بين تزايد عدد الطلبة وقلة المؤطرين (أساتذة الجامعات)، وبين عدم فاعلية البحث العلمي، وعدم مساهمته في تفعيل العملية التنموية يبقى الطالب العربي تائها ضمن منظومة تعليمية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها نمطية ولا تخرج سوى العاطلين، حقيقة أكدها التحذير الذي أطلقه البنك الدولي حول تواضع مستوى التعليم في العالم العربي كما ونوعا، مشيرا إلى الخلل الكائن بين علاقة التعليم بمتطلبات السوق.
السكن في المغرب
مع التدفق الهائل لأعداد الطلبة الوافدين على الجامعات في المغرب والذي تعدى الـ 620 ألف طالب وطالبة حسب تقرير لوزارة التعليم العالي لسنة 2010، تعاني معظم الجامعات المغربية من تراجع كبير في عدد المؤطرين، والذي بلغت نسبة النقص فيه 1200 أستاذ جامعي، ما ينعكس سلبا على حق الطلاب في تعليم جيد.
مشاكل اجتماعية عديدة يعاني منها الطلاب كمشكل السكن الجامعي حيث توقفت الدولة عن بناء أحياء جامعية، وتم فتح المجال للمضاربات العقارية لبناء إقامات خاصة بالسكن الجامعي، ما يجعل الأمر شبه مستحيل، خاصة مع تفاقم مشكل المنحة الجامعية التي أضحت بعيدة عن تغطية حاجيات الطلاب في ظل الارتفاع المستمر للأسعار، فضلاً عن حرمان نسب مهمة من الطلاب من حقهم في الاستفادة منها، مما يجعلهم يرزحون تحت نير المعاناة (61% من الطلبة لا يستفيدون من المنحة بما يعادل ثلثي الطلبة الجامعيين الذين ارتفع عددهم خلال موسم 2013 و2014 إلى 623.375 طالباً ، 22% يستفيدون فقط من نصفها، و17 % يستفيدون من المنحة كاملة).
كذلك تشهد الخدمات الصحية المقدمة للطلبة تدهورا ونقصا كبيرين إن لم تكن منعدمة في معظم الأحيان إضافة إلى انعدام التغطية الصحية للطلبة رغم التزام الدولة بها في اتفاق 26 إبريل/نيسان 2011 الذي وقعته مع النقابات، وكذلك عدم مراعاة معايير السلامة الصحية في تدبير المطاعم الجامعية، ما يؤدي إلى وقوع حالات تسمم متكررة بها.
على المستوى البيداغوجي، وتحت ذريعة الجهوية واستقلالية الجامعة، يتدخل رجال الأعمال في مجالس الجامعات وفق القانون المنظم للتعليم العالي لتوجيه محتوى التخصصات ومناهج التدريس وفق مصالح وحاجات المقاولين، وهكذا يتم القضاء على الطابع العلمي والمعرفي للتعليم مقابل ربطه بمتقلبات السوق.
كما أن مشكلة التعريب في التعليم الجامعي لازالت تطرح نفسها بإلحاح كبير، فرغم استقلال الدول العربية عن الاستعمار، ورغم إنشاء المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومؤسساتها، ورغم نداءات المؤتمرات والندوات فإن هذا لم يحد كثيراً من مشاكل التعريب، فالمراجع العلمية باللغة العربية نادرة وقليلة، مقارنة بالكتب المترجمة والكتب المؤلفة باللغة الأجنبية.
الجزائر والدراسات العليا
يقول أحد أعضاء الاتحاد العام الطلابي الجزائري الحر لـ"لعربي الجديد" إن: "هناك عراقيل عديدة بيداغوجية واجتماعية تواجه الطلبة الجامعيين، على رأسها الحرمان من اجتياز مسابقة الدكتوراه، وعدم فتح القدر الكافي من مناصب الماجستير، وغلقه في أغلب المؤسسات الجامعية". فقد شهدت العديد من الجامعات بالجزائر، عدة إضرابات واحتجاجات بسبب مشكلة شهادة الماجستير وتقليص التخصصات فيها، وإلغاء المسابقة في عدد من الأقسام والمعاهد حيث رفضت الإدارة فتح "الماستر" في وجه طلبة النظام الجديد (آل آم دي) الذي تبنته الجامعة الجزائرية في السنوات العشر الأخيرة والذي لم تحدد له آليات ومعايير حقيقية يرتكز عليها في تطبيقه، خصوصا ما يتعلق بالقواعد التنظيمية، التي من شأنها ضبط الانتقال من درجة إلى أخرى، حيث اكتفت الجامعة بوضع شروط عامة تحدد مسار الانتقال من سنة إلى أخرى في الليسانس دون الماستر، ويعكس واقع الجامعات حاليا غياب معايير حقيقية يرتكز عليها هذا النظام، حيث تلجأ أغلب الجامعات إلى تكييف هذه الشروط وفقا لما يتناسب مع منطقها، ما أدى إلى إقصاء العديد من الطلبة من الالتحاق بالماستر.
تونس والإصلاح
وفي تونس يصرح "زياد" أحد أعضاء منظمة الاتحاد العام التونسي للطلبة، بأن المنظمة قد توجهت برسالة خلال هذا العام الدراسي إلى وزير التعليم العالي تضمنت أهم إشكاليات التعليم الجامعي، طالبت فيها بتحسين البنية التحتية وتحقيق التوازن بين الجامعات على مستوى جودة الإطار التدريسي وجودة التكوين والإمكانات المادية والتجهيزات، وإدماج الحياة الطلابية في محور الإصلاح، وذلك بمراجعة كل القوانين والنظم الداخلية المنظمة للخدمات الجامعية والحياة الطلابية، حيث طالب الاتحاد بتمثيل الهياكل الطلابية في كل الهيئات الوطنية والقطاعية، وإشراك الطلبة في إدارة المؤسسة الجامعية عبر إحداث مجلس الطلبة في كل مؤسسة جامعية. أيضاً طالبت الرسالة بمضاعفة المنحة الجامعية في كل المستويات وعلى مدى سنتين، إضافة إلى تغيير معايير الحصول على المنحة الجامعية.
ولتجاوز أزمة ظاهرة العنف داخل الحرم الجامعي اقترحت المنظمة إحداث جسم إداري مدني لحماية الطلبة والمؤسسة الجامعية مع توفير تجهيزات خاصة بالمراقبة.
يبدو أن وضعية التعليم العالي في المغرب العربي تزداد تعقيدا من موسم دراسي لآخر، نظرا للمشاكل المشتركة التي تتقاسمها الجامعات، حيث أصبح لزاما على الوزارات المختصة الالتفات إلى هذا القطاع الحيوي الذي ترتكز عليه كل أسس النمو.