جامعة الخرطوم مهددة بالنقل

10 ابريل 2016
تشكل الجامعة منطلقاً للحراك السياسي تجاه الحكومة (فرانس برس)
+ الخط -
يتخوف طلاب جامعة الخرطوم، من نقلهم إلى حرم آخر على أطراف العاصمة. وبالرغم من أنّ إدارة الجامعة نفت ذلك، يؤكد مراقبون أنّ الحديث عن ذلك يشير إلى أنّ خطوة النقل قريبة

يحبس السودانيون أنفاسهم، لا سيّما الطلاب، وهم يتابعون محاولات الحكومة نقل كليات جامعة الخرطوم من قلب العاصمة إلى منطقة أخرى تقع عند أطراف العاصمة السودانية. هي خطوة يخشى مراقبون أن تكون بداية لتجفيف الجامعة من الطلاب وبيع أراضيها، خصوصاً أنّ لها تاريخاً طويلاً في تكوين الأجيال الجديدة من السياسيين، وكذلك مناهضة السياسات الحكومية. كما استمرت الجامعة طويلاً في تشكيل شرارة للثورات الشعبية خلال حقب سابقة، وأسهمت في إسقاط حكومات وإنشاء أخرى.

جامعة الخرطوم من أوائل الجامعات السودانية، يمتد عمرها إلى نحو 114 عاماً. أنشأها البريطانيون خلال استعمارهم السودان عام 1902.

اليوم، تمثل الجامعة حلماً لكلّ طالب سوداني، فهي تتصدر الجامعات الأخرى في البلاد في مستواها الأكاديمي. وعادة ما ينتسب إليها أصحاب الدرجات العليا في امتحانات الشهادة العامة السودانية، بالرغم من أنّها لم تعد تحتفظ بكثير من رونقها الأصلي وسمعتها القديمة.

لكنّ كلّ هذا مهدد اليوم من خلال الخطط المقررة. فقد نقلت وكالة السودان للأنباء "سونا" عن مدير جامعة الخرطوم أحمد محمد سليمان تأكيدات على نقل كليات الجامعة إلى منطقة سوبا الواقعة على الأطراف الجنوبية للخرطوم. كذلك، أوردت الوكالة تصريحاً لنائب الرئيس السوداني حسبو محمد عبد الرحمن أعلن فيه عن تخصيص مبلغ عشرة مليارات جنيه (مليار و640 مليون دولار أميركي) لتطوير الجامعة.

تلك التصريحات قوبلت بردود فعل رافضة. اعتبر البعض خطط النقل مقدمة لبيع الجامعة، خصوصاً مع أنباء أخيرة عن إقدام الحكومة على إفراغ مستشفى الخرطوم التعليمي في وسط العاصمة التي تعد من المباني التاريخية وبيع أراضيها إلى مستثمرين، من دون أن تنفي الحكومة هذه الأنباء أو تؤكدها.

بدورها، أصدرت إدارة جامعة الخرطوم بياناً نفت فيه نقل جميع كليات الجامعة التي يبلغ عددها 19 كلية، من موقعها الحالي. ولو أنّها أكدت نقل الكليات الطبية لتكون قريبة من المستشفى التعليمي لأغراض التدريب.

يعتقد مراقبون أنّ الخبر بالرغم من نفي الجامعة يعتبر بالون اختبار لقياس الرأي العام تجاه الخطوة، خصوصاً أنّ الحكومة درجت على ذلك سابقاً، من خلال تسريبها أخبار قرارات تنوي اتخاذها بطرق مختلفة لقياس ردود الفعل قبل البدء بتنفيذها.

يعتبر المراقبون أنّ جامعة الخرطوم لطالما شكلت مصدر إزعاج للحكومة، إذ عُرف عن طلابها الاحتجاجات والتظاهرات من وقت إلى آخر ضد سياسات الحكومة. وبذلك، فإنّ نقل الطلاب من العاصمة يخفف الضغوطات والاحتجاجات الطلابية عن الحكومة.


بحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" فإنّ هناك اتجاهاً حقيقياً لاستثمار الجامعة، بالنظر إلى موقعها المقابل لنهر النيل. لكن بشرط عودة الريع إلى إدارة الجامعة، مع مواجهتها مشاكل كبيرة بسبب فشل وزارة المالية في تأمين كافة متطلباتها.

يعتبر المحلل سيد أحمد محمد أنّ الحكومة قصدت من وراء إثارة الخبر بهذه الطريقة المبهمة، فتح باب الجدل والوقوف على ردود الفعل تجاه القرار المرتقب: "فإذا كانت عنيفة تراجعوا عن القرار، وإذا لم تكن كذلك، سيستمرون فيه". يوضح: "جامعة الخرطوم تبقى بالتأكيد هدفاً للحكومة، فهي أداة رئيسية في معارضة سياساتها منذ زمن بعيد".

من جهتهم، أطلق طلاب الجامعة حملة باسم "الجميلة والمستحيلة" في محاولة لقطع تحركات نقلها أو بيعها. ونفذ الطلاب الخميس الماضي وقفة احتجاجية، ارتدوا خلالها قمصاناً تحمل عنوان الحملة، كما رددوا هتافات مناهضة للخطوة وللحكومة معاً.

كذلك، أصدر خريجو جامعة الخرطوم بياناً اعترضوا فيه على عملية نقل أو بيع مباني الجامعة. وأكدوا على أنّ محرك الخطوة الأساسي هو أنّ "الجامعة بقيت خنجراً مسموماً في صدر السلطة طوال تاريخها". كما شددوا على عزم الخريجين الوقوف بقوة ضد سياسة الحزب الحاكم في تصفية الجامعة.

بدوره، يقول رئيس مجلس إدارة جامعة الخرطوم الأمين دفع الله لـ"العربي الجديد " إنّ ما جرى تداوله من معلومات بشأن بيع أراضي الجامعة غير صحيح: "لا إدارة الجامعة ولا الحكومة تفكران في هذه الخطوة". كما يؤكد أنّ الجامعة تمثل إرثاً تاريخياً ومنارة للعلم على المستوى الإقليمي والعالمي، فضلاً عن إضافتها العمرانية الجمالية في العاصمة. مع ذلك، يؤكد على نقل كليات الطب إلى أراضي الجامعة في سوبا في إطار التوسعة، كي يكونوا قريبين من المستشفى التعليمي هناك، على أن تجري عملية النقل بشكل تدريجي.

من جهته، يعتبر الأستاذ في جامعة الخرطوم، محمد المهدي بشرى أنّ الجامعة تمثل أحد ثوابت تاريخ البلاد، الذي يعتز به كلّ السودانيين. يؤكد أنّ النفي الذي أصدرته إدارة الجامعة غير كافٍ، ويبدي استغرابه من التوقيت الذي أعلن فيه عن عملية النقل، مشدداً على أهمية الحفاظ على الجامعة وصيانتها. يخلص: "الجامعة تمثل أحد رموز السيادة الوطنية بكل ما هو مرتبط بها من تاريخ وطني وثقافي وسياسي".
المساهمون