جريمة اغتيال سمير القنطار برسم التنسيق الروسي ــ الإسرائيلي

20 ديسمبر 2015
كان القنطار يتواصل مع نصرالله من سجنه(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
سجلت إسرائيل، ليل السبت ــ الأحد، جريمة جديدة في سورية، باغتيالها الأسير المحرر من سجونها، سمير القنطار، الذي تولى منذ تحريره عام 2008 حتى مقتله، مسؤوليات عسكرية في صفوف حزب الله. الجريمة حصلت في منطقة جرمانا في ريف دمشق، وهي تعدّ ضربة معنوية ورمزية كبيرة لحزب الله نظراً لتاريخ القنطار في محاربة الاحتلال، وقد أُسر عام 1979 بعدما تمكن من قتل جنود إسرائيليين، عندما كان منخرطاً في صفوف تنظيم فلسطيني في حينها. الغارة الجديدة ستكون برسم التنسيق الروسي ـ الإسرائيلي الذي سبق لكل من الرئيس فلاديمير بوتين، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن جزما بأنه كامل منذ التدخل الروسي في حرب النظام السوري نهاية سبتمبر/أيلول الماضي. وإن كان الحال كذلك، فإنّ السؤال المطروح على تل أبيب وموسكو يتمحور حول مدى علم روسيا وموافقتها على الغارة في منطقة بعيدة عن جبهات الحرب قرب الجولان، مثلما كان يحصل في السابق مع الغارات الإسرائيلية ضد حزب الله والقوات الإيرانية.

تدرك إسرائيل ربما أنها حتى ولو التزمت الصمت إزاء جريمتها، فإنّ الردّ قد يأتي فعلاً مثلما حصل قبل أشهر غداة اغتيال مجموعة عسكرية من حزب الله في سورية أيضاً، تضم نجل القيادي العسكري الراحل في صفوف الحزب، عماد مغنية. وربما لهذا السبب، أعلن في عدد من مدن الشمال الفلسطيني المحتل، مساء الأحد، عن فتح الملاجئ بعد تسجيل سقوط 4 صواريخ أُطلقت من لبنان، في ردّ يرى كثيرون أنه "فردي" لا يعبّر بعد عن قرار مركزي في حزب الله إزاء شكل "الانتقام". شكل قد يفصح عنه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الإثنين في كلمة يرجح أن تتمحور حول اغتيال القنطار خصوصاً، بما أنه أعلن عن موعدها بعد صدور بيان نعي القنطار الذي يؤدي أدواراً عسكرية إلى جانب النظام السوري وحزب الله في سورية، منذ انخراط الحزب اللبناني في حرب النظام هناك قبل ثلاث سنوات. ونام اللبنانيون على وقع تحليق إسرائيلي منخفض وإجراءات أمنية احترازية مشددة للجيش اللبناني.

بهذه الجريمة، يكون القنطار أحد أبرز ضحايا غارات جيش الاحتلال في سورية من صفوف الحزب اللبناني.

اقرأ أيضاً: مقتل القنطار..إسرائيل الرسمية تصمت وإعلامها يثرثر

اغتيل القنطار في سورية بعدما قضى 29 عاماً في الأسر لدى الاحتلال بتهمة قتل "مواطنين إسرائيليين"، خلال عملية فدائية نفّذها عام 1979 في مدينة نهاريا شمالي فلسطين المحتلة. كان القنطار يومها قائد المجموعة العسكرية التابعة لـ"جبهة التحرير الفلسطينية" التي تبنت العملية، وذلك بعد مغادرته صفوف "الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة" والتحاقه بالجبهة التي أسسها منشقون عن القيادة العامة. 

طلب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله القنطار بالاسم لإجراء صفقة التبادل مع إسرائيل، بعد أسر مقاتلي الحزب لجنديين إسرائيليين في يوليو/تموز عام 2006، وهي العملية التي تبعها عدوان إسرائيلي واسع على لبنان طاول المدنيين اللبنانيين والبنى التحتية طوال 33 يوماً، وراح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى. خرج القنطار بعدها بعامين (عام 2008) الى الرأي العام مُرتدياً الزي العسكري الخاص بمقاتلي حزب الله. وهي إطلالة لم تقتصر على الفعاليات الاحتفالية التي نظمها الحزب لاستقبال القنطار ومجموعة الأسرى المُحررين، إذ تماهى القنطار مذهبياً حتى مع "حزب الله"، علماً أن عائلته تنتمي إلى الطائفة الدرزية في لبنان. وقد طوّر القنطار علاقته بحزب الله خلال فترة اعتقاله في السجون الاسرائيلية، وأكد القنطار في كتاب أصدره الصحافي حسان الزين أنه "بقي على تواصل مع نصر الله خلال فترة الاعتقال عبر وسيط باستخدام هاتف خليوي تم تهريبه الى داخل السجن". 

