قررت الجزائرية المقيمة في مدينة مونتريال نادية سي محمد، تطليق زوجها بعد 3 أشهر فقط من هجرتهما إلى كندا بسبب تفاقم خلافاتهما وشعورها بمحاصرتها والتضييق على حريتها ووضع حد لعدم تفاهمهما كما تقول.
ويتكرر المشهد السابق مع كثير من الجزائريات وأبناء المغرب العربي المقيمين في مونتريال التي تعد كبرى مُدن العالم المتحدثة بالفرنسية بعد باريس وفق ما تؤكد عليه دراسة الباحثة نعيمة محمد أحمد الخريجة في معهد بوا دو بولون بمونتريال التي قامت بدراسة نسب الطلاق بين الجالية المغاربية ضمن مشروع بحث في علم الاجتماع جرى إعداده في الموسم الدراسي الماضي 2016/ 2017 بإشراف قسم السوسيولوجيا.
وتصل نسبة طلاق الجزائريات إلى 86% من بين إجمالي نسبة طلاق المغاربيات المقيمات في تلك المدينة لأسباب يمكن حصرها بسوء التفاهم وصعوبة الاندماج، ما وسع من رقعة "التخلي عن الآخر" كما تقول الباحثة نعيمة.
وتضم كندا 104 آلاف مهاجر ومهاجرة جزائرية بحسب ما ذكرته مساعدة رئيس مصلحة السياسة بسفارة كندا بالجزائر ليدية بيتوش ومن بينهم مهندسة الكمبيوتر الثلاثينية نادية التي رفضت التعريف بهويتها كاملة حتى تروي قصتها بحرية كما تقول مضيفة أنها هاجرت إلى كندا في عام 2004 مع زوجها المدرس الثلاثيني علي والذي بلغ عمره وقتها 34 سنة، وطفليهما البالغين من العمر سنة واحدة وأربعة أعوام.
ودخل الزوجان خلال الأشهر الأولى لهجرتهما في زوبعة تثبيت أقدامهما في البلد والبحث عن وظيفة، لكن صعوبة العثور على دار حضانة للأطفال أجبر نادية على البقاء في المنزل، بينما حاول علي العثور على وظيفة ولو مؤقتة لمواجهة مصاريف البيت ما جعله يقبل بكل الوظائف الصغيرة بأجور جد ضعيفة، لكن سرعان ما تحسنت الأمور مع حصول نادية على وظيفة والاستنجاد بمربية خاصة إلا أن استقلاليتيها ماديا ومعنويا أثرتا سلبا على زوجها ما أثار المشاكل بينهما في كل مرة تتأخر خارج البيت وهو ما صعب الحياة بينهما، وأدى بـ"نادية" لطلب الطلاق.
تحديات البقاء
تواجه الأسر الجزائرية المقيمة في كندا تحديات عديدة كما تقول الباحثة نعيمة من أهمها الحصول على منزل مناسب لتربية الأطفال في بيئة صحية، ومتوازنة، لكن الصعوبات التي يواجهونها في السنوات الأولى تجعل الزوجين يقومان بأعمال شاقة مقابل أجر زهيد، وغالبا يرجع ذلك إلى عدم الاعتراف بالمؤهلات الأكاديمية والشهادات الجزائرية التي تحتاج إلى معادلة، ما يجبرهم على العودة للدراسة في محاولة للحصول على العمل المناسب خاصة في ظل تأثير متفاوت من حالة لأخرى لعوامل مثل العنصرية والتمييز المرتبط بالدين والأصل العرقي، كما تقول الباحثة نعيمة أحمد لافتة إلى أن قلة الحيلة تجبر العائلات على العيش في مساكن ضيقة وغير صحية في الأحياء الفقيرة، من دون تامين، ما يولد ضغوطا جعلت نحو 90 في المائة من الجزائريين الذين بحثت حالتهم ضمن دراستها يفكرون في بادئ الأمر في العودة إلى وطنهم الأم، ومن بينهم طاوس طاهر البالغة من العمر 42 عاما والمقيمة بمنطقة لافال الواقعة في الضاحية الشمالية لمونتريال بمقاطعة كيبك، والتي أجبرها زوجها خالد على هجرة كندا والعودة للوطن رفقة ابنهما أيمن، وبعد العودة للجزائر، كرست كل وقتها لإعداد وثائق سفر جديدة بطريقة سرية لها ولابنها الكندي الجنسية بعد أن صادر زوجها جوازي سفريهما وبالفعل تمكنت من العودة إلى كندا دون علمه وأقامت دعوى طلاق بتهمة محاولة القتل، وكسبت القضية لمنعه من الاقتراب منهما، إلا في إطار الزيارات القانونية للابن، علما بأن القضاء الجزائري حكم هو الآخر ضدها، بالسجن الغيابي بتهمة اختطاف "طفل" من دون موافقة والده.
