يشكو كثيرون من تفشي الجريمة في المغرب. يستدلون عليها بصور ومقاطع فيديو كثيرة توثق عمليات السرقة والاعتداء على الأشخاص والممتلكات، ويطالبون بحماية أمنية أكبر من خلال التشدد في عقاب المجرمين. تهديدات تقلل الشرطة من أهميتها
تثير وسائل الإعلام المختلفة، في المغرب، ووسائل التواصل الاجتماعي، عدداً كبيراً من حالات الاعتداء والجرائم المختلفة المرتكبة في البلاد. تستعرض صوراً ومقاطع فيديو لعمليات سرقة ونشل وعنف قد يصل إلى حدّ القتل. مع ذلك، تؤكد وزارة الداخلية أنّ الجرائم لم تشهد ارتفاعاً في المجتمع، بقدر ما باتت أكثر توثيقاً وترويجاً، ما يعطيها ذلك الزخم في نظر المواطنين.
بالاستناد إلى الإحصائيات الرسمية لوزارة الداخلية المغربية، فإنّ معدل الجريمة في البلاد لا يتجاوز على مستوى جميع أشكالها 21 قضية لكلّ ألف مواطن سنوياً. تشير الوزارة في ذلك إلى أنّ مثل هذا المعدل هو أحد أقل المعدلات ليس في المنطقة فحسب بل على مستوى العالم ككلّ. لكن، في الوقت عينه، يورد موقع "نومبيو" للإحصاءات العالمي أنّ المغرب يحتل المرتبة 43 في العالم على مؤشّر الجرائم العالمي، وهي مرتبة غير جيدة، كما أنّ المغرب يتواجد بين الدول العربية الست التي تشهد أعلى معدلات من الجرائم.
وإذا كان كثيرون يتوقفون عند ارتكاب الجريمة بمختلف ألوانها وتصنيفاتها، وعند الطريقة التي جرت فيها، والخسائر التي أحدثها المجرم أو المنحرف، فإنّ قليلين يواكبون الضحية التي تعرضت للجريمة، وكيف تعيش أيامها بعد حصول الحادث، وكيف يتعامل معها المجتمع، وكيف تتعاطى مع المحيطين من أسرة وأقارب وجيران. وهي قضية نفسية - اجتماعية بامتياز تجتمع فيها قدرة الضحية على إعادة الاندماج في المجتمع مع نظرة الآخرين إليها، وربما عزلتها أو عدم قدرتها على المواجهة بحسب نوع الأذى الذي تعرضت له.
اقــرأ أيضاً
عبد الوافي، شاب في العشرين من عمره، تعرض لاعتداء شنيع قبل أسابيع قليلة خلت من طرف مراهق، إذ طعنه الأخير بسكين عدة مرات في وجهه، كما كان ينوي ذبحه لولا تدخل بعض المارة. كان ذلك بعد رفض عبد الوافي منحه ما يملكه في جيبه، إذ حاول مقاومته، فكان نصيبه العديد من الغرز التي اضطر الطبيب إليها لسدّ الجروح الكثيرة في وجه الشاب العشريني الذي كان ضحية نشال مسلح.
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالحادثة مع صور الشاب الضحية، وانتقل الخبر إلى البرلمان المغربي للحديث عن انتشار الجريمة، لكنّ الشاب الضحية نفسه سرعان ما طواه النسيان، ولم يعد أحد يتحدث عنه أو يهتم بحالته الصحية، وكيف واجه مرحلة ما بعد تعرضه للاعتداء، ما جعل مأساته تتضاعف. يتحدث شقيق عبد الوافي عن تلك المرحلة إلى "العربي الجديد" ويقول إنّ شقيقه كان مؤدباً ولطيفاً ولا يفتعل أيّ خصام مع أحد، لكنّه منذ تشوه وجهه بتلك الضربات صار يميل أكثر إلى العنف والعصبية، ولم يعد يطيق من يتحدث إليه بخلاف ما كان عليه في السابق.
