يتنشّق سكّان العاصمة الإيرانيّة طهران هواءً ملوّثاً معظم أيام السنة، بحسب ما تفيد مؤسسة البيئة. وعلى الرغم من أنهم يعلمون ذلك، إلا أنهم لا يتقبّلون فكرة نقل العاصمة إلى مدينة أخرى.
لم تعد العاصمة الإيرانية تلك المدينة التي يتحدث الكلّ عن مميّزاتها، فهي راحت ترهق عدداً كبيراً من قاطنيها. وتعاني طهران من تلوّث شديد في معظم أيام السنة، بالإضافة إلى ازدحام مروري يخنق المتنقلين فيها، واكتظاظ سكاني بنحو 15 مليون نسمة. ولا ننسى أن المدينة تقع في الأساس على ثلاثة فوالق زلزالية، ما يعني أن الخطر يتهدّدها مثلما يتهدّد قاطنيها.
قبل عامين تقريباً، أدرك المسؤولون في البلاد كل هذه الأخطار المحدقة بالمدينة، واقترح نواب في البرلمان في ذلك الوقت نقل العاصمة إلى مدينة أخرى. لكن هذا المقترح لم يبدُ سهل التطبيق حينها ولا حتى اليوم.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، وافقت لجنة صيانة الدستور على مقترح تشكيل لجنة مكوّنة من 15 شخصاً، منهم مسؤولون رسميون كرئيس الجمهورية ورئيس البلدية وبعض الوزراء، ومنهم مستشارون ومتخصصون في هذا المجال، وذلك بهدف جمع المعلومات اللازمة ودراسة الخيارات المتاحة للبتّ في هذا الموضوع بعد عامين.
عقدت هذه الهيئة اجتماعها الرسمي الأول أخيراً، بعدما جمع كل عضو فيها معلوماته وبياناته وقدّمها، فدرسها المجتمعون وناقشوا الاقتراحين القائلين بنقل العاصمة بإمكاناتها ووزارتها ومراكزها الرسمية إلى مدينة أخرى، أو إعادة تخطيط مدينة طهران لتصبح المشكلات فيها أقل تعقيداً.
وعلى الرغم من تأييد بعض المسؤولين في البلاد مقترح النقل، إلا أن أعضاء اللجنة المشرفة أجمعوا على أنه لن يكون مجدياً، بحسب ما نقلت المواقع الرسمية الإيرانية. وركّز أكثر الحاضرين على ضرورة إعادة تنظيم المدينة نفسها بضمّ كل المناطق والضواحي المحيطة بمحافظة طهران ومحافظة البرز المتجاورتين وإعادة تقسيم المراكز الإدارية من جديد، وهو ما سوف يؤدي إلى إعادة توزيع السكان.
بالنسبة إلى مستشار المرشد الأعلى يحيى صفوي، وهو أحد المعنيين في هذه اللجنة، فإن مشكلات العاصمة كبيرة ومعقدة، وهي تعني الحكومة بالدرجة الأولى. وأوضح أنه من المعترضين على مقترح نقل العاصمة، لكنه أشار إلى ضرورة إعادة تنظيم الأمور وترتيبها.
من جهته، رأى مستشار مؤسسة تخطيط المدن رضا هاشمي، أنه من الضروري توسيع رقعة المدينة أكثر، في محاولة لحل هذه الأزمة، مضيفاً أن وزارة العمل والطرقات سوف تكون المعنية بتطبيق هذه الخطط. أما مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأرياف أبو الفضل رضوي، فأشار إلى أن نقل العاصمة إلى مدينة أخرى يحتاج ميزانية الحكومة للأعوام الثلاثين المقبلة، قائلاً إنه من الأفضل أخذ 10% فقط من هذه الميزانية برمّتها واستخدامها في خطة خمسيّة تهدف إلى تحسين أوضاع القرى والمناطق المحرومة لتصبح إنتاجيتها أعلى. بالتالي، من شأن ذلك التخفيف من حجم الهجرة إلى طهران. بالنسبة إليه، مقترح نقل العاصمة لا يستحق التطبيق والمخاطرة.
وتأتي كلفة نقل العاصمة الباهظة جداً، كسبب إضافي لعدم ترجيح كفّة هذا الخيار من قبل اللجنة الخاصة. وهو ما أشار إليه والي مدينة طهران حسين هاشمي، قائلاً إن تطبيق هذه الخطة يعني الحاجة إلى مائة مليار دولار على أقل تقدير. في الوقت نفسه، يبدو أن الفريق الذي يدعو إلى إعادة ترتيب شكل العاصمة بدلاً من نقلها، لم يدرس التبعات السلبية لهذا الأمر، بحسب ما يقول الخبراء.
في هذا السياق، يشير مستشار محافظ طهران السابق مهرداد تقي زاده، لـ"العربي الجديد"، إلى "ضرورة التركيز على الأسباب التي أدت في الأساس إلى تقديم مقترح نقل العاصمة"، قائلاً إن "حلّ مسببات المشكلات هو الأهم". يضيف أنه كان مطلعاً على ملف نقل العاصمة، وكان من المعترضين عليه، "إذ يعني ذلك نقل المشكلات إلى مدينة أخرى. الأجدى هو البحث عن الأسباب وإيجاد حلول وتطبيقها عملياً". يتابع: "حتى ولو اختيرت مدينة بمساحة أصغر وأقل تلوثاً، إلا أن نقل المراكز الإدارية إليها يعني نقل موظفيها وتحويلها إلى مركز يستقطب أعداداً كبيرة من الإيرانيين، ما يعني عودة المشكلات ذاتها إلى مدينة جديدة تدريجياً".
ويتوقع تقي زاده "ألا يطبّق مقترح نقل العاصمة، إذ إنه صعب ومعقّد ومكلف للغاية"، لافتاً إلى ضرورة دراسة مقترح ثالث إلى جانب الاثنين المطروحين. والمقترح هو تسمية عاصمة أخرى لإيران، فتصبح للبلاد عاصمة إدارية وأخرى اقتصادية، كما الحال في بلدان أخرى، وتقسّم المراكز عليهما بدلاً من توسيع مدينة واحدة".
تشكّل طهران 3.5% فقط من مساحة إيران، وقد ازدادت أهميتها خلال العقود الأخيرة مع التركيز على تطويرها عمرانياً وخدماتياً، الأمر الذي ضاعف عدد سكانها مع ارتفاع معدلات الهجرة إليها من الأرياف. بين العامين 2006 و2011 هاجر مليون شخص من القرى إلى طهران، وقد تراوحت أعمارهم ما بين 20 و39 عاماً، بحسب بيانات مركز الإحصاء الرسمي، الذي أشار في تقريره إلى أن هؤلاء كلهم كانوا يبحثون عن فرص عمل في المدينة الحلم. وهو ما تسبب في تركهم قراهم وانخفاض الإنتاج الزراعي فيها، بالإضافة إلى تقليص فرص العمل في العاصمة وازدياد الضغط عليها وزيادة عدد السكان. بالتالي، ارتفع عدد المركبات، فازداد الازدحام الخانق من جهة، ومن الأخرى التلوّث الذي تعانيه العاصمة لأسباب جغرافية في الأساس.
اقرأ أيضاً: تلوّث طهران يقتل ساكنيها.. ببطء