بالترافق مع الحرب، وبالتقاطع معها أحياناً، يجد يمنيون كثيرون أنفسهم ضحايا سرقة وخطف ونشل، ويصل الأمر إلى حدّ الاغتصاب والقتل. وما يثير قلقاً إضافياً هو إفلات المجرمين من العقاب غالباً
دخلت الحرب عامها الخامس في اليمن، ليستمر معها العنف وانتشار الجرائم في كثير من المناطق التي تشهد انفلاتاً أمنياً، سواء تلك المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) أو حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
أم نورة علي، موظفة حكومية في صنعاء (الخاضعة لسيطرة الحوثيين)، وهي من ضحايا السرقة بالإكراه. تعرضت للنشل عبر سائق دراجة نارية ومرافقه، أثناء عودتها إلى المنزل. إذ أقدم أحدهما على سحب حقيبتها اليدوية منها، ما أدى إلى إصابتها بجروح في الرأس واليدين، بعد مقاومتها لهما. تقول لـ"العربي الجديد": "سمعت كثيراً عن تعرّض النساء للسرقة من قبل سائقي الدراجات النارية في شوارع صنعاء، لكنّي لم أتوقع يوماً أن أكون إحدى ضحاياهم". تشير إلى أنّها تعرضت للنشل في وضح النهار وأمام كثيرين. وتتابع: "الحادثة أصابتني بالرعب، خصوصاً بعد سقوطي على الأرض وعدم قدرتي على التحرك. كانت معي في الحقيبة أوراقي وأشيائي الشخصية بالإضافة إلى مبلغ 2000 ريال يمني (4 دولارات أميركية)، وهاتفي المحمول". تلفت إلى أنّها أبلغت قسم الشرطة بالحادث لكنّها لم تصل إلى الجانيين، بل سجلت شكوى أم نورة ضد مجهول.
إعدام مغتصب
ليست حوادث السرقة بالإكراه التي يتعرض لها الرجال والنساء في بعض المناطق هي التي تنغص حياة اليمنيين، بل يمتد الأمر إلى الخطف والاغتصاب، اللذين تزايدا بشكل غير مسبوق، بحسب شهادات مختلفة. ففي محافظة إب الجبلية (وسط اليمن، وهي تحت سيطرة الحوثيين)، يشعر الأهالي بالصدمة نتيجة تكرر حوادث اختطاف واغتصاب واغتيال الأطفال. وفي السياق، يقول المواطن عبد السلام الحبيشي، إنّ هذه الجرائم لم تكن تقع من قبل بمثل هذه الكثافة، لكنّ الأوضاع الأمنية في تراجع مستمر، كما أنّ ظروف الناس المعيشية تسببت في ظهور عدد من الجرائم.
يضيف لـ"العربي الجديد": "أعدمت السلطات مؤخراً مغتصب أحد الأطفال في ميدان عام. نتمنى أن تكون العقوبة رادعة لكلّ من تسوّل له نفسه ارتكاب مثلها، ونتمنى تطبيق الأحكام ضد كلّ المجرمين". يشير إلى أنّ الجرائم انتشرت في المحافظة بشكل كبير: "مثل السطو المسلح، والسرقة، وأنشطة الدعارة، والنصب بأشكاله المختلفة". ويقارن الحبيشي بين الأوضاع قبل الحرب وبعدها، فيقول: "كنت في السابق أخرج وحدي بعد منتصف الليل وأسير في شوارع محافظة إب من دون خوف، فلا أحد يعترضني ولا أحد يستهدفني. كان هناك أمان وسلام، أما اليوم فلا آمن على نفسي حتى في النهار، وإذا خرجت ليلاً لا يمكن أن أحمل معي مالاً كثيراً أو مقتنيات ثمينة إلاّ إذا كان يرافقني أحد".
في إب نفسها، هجمت عصابة مسلحة على المواطن محمد العديني، وقطعت عليه الطريق وسط المدينة، وصادرت كلّ ما في حوزته. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ حوادث السرقة بالإكراه في تزايد مستمر في محافظة إب، ويقابل ذلك عجز غير مبرر للأجهزة الأمنية: "هم يستطيعون أخذ أيّ شخص لديه آراء سياسية مخالفة، لكنّهم يفشلون في ملاحقة اللصوص وقطّاع الطرق، بالرغم من معرفتهم بأماكن هذه العصابات". يلفت إلى أنّه حتى اليوم لم يحصل على مقتنياته المسروقة.
احتلال منازل
إلى ذلك، اضطر كثير من سكان مدينة تعز جنوب غرب البلاد، (تسيطر عليها حكومة هادي) المكتظة بالسكان، إلى النزوح وترك منازلهم، هرباً من الموت، من جراء سقوط القذائف العشوائية على الأحياء السكنية، وعند عودتهم إليها لتفقّدها، أثناء هدوء المعارك، فوجئ البعض بأنّ مسلحين استولوا عليها ونهبوها. من هؤلاء عبد الله حميد، الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنّه اضطر إلى مغادرة المنزل في مدينة تعز (مركز المحافظة) مع بقية أفراد أسرته، من جراء اشتداد المعارك واستمرار سقوط القذائف العشوائية على المنطقة، وعند عودته لتفقده بعد هدوء المعارك فوجئ بأنّ الباب مكسور، بينما جرى نهب ما في البيت من أثاث. وكان في المنزل مسلحون، وما زالوا حتى الآن يرفضون الخروج، بالرغم من كلّ المحاولات الذي بذلها لاستعادة منزله. يؤكد أنّه أبلغ مركز الأمن بالأمر، لكنّهم لم يتخذوا أيّ إجراء ضد الجناة، لأنّهم يتبعون أحد الألوية العسكرية في المدينة.