الطريق إلى المساواة
تحلل الأخصائية الاجتماعية زهرة فاسي سبب انتشار حالات الطلاق خارج الوطن بمحاولة بعض الجزائريات التخلص من استبداد الزوج، في ظل شعورها ببداية حرة لحياة جديدة دون سلبيات قد تتعرض لها في وطنها وحتى إن أعادت تجربة الزواج فلن يلومها أحد، على خلاف قهر المطلقة المتواجد في مجتمعاتنا، إذ تجد بعض الرجال يستنزفها في كل ما تملك مقابل كلمة "سترتك" كما تقول.
التحليل السابق يتفق معه المحامي صالح دبوز، عضو لجنة حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الدولي للمحامين والمهتم بقضايا الجزائريين في الخارج ويضيف إليه من واقع خبرته في قضايا الطلاق، أن المرأة الجزائرية في كندا غير مضطرة أن تعيش تحت سلطة رجل، بعد أن كانت تعيش تحت سلطة أبوية مباشرة، كما أنه عندما تنتقل من دولة فيها تقاليد اجتماعية "محافظة" تبيح النمط "الدكتاتوري" لسلطة الرجل على المرأة، إلى دولة فيها تقاليد أخرى لا تعترف لأي شخص مهما كان مركزه الأسري بسلطة ديكتاتورية على باقي أفراد الأسرة خاصة البالغين، يتبين لها أن المرأة لها شخصيتها وكلمتها وحيزها من الحرية والخصوصية ويمكنها أن تطور شخصيتها وتنمي كفاءاتها ومواهبها، فإذا شعرت أن زوجها لا يساير منطق الديمقراطية الأسرية الذي أصبح أمرا واقعا في الغرب وله إيجابياته وسلبياته، تسعى إلى التخلص من القيود التي تعيق طموحاتها، أضف إلى ذلك أن النظام القضائي الغربي يحمي الحقوق والحريات ويقدس الحياة الخاصة للأفراد، في حين أن المنظومة القانونية والقضائية في الدول ذات المجتمعات المحافظة تشجع سيطرة الرجال على النساء والأطفال بذريعة الواجب الديني.
بالمقابل فإن الإمام والداعية سيد أحمد سباعي، المتفاعل مع قضايا وشؤون الجزائريين بالخارج بواسطة من يستفتونه منهم في أمور دينهم، يقول إن الحياة الزوجية قد تصفو أحيانا وتتعكر أحيانا أخرى لكن بعض الأسر الجزائرية في بلاد المهجر، تثور بينهم الخلافات المادية ويدمرون ما بنوه في الوطن لأسباب لا تستحق أن يعاني الأبناء بسبب عدم نضج الوالدين.
تباين ثقافي
يرى أستاذ المعلوماتية والمدون السياسي الكندي من أصول جزائرية رابح مولى أن الاختلاف الثقافي بين المجتمع الكيبيكي والجزائري ساهم في رفع معادلات الطلاق، جراء الحرية التي يمنحها هذا البلد للمرأة والتي لا تلقى قبولا من الرجل الذي عاش كامل حياته في بلد محافظ، كما أن ارتفاع نسبة ظاهرة الطلاق بهذا المجتمع الغربي بنسبة 50 في المائة بعد كل ثلاث سنوات زواج، وفق دراسة لمعهد "كيبيك" للإحصاء حول عدد حالات الطلاق والتي اطلع عليها "العربي الجديد" بعنوان Nombre de divorces et indice synthétique de divortialité, Québec, 1969-2008 ، " أثر سلبا على الجاليات العربية التي تعيش في هذا المناخ إذ يرى المقبلون على الانفصال أنهم ليسوا أول أو آخر من سيتطلق، ولا قيود عائلية تعرقل ذلك، ناهيك أن القانون الكيبيكي يسهل عملية التكفل بالأطفال وحمايتهم بعد الانفصال كما يقول.