يتابع المتحدث أنّ سلوك شقيقه الضحية تغير إلى حدّ صدم أسرته ومعارفه وأصدقاءه، فقد بدأ يخرج إلى الحي ويتعمد إيذاء الآخرين، ويهاجمهم بسبب أو من دونه، كما صار يغطي وجهه بلثام ويحاول سرقة الغرباء عن الحي، وهو ما أدى إلى مشاكل كثيرة تسبّب فيها. يبدي شقيق عبد الوافي أسفه، لأنّ أحداً لم يهتم بآثار الاعتداء عليه نفسياً واجتماعياً، وهو ما دفعه إلى تبديل سلوكه بسلوك مهاجمه حتى وتقمص الدور نفسه، إذ وجد نفسه ربما غير قادر على ردّ الأذى بغير الأذى.
يعزو الطبيب النفسي محمد شيبون، في حديثه إلى "العربي الجديد" تحول هذا الضحية من شاب مسالم إلى شاب عدواني بعد إصابته بجروح في وجهه، إلى عدم تقديره لذاته خصوصاً على الصعيد النفسي، فقد بات ينظر إلى وجهه كوجه أيّ مجرم، خصوصاً مع ما بات فيه من ندوب تركتها ضربات السكين. يوضح أنّ وجه الإنسان، لا سيما المراهق أو الشاب في ريعان عمره، يعتبر بمثابة المرآة الخارجية التي ينظر من خلالها إلى المجتمع، ويراه الآخرون عبرها، وبالتالي فإنّ تغير ملامح عبد الوافي الذي ربما كان يكثر من العناية بها، كغيره من الشبان، وتمزق وجهه بهذا الشكل، كوّن لديه ميلاً إلى العنف ناجماً عن عجزه عن الدفاع عن نفسه وتفادي ضربات السكين، فبات يفرغ تلك الشحنة النفسية السلبية عبر إيذاء الآخرين كنوع من رد فعل آتٍ من لاوعيه.
من جهتها، تتحدث رشيدة مكلوف، وهي معلمة في إحدى المؤسسات التعليمية بمدينة الدار البيضاء، تعرضت مؤخراً إلى ضربة سكين في وجهها من طرف أحد تلاميذها السابقين، أنّها صارت تخشى من ظلها بعد ما وقع لها، خصوصاً أنّ الاعتداء كان مفاجئاً، والدماء التي سالت من وجهها زادت من صدمتها.
وبحسب مكلوف، فإنّها لا تعلم كيف تمكنها العودة إلى التدريس وملاقاة تلاميذها بعد حادثة الاعتداء، بل أضحت تخاف من أيّ شخص يمر إلى جانبها، وهي الحالة التي يفسرها شيبون بكونها ردة فعل نفسية طبيعية تحدث بعد الاعتداء المفاجئ، يسيطر الخوف فيها على الضحية، محذراً من عواقب طول هذه الفترة على شخصية المعتدى عليه وحياته بشكل عام.
لا ينسى المجتمع المغربي قصة الفتاة القاصر أمينة الفيلالي التي أجبرت على الزواج بمغتصبها الذي يفوقها سناً بعشر سنوات، فعمدت إلى الانتحار بعد معاناة نفسية خطيرة جعلتها لا تطيق العيش في مجتمع اعتبرته ظلمها مرتين، الأولى عند اغتصابها، والثانية عند إرغامها من طرف أسرتها على الزواج بمغتصبها مداراة للفضيحة، فكانت النتيجة المأساوية هي الانتحار.
جريمة اغتصاب أيضاً تعرضت لها قبل فترة قصيرة طفلة بالكاد تبلغ من العمر 13 عاماً، تلتها عملية تصوير الجريمة بالفيديو، فلم تجد الضحية أمام نظرات محيطها وأسرتها وتعليقات الجيران، بالرغم من أنّها مجرد ضحية بريئة، سوى الفرار إلى وجهة غير معلومة، فعاشت مشردة، كما حاولت الانتحار أكثر من مرة، قبل أن ينقذها ناشطون من بعض الجمعيات ويتمكنوا من إعادتها إلى أهلها.
ينصح شيبون الضحايا الذين يتعرضون لاعتداء بالضرب أو هجوم بالسلاح الأبيض أو السرقة أو التحرش، أو محاولة القتل حتى، إلى اللجوء ما أمكنهم إلى خدمات العلاج النفسي، حتى لا تتحكم الشحنة السلبية الناشئة داخلهم بتفكيرهم وسلوكهم، وتؤدي إلى إيذاء الذات، أو الرغبة في الاعتداء على الآخرين، أو الانتقام من المجتمع، أو التقوقع والعيش في عزلة وخوف يصلان إلى حدّ المرض.
