جالية مصرية "راكور"

10 نوفمبر 2015
+ الخط -
استعرض تقرير نشر في "العربي الجديد"، في 11 سبتمبر/أيلول الماضي، ظاهرة "المواطن الراكور"، وهي ظهور متكرر للشخص نفسه في عدة تقارير ميدانية للتلفزيون الرسمي المصري، باعتباره يمثل "رأي الشارع المصري" تجاه حدث معين. والمقصود بمفردة "راكور" التقيد بحالة معينة، والحفاظ عليها من زمن إلى آخر، مثل ملابس الممثلين والديكور التي يجب أن تظل ثابتة، حتى لا يصبح هناك خطأ في التصوير.
كان ذلك في إطار تغطية مساخر الإعلام المصري ومهازله التي توفر مادة خصبة للكتابة في كل الأوقات. والآن، مع ذهاب عبد الفتاح السيسي إلى لندن، يمكننا، بكل أريحية، أن نطلق لقب "الجالية الراكور" على مجموعات المواطنين الشرفاء الذين يستقبلون السيسي في زياراته الخارجية، ويقومون بعمل الزفة الإعلامية المبتذلة المعتادة، فهم الأشخاص أنفسهم تقريباً في كل البلدان.
وجدنا مثلاً قناة "صدى البلد" تنقل مشاهد تحت عنوان "احتفالات الجالية المصرية بأول زيارة رسمية للسيسي إلى لندن"، لكن هذه الجالية المزعومة، كانت أحمد موسى الذي يعمل مذيعاً في القناة، ومحمد أبو العينين رجل الأعمال ومالك القناة نفسها، وأحد المتهمين الرئيسيين في مذبحة موقعة الجمل في أثناء ثورة يناير، لكنه حصل على البراءة من قضاء مصر الشامخ.
تحول أحمد موسى نفسه إلى أهم أركان الجاليات المصرية "الراكور"، فهو موجود، دائماً وأبداً، خارج مقر الفندق الذي يقيم فيه السيسي، للحديث عن الزيارة التاريخية ونتائجها الهائلة التي ستعود على مصر، مع لقاءات من زملائه أعضاء الجالية المصرية الآخرين الذين حضروا لأداء المطلوب.
ويسافر السيسي، دائماً، بوفد إعلامي ضخم، يضم، أحياناً، أكثر من 60 شخصاً، من مذيعين ومراسلين وصحافيين ومنتجين وفنيين، يتم شحنهم جميعاً برفقة السيسي أو في طائرة خاصة، يدفع تكاليفها رجل الأعمال محمد الأمين، مالك قنوات سي بي سي، والذي يظهر، أيضاً، في هذه الزيارات حاملاً الأعلام المصرية للهتاف للسيسي، باعتباره من أبناء الجالية المصرية المخلصين، كما أن ضخامة الوفد الإعلامي وحده قد تكفل صناعة صورة ناجحة للجالية المصرية بدون أي دعم إضافي.
ولعل زيارة السيسي السابقة إلى ألمانيا، كانت فاضحة في الكشف عن ظاهرة الجالية الراكور، بعد أن اصطحب السيسي معه مشاهير الفنانين لأداء دور الكومبارس المصريين، والتهليل له في تحركاته في أثناء الزيارة، وسرّبت وثيقة من السفارة المصرية تحتوي على تعليمات بالهتافات المطلوب ترديدها وبالفاصل الزمنى بين كل نداء وآخر، وطريقة أدائها ونبرة الصوت في تمجيد الزعيم المفدى. أما زيارة السيسي إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد بلغ "الراكور" فيها أقصى مساخره، بعد الكشف عن استئجار السفارة المصرية في الولايات المتحدة فنانات استعراضيات أميركيات لتمثيل دور الجالية.
تمتد ظاهرة الراكور، أيضاً، إلى "العلقة" الساخنة التي ينالها أعضاء "الجالية المصرية" القادمون مع السيسي، ففي كل مرة يجد هؤلاء في انتظارهم "جالية مصرية" حقيقية، تؤدي الواجب معهم من ملاحقات واعتداءات ورشق بالبيض والأحذية والضرب على القفا. وفي كل مرة، يعودون إلى مصر باكين من "حفاوة" الاستقبال، ومنادين بسحب الجنسية المصرية من أعضاء الجالية المصرية الذين تجرأوا عليهم، ومتهمين الشرطة في هذا البلد أو ذاك بالتواطؤ مع "الإخوان المسلمين"، ومفسرين هجوم الإعلام المحلي في البلد المضيف على السيسي أنه إعلام إخواني.
جعلت هذه الحفاوة أحد الأذرع الإعلامية يصاب بالذعر والرعب، ويؤكد، قبل زيارة السيسي، أنه لن يذهب معه إلى لندن، محذرا زملاءه الأذرع من الذهاب إلى هناك، حتى يتفادوا "العلقة" التي تنتظرهم هناك. ولم ينس طبعاً أن يرجع ذلك كله إلى المؤامرة الكونية التي يتفنن في تلقينها للمصريين، صباح مساء، مبرراً عدم سفره بأن لندن أكبر معقل للإخوان. وهو خطاب تصاعد بشدة بعد قرار بريطانيا وقف الرحلات الجوية مع مصر وإجلاء رعاياها من هناك، فتحول الإعلاميون من الإشادة ببريطانيا، لأنها دعت السيسي لزيارتها إلى الهجوم عليها، والحديث عن "الفخ" الذي وقع فيه السيسي، لأنه وافق على زيارة بريطانيا "الإخوانية"، والتقى رئيس وزرائها الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين! وفقاً لما قاله ممثل مصري.

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.