وينشط مولى المرشح لانتخابات البرلمان الكيبيكي عــن دائــرة لشوميدي في مدينة لافال في دائرة انتخابية يشكل المهاجرون من الجيل الأوّل و الثاني أكثر من نصف سكّانها فيما تصل نسبة المهاجرين الجدد إلى حوالي 7% من مجموع السكان وحسب إحصاء 2016 فإنّ 13% من سكان الدائرة الانتخابية أعلنوا أن العربية هي لغتهم الأم، وحوالي 0.5% البربرية.
ومن واقع عمله الحزبي في الدائرة منذ عام 2010 يؤكد مولى أن صعوبة إيجاد العمل خلقت ضغطا يعاني منه الأزواج، إذ يجد الرجل نفسه بلا عمل ومعه زوجته التي تحررت من قيود "الطاعة" ولها فرصة أكبر في التوظيف، ما يصعب من تأقلمهما مع الأوضاع الجديدة خاصة مع معاناة إعادة الدراسة من الصفر لتحسين الوضع المادي بعد سنوات من البحث بلا جدوى عن عمل مناسب.
وعلى هذا الأساس يعمل مولى بحزب التضامن الكيبيكي Québec Solidaire اليساري على الدفاع عن المغتربين ومحاولة تحسين أوضاعهم من أجل التقليل من المشاكل التي تؤدي إلى الانفصال، بواسطة اقتراح تسهيل عملية الاعتراف بالشهادات التعليمية الخاصة بالأقليات على غرار القادمين من المغرب العربي وإفريقيا وغيرها من المناطق الأخرى، وتخصيص نسبة 25 في المائة من مناصب التوظيف لهم عوض 9 في المائة المعمول بها، على اعتبار أن نسبة الاقليات في المجتمع الكيبيكي هي 13 في المائة وفقا للأرقام التي صدرت عن وزارة العمل ومجلس الخزينة الكندي ضمن ما يعرف بمبادرة التغيير التي نجمت عن خطة العمل للقضاء على التمييز العنصري ضد النساء، والشعوب الأصلية، والأقليات الظاهرة والمعـاقين إذ يلزم القانون قطـاع الوظيفة العمومية الاتحادية وأرباب العمل الخاضعين للأنظمة الاتحادية بالعمل من أجل زيادة مستوى تمثيل مختلف الفئات في قوتهم العاملة، بوضع وتنفيذ خطط لتكافؤ فرص العمل ويهـدف القانون إلى تحسين مستوى تمثيل الفئات الأربع في عدد كبير من أماكن العمل عبر كندا.
ويتمنى الأمين الوطني المكلف بالملفات المتخصصة على مستوى الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان هواري قدور نجاح جهود رابح مولى، من واقع متابعته لوضعية الجزائريين في عدة دول أجنبية بناء على شكاوى رصدتها الرابطة في عدة تحقيقات ميدانية.
ويعد الطلاق من بين أهم تلك الملفات التي يتابعها هواري قدور كما يقول موضحا أن أهم أسباب الطلاق يمكن اختصارها في عدم التأقلم ورفض التنازل عن المنظومة القيمية الجزائرية، ومن بين تلك الحالات لعندي مراد الذي عاد مؤخرا من كندا بعد أن رفعت عليه زوجته، قضية طلاق واتهمته بإعاقة اندماج أولاده في المجتمع الكندي، ما جعل المحكمة تصدر قرارا لصالحها، ليعود للجزائر مجبرا من دون أولاده الأربعة وزوجته التي سافر معها إلى مونتريال كندا منذ 21 عاما وقال مضيفا :"البداية كانت جيدة، لكن لما كبر الأطفال أدمن احد الأبناء تعاطي المخدرات والكحول، وتزوجت بنتي دون رغبتي من شخص أخشى عليها منه، ووقفت زوجتي إلى جانب الأولاد، ما خلق مشاحنات كثيرة وصلت حتى تدخل الشرطة في أكثر من مناسبة، لنتهتي حياتي العائلية بهذا الشكل المهين".