يُسجّل في الآونة الأخيرة تزايد في عمليات السرقة وغيرها من الحوادث في مصر، لا سيما في محافظة الإسكندريّة. وفي حين تتضاعف حدّة العنف والجريمة، يُلحَظ غياب أمني فاضح فيما يعاني أبناء الإسكندريّة من تحكّم البلطجيّة بهم.
بحزن بيّن وصوت خافت، يتحدث سمير مصطفى إلى جاره عن تزايد حالات البلطجة والقتل والسطو المسلح في الحي حيث يسكن في غرب الإسكندرية (شمال مصر) خلال الآونة الأخيرة، نتيجة الانفلات وكذلك الغياب الأمني الكبير.
مصطفى صاحب مكتب رحلات في منطقة الورديان، فقد الأسبوع الماضي سيارته الجديدة التي اشتراها قبل فترة وجيزة. هو كان قد ركنها في موقف للسيارات بالقرب من نقطة شرطة الورديان، وإلى الآن لم يتمكّن من العثور عليها لاستعادتها. يقول: "يبدو أن قوات الأمن انشغلت عن واجباتها في حماية المواطنين، بمكافحة الإرهاب وملاحقة المعارضين". تجدر الإشارة إلى أنه اضطر إلى خوض مفاوضات مع عدد من البلطجية أو أرباب السوابق الجنائية، لاستعادة سيارته في مقابل مبلغ مالي يتناسب مع ماركة السيارة المسروقة وطرازها.
ويشير مصطفى إلى أنها ليست المرة الأولى التي تقع فيها جرائم سرقة وقتل في هذا الحي في "عزّ الظهر". ولعلّ الحادثة الأخيرة المسجلة هي العثور قبل أيام على جثة طفلة عارية على الطريق، تظهر على جسدها آثار تعذيب وكذلك آثار اغتصاب. حتى اليوم، لم تتوصل الشرطة إلى مرتكب هذه الواقعة. إلى ذلك، يضيف مصطفى المشاجرات العنيفة التي تستخدم فيها الأسلحة النارية، وهو ما يضطر أهالي المنطقة إلى ملازمة منازلهم حتى لا يتعرضوا لأي خطر.
ما نقله مصطفى لا يختلف عن روايات أخرى تتكرر على ألسنة مصريين في أكثر من منطقة أو حيّ، خصوصاً العشوائيات. ويؤكد هؤلاء أن الأمر وصل إلى درجة أنه لم يعد يمرّ يوم تقريباً من دون جريمة أو حادثة تتحوّل حديث الساعة لدى الأهالي. بالتالي، يمكن الحديث عن ارتفاع معدلات العنف والجريمة بشكل ملحوظ.
وأصبح معتاداً أن تتلقى أقسام الشرطة بلاغات عن حوادث سرقة في الشوارع وفي المواصلات العامة، بالإضافة إلى ما تواجهه مع انتشار بيع المخدرات وتوزيعها في الشوارع، وسيطرة مجموعة من البلطجية على مواقف سيارات الأجرة الرسمية وغير الرسمية، كذلك فرض إتاوات على كل سائق يركن سيارته في الموقف. وإذا امتنع أحد السائقين عن دفع المبلغ المطلوب، فإنهم يمنعونه من العمل.
اقرأ أيضاً: "فينيسيا" الإسكندرية ملوّثة
عملاء المصارف مستهدفون
وقد انتشرت أيضاً في الآونة الأخيرة، ظاهرة سرقة عملاء المصارف لدى مغادرتها مع مبالغ مالية، عبر النشل أو بطرق أخرى تعتمد على العنف. تكرار هذه الحوادث أجبر مديرية أمن الإسكندرية على توزيع نشرات تحذيرية علّقت على جدران المصارف في المحافظة، لتنبيه المواطنين إلى تعرّض عملاء المصارف إلى سرقات متكررة في "عز الظهر". وطالب البيان المواطنين بضرورة الحذر عند التحرك بالأموال خارج البنوك وشركات الصرافة وأثناء استقلال السيارات، وفي حالة الارتياب أو الشك في أحد الأشخاص داخل البنك أو خارجه، الاتصال فوراً بضباط وحدة مباحث قسم الشرطة التابع للمصرف. ووضعت أرقام ضباط مباحث القسم أسفل البيان.