اقــرأ أيضاً
تثير وسائل الإعلام المختلفة، في المغرب، ووسائل التواصل الاجتماعي، عدداً كبيراً من حالات الاعتداء والجرائم المختلفة المرتكبة في البلاد. تستعرض صوراً ومقاطع فيديو لعمليات سرقة ونشل وعنف قد يصل إلى حدّ القتل. مع ذلك، تؤكد وزارة الداخلية أنّ الجرائم لم تشهد ارتفاعاً في المجتمع، بقدر ما باتت أكثر توثيقاً وترويجاً، ما يعطيها ذلك الزخم في نظر المواطنين.
بالاستناد إلى الإحصائيات الرسمية لوزارة الداخلية المغربية، فإنّ معدل الجريمة في البلاد لا يتجاوز على مستوى جميع أشكالها 21 قضية لكلّ ألف مواطن سنوياً. تشير الوزارة في ذلك إلى أنّ مثل هذا المعدل هو أحد أقل المعدلات ليس في المنطقة فحسب بل على مستوى العالم ككلّ. لكن، في الوقت عينه، يورد موقع "نومبيو" للإحصاءات العالمي أنّ المغرب يحتل المرتبة 43 في العالم على مؤشّر الجرائم العالمي، وهي مرتبة غير جيدة، كما أنّ المغرب يتواجد بين الدول العربية الست التي تشهد أعلى معدلات من الجرائم.
وإذا كان كثيرون يتوقفون عند ارتكاب الجريمة بمختلف ألوانها وتصنيفاتها، وعند الطريقة التي جرت فيها، والخسائر التي أحدثها المجرم أو المنحرف، فإنّ قليلين يواكبون الضحية التي تعرضت للجريمة، وكيف تعيش أيامها بعد حصول الحادث، وكيف يتعامل معها المجتمع، وكيف تتعاطى مع المحيطين من أسرة وأقارب وجيران. وهي قضية نفسية - اجتماعية بامتياز تجتمع فيها قدرة الضحية على إعادة الاندماج في المجتمع مع نظرة الآخرين إليها، وربما عزلتها أو عدم قدرتها على المواجهة بحسب نوع الأذى الذي تعرضت له.
عبد الوافي، شاب في العشرين من عمره، تعرض لاعتداء شنيع قبل أسابيع قليلة خلت من طرف مراهق، إذ طعنه الأخير بسكين عدة مرات في وجهه، كما كان ينوي ذبحه لولا تدخل بعض المارة. كان ذلك بعد رفض عبد الوافي منحه ما يملكه في جيبه، إذ حاول مقاومته، فكان نصيبه العديد من الغرز التي اضطر الطبيب إليها لسدّ الجروح الكثيرة في وجه الشاب العشريني الذي كان ضحية نشال مسلح.
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالحادثة مع صور الشاب الضحية، وانتقل الخبر إلى البرلمان المغربي للحديث عن انتشار الجريمة، لكنّ الشاب الضحية نفسه سرعان ما طواه النسيان، ولم يعد أحد يتحدث عنه أو يهتم بحالته الصحية، وكيف واجه مرحلة ما بعد تعرضه للاعتداء، ما جعل مأساته تتضاعف. يتحدث شقيق عبد الوافي عن تلك المرحلة إلى "العربي الجديد" ويقول إنّ شقيقه كان مؤدباً ولطيفاً ولا يفتعل أيّ خصام مع أحد، لكنّه منذ تشوه وجهه بتلك الضربات صار يميل أكثر إلى العنف والعصبية، ولم يعد يطيق من يتحدث إليه بخلاف ما كان عليه في السابق.
عنف وشغب (فاضل سنّا/ فرانس برس) |
يتابع المتحدث أنّ سلوك شقيقه الضحية تغير إلى حدّ صدم أسرته ومعارفه وأصدقاءه، فقد بدأ يخرج إلى الحي ويتعمد إيذاء الآخرين، ويهاجمهم بسبب أو من دونه، كما صار يغطي وجهه بلثام ويحاول سرقة الغرباء عن الحي، وهو ما أدى إلى مشاكل كثيرة تسبّب فيها. يبدي شقيق عبد الوافي أسفه، لأنّ أحداً لم يهتم بآثار الاعتداء عليه نفسياً واجتماعياً، وهو ما دفعه إلى تبديل سلوكه بسلوك مهاجمه حتى وتقمص الدور نفسه، إذ وجد نفسه ربما غير قادر على ردّ الأذى بغير الأذى.
