جرائم إحراق عائلات فلسطينية قد تتكرّر بغطاءٍ إسرائيلي

15 سبتمبر 2015
نتنياهو يذرف دموع التماسيح على عائلة دوابشة (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
إن كان هناك ثمّة من يبحث عن دليلٍ دامغٍ على تواطؤ مؤسسات الحكم في إسرائيل مع التنظيمات الإرهابية التي كثّفت اعتداءاتها على الفلسطينيين أخيراً، فإن التصريحات التي أدلى بها وزير الأمن، موشيه يعلون، في اجتماع مغلق مع القطاع الشبابي في حزب الليكود، الأسبوع الماضي، توفّر هذا الدليل.

وقد فجّر يعلون قنبلة مدويّة، عندما أعلن أن "إسرائيل تعرف بالضبط من نفّذ عملية إحراق عائلة الدوابشة في قرية دوما (القريبة من رام الله)، نهاية شهر يوليو/تموز الماضي، لكنها لا تنوي اعتقاله خشية أن يؤدي الأمر إلى الكشف عن المصادر الاستخبارية التي مكّنت الأجهزة الأمنية من تحديد هويته".

وقد أثارت هذه التصريحات، التي لم يكن يعلون يتوقع خروجها للعلن، ضجة كبيرة، كونها تأتي بشكل مخالف لطابع التصريحات الرسمية التي صدرت بعد الحادثة المروعّة. واستهجن مراسل القناة الثانية، تسيون نانوس، في تغريدات نشرها على حسابه على موقع "تويتر"، يوم الأحد، ما اعتبره "تذرّع يعلون بمثل هذا الاعتبار، كي يُبرّر عدم اعتقال المسؤول عن تنفيذ جريمة بهذا الحجم وتقديمه للمحاكمة".

ونظراً لأن كلاً من موشيه أورباخ ويئير إيتنغير، المتهمين الرئيسيين بتنفيذ عملية إحراق عائلة الدوابشة، معتقلان إدارياً، فإن يعلون قد يكون قصد في حديثه، عدم اعتقال شخصية كبيرة أو مرجعية دينية بارزة، لها علاقة بإصدار التعليمات لتنفيذ الهجوم، أو منحه "مسوغاً فقهياً" لتنفيذه.

وفي هذا الصدد، كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن علاقة تجمع بين أورباخ وإيتنغير، مع الحاخامين، إسحاق شابيرا وإسحاق جزينبيرغ، اللذين يديران مدرسة "يوسيف حالي" الدينية في نابلس، ويُعدّان من أبرز المرجعيات الدينية، ويحجّ إليهما وزراء ونواب من الائتلاف الحاكم.

اقرأ أيضاً: آلاف الفلسطينيين يشيعون جثمان الشهيدة رهام دوابشة

وقد سبق لشابيرا أن دعا إلى "عدم التردد في قتل الأطفال الرضع من العرب، في حال كان الأمر يخدم المصلحة اليهودية". وقد أعدّ ما يُعتبر "مصنفاً فقهياً كاملاً"، أطلق عليه "شريعة الملك"، تناول فيه "الأدلّة الشرعية" التي تبيح استهداف أطفال "العدو". كما سبق لجيزنبيرغ أن "أسس فقهياً" للعمليات الإرهابية التي نفذتها عصابات "تدفيع الثمن" ضد الفلسطينيين، والتي تضمّنت إحراق مساجد وكنائس واقتلاع حقول وإتلاف محاصيل زراعية.

ويُظهر إقرار يعلون بشكل لا يقبل التأويل، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كان يذرف دموع التماسيح عندما تظاهر بالتأثر بما حدث لعائلة الدوابشة، وزارها في المستشفى. وتنسف التصريحات، أيضاً، التعهّدات التي قطعها نتنياهو علناً، باعتقال منفذي الهجوم وتقديمهم للمحاكمة. وتُظهر الرسالة الواضحة التي يحملها تصريح يعلون، أنه "يُمكن للإرهابيين مواصلة أعمال القتل ضد الفلسطينيين، في ظلّ أقل قدر من الملاحقة القانونية".

وهذا ما جعل المعلّق العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، يُقلل من شأن الإجراءات "الاستعراضية" التي قامت بها الأجهزة الأمنية ضد عناصر التنظيمات الإرهابية اليهودية. وذكر في مقالٍ له في الصحيفة في 4 سبتمبر/أيلول الحالي، أن "هذه الإجراءات أبعد ما تكون عن ردع الإرهابيين اليهود والحدّ من تغوّلهم".

ويبدو لافتاً، أن عدداً من قادة جهاز الاستخبارات الداخلية "الشاباك"، وهو الجهاز المُفترض أن يكون مسؤولاً عن مواجهة التنظيمات الإرهابية اليهودية، يقرّون أنه لا توجد لدى نتنياهو، المسؤول المباشر عن الجهاز، أيّ رغبة في إصدار تعليماتٍ لوضع حدٍّ للتنظيمات الإرهابية.

في هذا الصدد، يقول الرئيس السابق لـ "الشاباك" كارمي غيلون، في مقابلة أجرتها معه القناة الأولى الإسرائيلية، إن "تعليمات واضحة وصريحة من نتنياهو ستُفضي إلى تغيير الواقع بشكل جذري، لأن قادة الشاباك يعون الآن، أن القيادة السياسية غير معنية بالمواجهة مع التنظيمات الإرهابية ومن يقف خلفها". 

بالنسبة إلى الرئيس السابق لـ "الشاباك" يوفال ديسكين، فإن "هناك اعتباراً آخر يواجه قيادة الجهاز في تعاطيها مع التشكيلات الإرهابية اليهودية". وفقاً لما نشره على صفحته على موقع "فيسبوك". ويضيف ديسكين "قادة الجهاز يخشون من ردة فعل الحاخامات على الإجراءات التي يُمكن أن توجه للإرهابيين اليهود". وذكر أن "حاخاماً مشهوراً هدد نائباً سابقاً لرئيس الشاباك، بعد أن تم اعتقال نجله على خلفية مشاركته في أعمال إرهابية ضد العرب".

لكن ما لم يشر إليه ديسكين، أشار إليه المعلق أمير أورن، الذي كشف في تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" أخيراً النقاب عن أن "التركيبة القيادية لجهاز الشاباك حالياً، لا تساعد على محاربة التنظيمات الإرهابية، بسبب تنامي تمثيل التيار الديني الصهيوني في هذه القيادة، وأن ثلاثة من أهم أربع قادة في الجهاز هم من التيار الديني الصهيوني".

في سياقٍ آخر، أعادت "هآرتس" إلى الواجهة الفارق الكبير بين معالجة الأجهزة الأمنية خطر التنظيمات الإرهابية وتعاطيها مع المقاومة الفلسطينية. وتشير في افتتاحيتها في 9 سبتمبر، إلى أن "إسرائيل لم تتردد بعد أسر المستوطنين الثلاثة في يونيو/حزيران 2014، في اعتقال 400 فلسطيني، من بينهم نواب في المجلس التشريعي، لم تكن لهم أيّ علاقة بالحادث. وتمكنت الأجهزة الأمنية في النهاية من تصفية المسؤولين عن عملية أسر المستوطنين وقتلهم، فيما لم يعلن أي تطور في التحقيقات في حادثة إحراق عائلة الدوابشة".

اقرأ أيضاً: تنظيمات يهودية "تُبرّر" إحراق الكنائس فقهياً

المساهمون