبات زواج إخوانها أن تلقي في النيل ذات الكميات التي تطبخ في المناسبة وتقول إنها "لحبوبتنا الساحرة كما أنها نوع من الفأل الحسن".

من جهته، يعزو أستاذ علم النفس علي بلدو الأمر إلى "التركيبة النفسية في المجتمع السوداني، والتي تجعل من السحر والأمور الغيبية والخرافات ذات مكانة عالية، وخصوصاً في ظل غياب الوعي والثقافة وانتشار الأمية والفقر وانحسار التعليم، فضلاً عن انعدام وسائل التنوير المعرفي". يضيف: "عادة ما تصبح مثل هذه الحكايات مخيفة، وخصوصاً حين تترسخ في الأذهان". ويؤكد أن الأمر يقود إلى إشكالات عميقة في المجتمع واضطرابات أسرية وخلافات زوجية، مضيفاً أننا "قد نصل إلى مرحلة ارتكاب الجرائم والاعتداءات". يضيف: "نحتاج إلى سنوات من التغيير للقضاء على الأمر".

اقرأ أيضاً: الختان حرمني من الأمومة