روايات مقتله

"قُتل" القنطار إعلامياً أكثر من مرة في سورية، بحسب الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام عنه منذ عام 2013 وحتى تاريخ مقتله الفعلي ليل السبت ــ الأحد في قصف استهدف أحد مباني منطقة جرمانا قرب العاصمة السورية دمشق.

تحول الأسير المُحرر إلى "قائد شهيد في قوات الدفاع الوطني" (مليشيات أنشأها النظام السوري للقتال إلى جانب جيشه)، وقُتل "في غارة نفذها طيران العدو الصهيوني"، وهما اقتباسان من بياني النعي الذين صدرا عن "قوات الدفاع الوطني في سورية" وعن "حزب الله". ورغم عدم إعلان المهمة الرسمية للقنطار في سورية، غير أن ناشطين سوريين تداولوا معلومات عن تأدية القنطار دوراً تجنيدياً في صفوف قوات الدفاع الوطني، إلى جانب دور قيادي قام به بتكليف من حزب الله، فتحول القنطار الى مقيم شبه دائم في الأراضي السورية. وقد وصف شقيق سمير القنطار، الصحافي بسام، أخاه بـ"القائد المجاهد" في تغريدة النعي التي نشرها عبر موقع "تويتر".

مُعتقل سابق في الأردن

اعتقل القنطار لمدّة 11 شهراً في الأردن بعد تجاوز الحدود الأردنية ــ الإسرائيلية عام 1978، لتنفيذ عملية خطف حافلة على الطريق الواصلة بين بيسان وطبريا ومبادلة الركاب بأسرى عرب في سجون الاحتلال. وفي 22 أبريل/نيسان 1979، انطلق القنطار مع عبد المجيد أصلان، مهنا المؤيد، احمد الأبرص، من "جبهة التحرير الفلسطينية"، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر البحر إلى شاطئ مدينة نهاريا. وحاولت المجموعة أسر اسرائيليين، لكنها حوصرت على الشاطئ أثناء مغادرة المنطقة برفقة مستوطن وطفلته الصغيرة قُتلا خلال العملية. 

وتُرجح عقيدة "قتل قَتلَة الإسرائيليين" وقوف سلاح الجو الإسرائيلي خلف عملية اغتيال القنطار في سورية. ويعزز هذه الفرضية اغتيال عدد من قادة حزب الله البارزين في سورية عن طريق الاغتيالات حتى قبل انطلاق الثورة السورية وتحول المناطق التي يسيطر عليها النظام إلى ساحة نشاط لمُختلف الأجهزة الاستخبارية الدولية.

مغنية الأب والابن وجنرالات إيرانيون

يعود تاريخ أبرز عملية اغتيال تمت في العاصمة السورية دمشق إلى العام 2008، عندما قضى القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية في تفجير عبوة زرعت في سيارته المركونة في حي المالكي، فوجه النظام وحزب الله أصابع الاتهام إلى إسرائيل التي لم تُعلن مسؤوليتها عن العملية بشكل رسمي. ثم تخللت مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب قوات النظام السوري غارات لسلاح الجو الإسرائيلي استهدفت قادته وشحنات أسلحة "كاسرة للتوازن"، يُعتقد أنها صواريخ، كانت في طريقها إلى مخازن الحزب في لبنان. وقعت هذه الغارات في أكثر من محافظة سورية كما استهدفت بعض البلدات اللبنانية المتصلة بالأراضي السورية عبر الجرود، كبلدة جنتا التي يستخدمها حزب الله كقاعدة خلفية لعملياته في سورية.

وكانت الغارة التي شنّتها مروحيات إسرائيلية على منطقة مزارع الأمل في القنيطرة السورية مطلع عام 2015 من أبرز التصفيات، إذ قضى في الغارة جنرال في الحرس الثوري الايراني، وقائد منطقة الجولان في حزب الله مع عدد من المقاتلين، بينهم جهاد عماد مغنية. 

الردّ جنوبي لبنان

بعد إعلان حزب الله مقتل القنطار بساعات وتحمليه المسؤولية لإسرائيل، اتخذت قوات الاحتلال المنتشرة على الحدود مع لبنان مجموعة اجراءات احترازية تحسباً لردّ جديد من حزب الله في تلك المنطقة. وكان الحزب قد ردّ على اغتيال مجموعته العسكرية في القنيطرة باستهداف دورية إسرائيلية في منطقة شبعا اللبنانية المُحتلة. وحمل بيان تبني العملية الذي أصدره حزب الله "الرقم واحد" في إشارة الى استعداد الحزب للتصعيد في حال قرر الإسرائيليون الردّ بشكل واسع. غير أنّ الرد اقتصر يومها على قصف مدفعي محدود لمحيط موقع العملية، أدى لمقتل جندي إسباني عامل في "قوات الطوارئ الدولية" (اليونيفيل).

اقرأ أيضاً: خارطة المليشيات في السويداء: 8 للنظام و4 للطائفة

المساهمون