في هذا الإطار، أظهر حصر للنشرة اليومية التي تصدرها مديرية أمن الإسكندرية حول الحوادث والضبطيات، خلال شهرَي يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط من عام 2016 الجاري، تصاعد أعداد حوادث السرقات، والسرقات بالإكراه، وفرض الإتاوات، والاتجار في المواد المخدرة، والاعتداء على أملاك الدولة، والبناء المخالف، وتوزيع منتجات غذائية غير صالحة للاستهلاك البشري، والتعدي على الإناث والتحرش بالقول أو الفعل.
ورصدت النشرات الأمنية الصادرة عن المديرية، وصول قضايا السرقات إلى 92 حادثة خلال شهرين أي بمعدّل ثلاث يومياً، بينما بلغت ضبطيات السرقات بالإكراه 41 ضبطية بمعدّل نحو 1.5 حادثة يومياً. أما الاتجار في المواد المخدرة فقد وصل إلى 521 حالة بمعدل نحو تسع ضبطيات يومياً، والبلطجة وفرض الإتاوات 51 قضية بمعدّل نحو 0.9 حالة يومياً، والاعتداء على أملاك الدولة 423 حالة بمعدّل أكثر من سبع حالات يومياً، والبناء المخالف 433 حالة بمعدل 7.5 حالات يومياً. كذلك بلغت أعداد ضبطيات توزيع المنتجات الغذائية غير الصالحة للاستهلاك البشري في الأسواق والمحال التجارية، 620 حالة أي ما يزيد عن عشر حالات يومياً، والتعدي على الإناث بالقول 551 مع معدّل 9.5 حالات يومياً، والتحرّش الجسدي 62 حالة بمعدل أكثر من حالتين اثنتين يومياً.
تحت رحمة البلطجية
يلفت عادل سعيد، وهو موظف من أهالي منطقة كرموز، إلى وقوع مشاجرات عنيفة يومياً لأسباب متنوعة، وفي أكثرها يحاول أحد الطرفين حسم الخلاف بالقوة من دون اللجوء إلى الجهات الرسمية أو انتظار تدخل الجهات الأمنية ورجال الشرطة. يضيف أن هذا هو الأمر الذي يتسبب في إثارة الذعر والخوف لا سيما مع استخدام المتشاجرين أسلحة نارية وبيضاء.
أما ممدوح فوزي، وهو من أهالي منطقة العصافرة وصاحب معرض للأدوات المنزلية، فيقول إن سيارته سرقت قبل أربعة أشهر، إلا أنه لم يبلغ الشرطة وتواصل مباشرة مع أحد بلطجية المنطقة المعروفين. وصله الأخير بسارقي السيارة، فاسترجعها منهم في مقابل 20 ألف جنيه مصري (نحو 2600 دولار أميركي) للسارقين و5 آلاف جنيه (نحو 640 دولاراً) للوسيط.
من جهته، يقول عوض سرحان، وهو مقاول بناء في منطقة باكوس، إن "في مهنتنا كل منطقة لها كبيرها، وهو بلطجي خطير مسجّل لدى أقسام الشرطة ومن نزلاء السجون بشكل دائم. وهذا البلطجي يحمي أبنيتنا إلى حين الانتهاء منها وبيع وحداتها السكنية، وإلا يكون هو أول السارقين". يضيف أنه لم يستسلم لهذا الوضع في الماضي، وكان يرفض الابتزاز ويحمي أبنيته بنفسه، ويبلغ قسم الشرطة عن أي محاولات لمضايقته أو إلحاق الأذى به. ويتابع سرحان: "لكن الوضع اختلف في الوقت الحالي، إذ أصبح الخارجون على القانون هم أصحاب اليد العليا في الشوارع والميادين، يطوفون الحواري والأزقّة لتجميع الإتاوات من المواطنين من دون رادع".