يعزو الطبيب النفسي محمد شيبون، في حديثه إلى "العربي الجديد" تحول هذا الضحية من شاب مسالم إلى شاب عدواني بعد إصابته بجروح في وجهه، إلى عدم تقديره لذاته خصوصاً على الصعيد النفسي، فقد بات ينظر إلى وجهه كوجه أيّ مجرم، خصوصاً مع ما بات فيه من ندوب تركتها ضربات السكين. يوضح أنّ وجه الإنسان، لا سيما المراهق أو الشاب في ريعان عمره، يعتبر بمثابة المرآة الخارجية التي ينظر من خلالها إلى المجتمع، ويراه الآخرون عبرها، وبالتالي فإنّ تغير ملامح عبد الوافي الذي ربما كان يكثر من العناية بها، كغيره من الشبان، وتمزق وجهه بهذا الشكل، كوّن لديه ميلاً إلى العنف ناجماً عن عجزه عن الدفاع عن نفسه وتفادي ضربات السكين، فبات يفرغ تلك الشحنة النفسية السلبية عبر إيذاء الآخرين كنوع من رد فعل آتٍ من لاوعيه.
من جهتها، تتحدث رشيدة مكلوف، وهي معلمة في إحدى المؤسسات التعليمية بمدينة الدار البيضاء، تعرضت مؤخراً إلى ضربة سكين في وجهها من طرف أحد تلاميذها السابقين، أنّها صارت تخشى من ظلها بعد ما وقع لها، خصوصاً أنّ الاعتداء كان مفاجئاً، والدماء التي سالت من وجهها زادت من صدمتها.
وبحسب مكلوف، فإنّها لا تعلم كيف تمكنها العودة إلى التدريس وملاقاة تلاميذها بعد حادثة الاعتداء، بل أضحت تخاف من أيّ شخص يمر إلى جانبها، وهي الحالة التي يفسرها شيبون بكونها ردة فعل نفسية طبيعية تحدث بعد الاعتداء المفاجئ، يسيطر الخوف فيها على الضحية، محذراً من عواقب طول هذه الفترة على شخصية المعتدى عليه وحياته بشكل عام.
لا ينسى المجتمع المغربي قصة الفتاة القاصر أمينة الفيلالي التي أجبرت على الزواج بمغتصبها الذي يفوقها سناً بعشر سنوات، فعمدت إلى الانتحار بعد معاناة نفسية خطيرة جعلتها لا تطيق العيش في مجتمع اعتبرته ظلمها مرتين، الأولى عند اغتصابها، والثانية عند إرغامها من طرف أسرتها على الزواج بمغتصبها مداراة للفضيحة، فكانت النتيجة المأساوية هي الانتحار.
جريمة اغتصاب أيضاً تعرضت لها قبل فترة قصيرة طفلة بالكاد تبلغ من العمر 13 عاماً، تلتها عملية تصوير الجريمة بالفيديو، فلم تجد الضحية أمام نظرات محيطها وأسرتها وتعليقات الجيران، بالرغم من أنّها مجرد ضحية بريئة، سوى الفرار إلى وجهة غير معلومة، فعاشت مشردة، كما حاولت الانتحار أكثر من مرة، قبل أن ينقذها ناشطون من بعض الجمعيات ويتمكنوا من إعادتها إلى أهلها.
ينصح شيبون الضحايا الذين يتعرضون لاعتداء بالضرب أو هجوم بالسلاح الأبيض أو السرقة أو التحرش، أو محاولة القتل حتى، إلى اللجوء ما أمكنهم إلى خدمات العلاج النفسي، حتى لا تتحكم الشحنة السلبية الناشئة داخلهم بتفكيرهم وسلوكهم، وتؤدي إلى إيذاء الذات، أو الرغبة في الاعتداء على الآخرين، أو الانتقام من المجتمع، أو التقوقع والعيش في عزلة وخوف يصلان إلى حدّ المرض.