جان دورميسون: الكاتب التسعيني وذاكرته المرحة

04 فبراير 2016
(تصوير: مارتن بورو)
+ الخط -

وقد تجاوز التسعين من العمر بقليل، لا يزال الكاتب والفيلسوف الفرنسي، جان دورميسون (1925)، يتصدّر المشهد الأدبي الفرنسي، وأعماله تحقّق أعلى المبيعات، يعزّز ذلك حضوره المستمر في وسائل الإعلام.

مع مطلع السنة الجديدة، صدرت له عن "غاليمار" مذكّراته الشخصية بعنوان مقتبس من بيت للشاعر الفرنسي لويس أراغون (1897 - 1982) "سأقول رغم كل شيء أن هذه الحياة جميلة"، وقد سبق أن اقتبس من الشاعر نفسه، عنوان كتابه "سأرحل ذات يوم ولم أقل كل شيء".

تأتي المذكّرات على شكل محاكمة بين الكاتب وبين الأنا المتسائلة، في حوار يستقصي تفاصيل ماضيه وطفولته، وعلاقاته مع الأدباء والسياسيين الفرنسيين وغيرهم، لا تخلو من أحداث ومواقف طريفة، يحاول أن يسبغ عليها مسحة من الأمل، رغم مرارات الحرب العالمية الثانية، التي عاش أهوالها شابّاً.

يُعدُّ دورميسون أحد أبرز الكتّاب الفرنسيين المعاصرين، وأغزرهم إنتاجاً، انتُخب عضواً في "الأكاديمية الفرنسية" سنة 1973، ثم انتُخب عميداً لها في 2009، عقب رحيل كلود ليفي شتراوس. ولا يزال الكاتب على عادته، متفائلاً، مغتبطاً بالحياة، مدافعاً عنها، ضمن رؤية فلسفية يعترف أنها تقف على طرفي نقيض من نظرة صديقه الفيلسوف الفرنسي، روماني الأصل، إميل سيوران (1911 - 1995)، أو "رسول العدم"، كما يحلو لبعضهم وصفه.

رغم متانة الصداقة التي كانت تجمعهما، فهما لا يتشابهان في شيء؛ سيوران، كان شديد التشاؤم، ذا نظرة سوداوية إلى الحياة، حتّى أن مقولاته صارت شعارات يسوّغ بها المتشائمون رؤيتهم إلى الحياة والأشياء المحيطة بهم، ولعلّ أبرزها: "ليس الموت هو الذي ينغّص عيش الإنسان، ويجعل الحياة لا تُطاق، وإنّما تكمن معضلة البشر في كونهم يولَدون"، وأيضاً "ليتهم يدركون السعادة التي يدينون لي بها، أولائك الأبناء الذين لم أرغب في مجيئهم إلى هذا العالم".

بالنسبة إلى دورميسون، ثمّة جملة من الأسباب التي تقف وراء هذا "التطرّف" الشديد في سوداوية سيوران، من بينها أنه كان يعاني من أرق شديد نغّص حياته، وأثّر بشكل كبير على نفسيته، حتى أنه فكّر ذات يوم في الانتحار.

يشير أيضاً، إلى عوامل أخرى لا تتعلّق بالضرورة بمرضه، منها خصوصاً انخراطه في فترة شبابه، في صفوف التنظيم الروماني القومي المتّهم بالفاشية، وبممارساته شديدة العدوانية ضدّ معارضيه، قبل الحرب العالمية الثانية، إضافةً إلى تموقعه، في الجانب الأدبي، ضمن المدرسة الأدبية الأخلاقية، المتشائمة بطبعها.

بين سيوران ودوميرسون، ثمّة بون شاسع يفصل بين فلسفة التشاؤم وفلسفة التفاؤل، النفور من الحياة واحتضانها. ومن المفارقات، أن الفيلسوف الأوّل رحل عن 84 عاماً، بعد مرض عضال ألزمه الفراش طويلاً، بينما لا يزال الثاني يفرض حضوره في المشهد الأدبي والإعلامي في بلاده، مع ميل إلى المزاح في أسلوب كتابته، أو حديثه الساخر أثناء استضافاته الكثيرة في البرامج الإذاعية والتلفزيونية في فرنسا، يفتخر أنه بصحّة جيّدة، وينام تسع ساعات في اليوم.


اقرأ أيضاً: "جهاديو" فرنسا: خطابات محقونة بالتسترون

المساهمون