يوافق عبد المحسن حمودة، وهو صاحب محل في ميدان الشهداء في وسط الإسكندرية، سرحان قائلاً إنه تعرّض للسرقة والنهب ثلاث مرات خلال أقل من خمسة أشهر. يضيف: "كلما كنت أتوجه إلى قسم الشرطة، لم أكن أجد ضابطاً يتلقى مني البلاغ. وجلّ ما تمكّنت من فعله، هو الوقوف أمام أمين شرطة يبتزني لإجباري على دفع رشى كبيرة في مقابل حماية محلي ومواجهة السارقين".
اقرأ أيضاً: المصريات المعيلات على أجندة المؤتمرات فقط
انفلات أمني خطير
في السياق ذاته، يرى عضو حركة مصريين ضد التعذيب الناشط الحقوقي محروس عبد الجواد أن "الأرقام المرصودة في سجلات مديرية الأمن تشير إلى انفلات أمني كبير وخطير في المجتمع، لا سيما أنها لا تدل على أرقام المخالفات الحقيقية في الشارع ولا تزيد نسبتها عن 30% من الجرائم، مع عجز الأجهزة الأمنية عن ضبط جميع المخالفات والجرائم بسبب أحوال الدولة وأوضاع وزارة الداخلية المتردية".
ويعيد محروس "تقصير الأجهزة الأمنية في ملاحقة الجرائم ومواجهتها والحدّ من انتشارها، إلى سببين رئيسيين. الأول هو ما وصفه بالفساد المستشري داخل الأجهزة الأمنية من رأسها حتى أصغر فرد فيها، والثاني هو انشغالها بالأمن السياسي المتمثل في تعقب أي أنشطة مناهضة للسلطات الحاكمة، سواء أكان منفذوها من أنصار الرئيس السابق محمد مرسي أو من غيرهم". يضيف أن "تحليل أرقام الجرائم من واقع سجلات مديرية الأمن، يدل على فشل الأجهزة الأمنية الذريع في مواجهة الظاهرة الإجرامية واستشرائها، بطريقة تدفع المواطنين على حمل الأسلحة للدفاع عن أنفسهم بأنفسهم".
العنف يتزايد
من جهتها، أعادت الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم "تزايد حالات العنف والجريمة في الشارع المصري إلى الحالة الاقتصادية المتردية، وارتفاع معدلات البطالة خصوصاً بين الشباب، إلى جانب انشغال الشرطة عن أداء دورها في تحقيق الأمن وإرساء الاستقرار في البلاد وملاحقة الذين يهددون المجتمع". وتؤكد أن "استمرار هذه الأوضاع التي أصبحت تهدد كل شرائح المجتمع بعد غياب سلطة القانون وتراجع هيبة الدولة والانتشار الواضح للاتجار بالمخدرات والأسلحة، هو ما يشكل منعطفاً خطيراً للنظام الحالي في ظل الانكسارات والتدهور في القطاعات المختلفة".
إلى ذلك، يقرّ مصدر أمني في مديرية أمن الإسكندرية "بتزايد معدلات الجريمة والبلطجة في الشارع المصري، وتصاعد حدة السرقات، الأمر الذي تسبب برعب للمواطن العادي خلال السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة حالة الانفلات وعدم الاستقرار التي شهدتها البلاد". لكنه يرفض تعبير "الأمن المفقود"، قائلاً إنه "صادر عن بعض وسائل الإعلام المغرضة". ويؤكد المصدر على أن "الحوادث لا تعني الانفلات الأمني، ولا ينفي الوجود الأمني في الشارع المصري بكثافة وبطرق مختلفة في كل المواقع".
اقرأ أيضاً: مصر الانتهاكات.. حقوق الإنسان في قبضة الحكومة