أثار الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري المصرية، بإلزام الجهة الإدارية المختصة بقيد نجل سيدة من زواج "عرفي" في سجلات مصلحة الأحوال المدنية، بصفة مؤقتة بالاسم الذي ذكرته، إلى أن تقضي المحكمة المختصة في واقعة ثبوت نسبه إلى والده، جدلا واسعا بين رجال القانون والمختصين، واعتبروه تقنينا وتشريعا للزواج العرفي الذي أجمع علماء الدين والقانون على تحريمه، إذ لم يلتزم الشروط الواجبة للزواج، وفي مقدمتها التوثيق والإشهار والشهود.
واعتبر فقهاء أن الحكم يزيد من أزمة الزواج العرفي غير المقبول على المستوى الاجتماعي وبين الأسر المصرية، فضلا عن مخالفته الدين والقانون.
واعتبر الفقهاء أن الحكم يعقّد الأزمة ولا يسارع في حلها، بل يعطي مشروعية للزواج العرفي الذي وصلت نسبته في مصر إلى 400 ألف حالة سنويا، وفق دراسة أجراها المجلس القومي للسكان، وأن نسبة أطفال الزواج العرفي تصل إلى 41 ألف طفل سنويا، بينما يصل عدد قضايا إثبات النسب 14 ألف قضية، لا تزال مطروحة أمام محكمة القضاء الإداري.
واعتبر البعض أن هذا الحكم يثير الجدل حول الرغبة في وضع أرضية مقبولة للزواج العرفي، الذي يلفظه المجتمع، ويعتبر سُبة في جبين الأسرة المصرية حال العلم به.
وقال أستاذ القانون العام، الدكتور فتحي فكري: "إن هذا الحُكم عارٍ من الصحة ولا يوجد قانون يستندُ عليه، ولا يحق للمحكمة إصدار حكم بناءً على مواد دستورية، حيث إن الحكم لا يعتبر حكما فرديا لمقيمة الدعوى، لأن أحكام مجلس الدولة ترسخ لمبدأ قانوني يمكن الاعتماد عليه في القضايا المماثلة، ليكون بذلك الحكم بمثابة ترسيخ لمبدأ جديد وهو قيد "طفل الزواج العرفي" في مصر في سجلات الأحوال المدنية".
وقال أستاذ القانون المدني بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد سعد: "إن الحكم يتيح للفتاة أن تنسب الطفل إلى أي رجل تختاره، لتخرج نفسها من مأزق الزواج العرفي أو من جريمة الزنا على حد سواء، ولأنه لا توجد مشروعية للزواج العرفي المفتقد للشروط من التوثيق والإشهار وشهادة
الشهود، والاكتفاء بورقة يمكن أن تمزق، لا يتيح ثوابت إثبات النسب، ويعتبر الطفل في حالة عدم الاعتراف به من الأب ابن زنا، إلى أن يثبت غير ذلك".
واعتبر الأكاديمي المصري أن مثل هذا الحكم سيثير جدلا مجتمعيا كبيرا، ولن يرقى إلى حيز التنفيذ، إلا في حالات توثيق الزواج العرفي ومعرفة من الأب حتى يمكن إثبات النسب له.
وقالت إحدى الموجهات في وزارة التربية والتعليم إن اللائحة الطلابية تمنع دخول أي طفل مجهول النسب إلى المدرسة، والحكم سيظل حبرا على ورق، حيث إن تنفيذه يحتاج إلى تغيير في قوانين ولوائح أساسية، وألا نخلّ بالقواعد الأساسية التي تحكم العملية التعليمية.
وأكد أستاذ علم النفس في كلية التربية جامعة الأزهر، الدكتور محمد عبدالعزيز، أن الزواج العرفي نوع من أنواع الزنا الفاحش، وشدد على ضرورة استبدال كلمة زواج عرفي بكلمة زواج غير شرعي، موضحًا أنها مشكلة متعددة الأطراف، تشترك فيها الأسرة ووسائل الإعلام والحكومات على وجه الخصوص؛ حيث لا يوجد أي دورٍ يُذكر لها، ولا يحق لأحد الاعتراف
بأطفال الزنا مؤقتا أو بصورة نهائية.
حكم مجلس الدولة
وأصدرت محكمة القضاء الإداري المصرية، أول أمس الأحد، حكماً قضائياً بإلزام الجهة الإدارية المختصة بقيد نجل سيدة من زواج "عرفي" في سجلات مصلحة الأحوال المدنية، بصفة مؤقتة بالاسم الذي ذكرته، إلى أن تقضي المحكمة المختصة في واقعة ثبوت نسبه إلى والده.
وألزمت المحكمة التي عقدت برئاسة المستشار أحمد الشاذلي، نائب رئيس مجلس الدولة، في حكمها، وزارة التربية والتعليم بقبول الطفل في إحدى المدارس التي تتناسب مع مرحلته العمرية.
واستندت المحكمة في حكمها إلى أنه في ضوء أحكام الدستور المصري وقانون الطفل وقانون الأحوال المدنية، فإن المشرع أعلى حق الطفل في نسبه إلى والديه، وحصوله على اسم يميزه في المجتمع ويحفظ له كرامته وإنسانيته، ويتمتع بكل الحقوق ومنها الحق في التعليم والصحة، وهي حقوق أولى بالرعاية والحماية، لكون الصغير يقع في مركز قانوني أعلى، مما قد يثور من خلاف حول صحة العلاقة الزوجية أو ثبوت النسب لوالديه أو أحدهما.
ولا يعتبر الحكم فردياً لمقيمة الدعوى، إذ إن أحكام مجلس الدولة تكون ترسيخاً لمبدأ قانوني يمكن الاعتماد عليه في القضايا المماثلة، ليكون بذلك الحكم بمثابة ترسيخ لمبدأ جديد وهو قيد "طفل الزواج العرفي" في مصر في سجلات الأحوال المدنية.
اقرأ أيضا:
"زواج الفاتحة" ينتشر بجبال الأطلس المغربية
موريتانيات مهجورات
زواج القاصرات.. حجة السترة تدمر حياتهن