لا يختلف الوضع في مدينة عدن العاصمة السياسية المؤقتة للبلاد عن تعز، إذ يعاني السكان من الانفلات الأمني، على الرغم من تواجد الحكومة المعترف بها دولياً، فيها وتعدد الأجهزة الأمنية، حتى وصل الأمر إلى حدّ خروج تظاهرات للمطالبة بوضع حدّ للمجرمين وتقديمهم للعدالة في أكثر من مناسبة. وفي السياق، تقول علياء علي، وهي من سكان عدن، إنّهم يعانون من جراء الانفلات الأمني: "على الرغم من الانتشار الكبير للنقاط الأمنية، في مختلف شوارع عدن، فجرائم الاختطاف والقتل تقع مرة بعد مرة". تضيف لـ"العربي الجديد": "أرواح الناس باتت رخيصة في عدن، ومعظم الجرائم تسجل ضد مجهول، من دون إجراء تحقيق حقيقي لمعرفة الجناة. الفتيات خصوصاً يخشين الذهاب إلى المدارس والجامعات والأسواق، من جراء حوادث الاختطاف التي طاولت العديد منهن، في الآونة الأخيرة".
من جانبها، تؤكد وزارة الداخلية اليمنية، أنّها تبذل جهوداً كبيرة، في مكافحة الجرائم وبسط الأمن والاستقرار، في المحافظات الخاضعة لسيطرة حكومة هادي، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تركتها الحرب. وفي السياق، يقول مدير التوجيه المعنوي بوزارة الداخلية اليمنية في عدن، العميد عبد القوي باعش، إنّ الوزارة "عملت بمختلف أجهزتها الأمنية للحدّ من الجرائم في المحافظات المحررة، على الرغم من شح الإمكانيات، وتدمير البنية التحتية للمؤسسات الأمنية، من جراء الحرب التي تسببت فيها مليشيا الحوثي". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ تعدد التشكيلات الأمنية في عدن والمحافظات التي تسيطر عليها حكومة هادي، هو السبب الرئيس لعدم الاستقرار، ويرجع ذلك لتباينات واختلالات في منظومة التحالف وهادي. يشدد على أهمية توحيد التشكيلات الأمنية، للحدّ من الجرائم. يدعو عبد القوي، المواطنين في مناطق سيطرة هادي إلى مساندة رجال الأمن، لبسط الأمن والاستقرار، والإبلاغ عن المطلوبين أمنياً، كما يدعوهم إلى التخلص من الظواهر والعادات الخارجة عن القانون.
أزمة تبعية
إلى ذلك، يقول مدير مركز الرصد والتوثيق الجنائي في محافظة تعز، الدكتور فضل البخاري، إن المواطنين في اليمن بشكل عام افتقدوا للأمن والاستقرار منذ بدء الحرب، نتيجة ضعف أداء الأجهزة الأمنية. يضيف لـ"العربي الجدد" أنّ الأمن أصبح بمثابة حلم لليمنيين، من جراء تزايد أعداد أعمال النهب والاختطاف والقتل، بشكل لافت، مؤخراً. ويشدد البخاري، على أهمية دور أفراد المجتمع في صناعة الأمن والاستقرار ومكافحة الجريمة، من خلال مساعدة رجال الأمن. ويدعو الأجهزة الأمنية إلى ضبط الجناة للحد من انتشار الجرائم.
منذ بدء الحرب في اليمن قبل أكثر من أربع سنوات، عملت القوى المسيطرة على الأرض في مختلف مناطق اليمن، على استبدال العناصر الأمنية المؤهلة، بأخرى من خارج المؤسسة الأمنية، بحسب الناشط محمد عمر (اسم مستعار). يوضح: "جماعة الحوثي، سعت منذ اليوم الأول لاجتياحها صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتها، إلى استبدال العناصر الأمنية بأخرى موالية لها غير مؤهلة، أو ما يسمى باللجان الشعبية". يلفت عمر إلى أنّ كثيراً من المواطنين لا يحترمون القوات الحوثية، ويتعاملون معها باعتبارها جماعة مسلحة ولا يحق لها فرض الأمن، لأنّها سخّرت كل إمكانيات الأمن لضبط المعارضين لسياساتها فقط، متجاهلة شكوى وهموم المواطنين. يؤكد عمر أنّ عدداً من المحافظات التي تسيطر عليها حكومة هادي، تعيش الوضع نفسه. ففي عدن، تعود تبعية أغلب الأجهزة الأمنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي شرعت منذ تحرير محافظة عدن، في يوليو/تموز 2015، في تشكيل وحدات أمنية خارج سيطرة وزارة الداخلية اليمنية "وهي ما يسمى اليوم بقوات الحزام الأمني والنخبة، المنتشرة في أغلب مناطق الجنوب حالياً".
يضيف عمر أنّ هذه القوات الأمنية أنشئت على أساس مناطقي، وأغلب عناصرها غير مؤهلين للعمل كرجال أمن وأغلبهم بلا خبرة. يؤكد أنّ قوات الحزام الأمني فشلت في حفظ الأمن في مختلف المناطق التي تتواجد فيها، إذ إنّ جرائم القتل والاختطاف والسرقة، لا تتوقف. ويبيّن عمر، أنّ الانفلات الأمني سوف يستمر إلى حين عودة رجال الأمن المؤهلين إلى مراكز الشرطة في مناطق جماعة الحوثي، وتوحيد الأجهزة الأمنية في مناطق هادي تحت قيادة وزارة الداخلية فقط.