جاك بيري.. مصالحة هشّة مع السعادة

30 ابريل 2016
جاك بيري (1921 - 2016)، تصوير: سفيد أندرسون
+ الخط -

لن يكون على قرّاء الكاتب الفرنسي جاك بيري (1921 - 2016) انتظار الصيف المقبل من أجل قراءة آخر أعماله الروائية، التي كان قد أنهى كتابتها الخريف الماضي؛ فقد أعلنت دار "المركب السكران" الفرنسية أنها ستنشر الرواية نهايةَ أيار/ مايو المقبل.

ليس الخبرُ سعيداً تماماً، فقد توفي بيري ليل السبت الماضي في ضاحية "سان إي مارن" الباريسية عن سن تناهز 94 عاما حسب بيان نشرته دار النشر الفرنسية "المركب السكران" التي تملك حقوق نشر مؤلفاته، وذلك بعد مضي أربعة أيام على رحيله.

ولد بيري في 15 يونيو 1921 في ضاحية "سين إي مارن" قرب باريس. بعد دراسته الحقوق والتجارة مال بيري نحو الأدب والرواية تحديداً بعد تشبعه بقراءة مارسيل بروست وأعلام الأدب الروسي من دوستويوفسكي إلى تشيخوف.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية اشتغل في الصحافة المكتوبة ثم نشر روايته الأولى "الليلة الثانية" عام 1946. تلتها "الصيد الرديء" عام 1947 ثم "الوصية" عام 1948.

برز نجم بيري في الساحة الأدبية الفرنسية بعد إصداره رواية "لا أحب شيئاً" التي فازت بجائزة "رونودو" عام 1952. وهي رواية سوداوية المزاج تتناولُ الإحساس بالقرف من الحياة الذي يفضي عادة إلى الانتحار.

وفي أوج الشهرة التي صار يتمتع بها في الوسط الثقافي الباريسي قرر بيري مغادرة العاصمة وصخبها الأدبي، واستقر في الريف في مزرعة معزولة بمنطقة "بيرجوراك" في جنوب غرب فرنسا، حيث تفرغ بشكل كلي للكتابة ونشر روايات أخرى ذات نفس كئيب ومتشائم منها "الخروف الأسود" عام 1954.

في منتصف الستينيات عاد إلى باريس طاوياً صفحة الكآبة. وأصدر رواية "حياة رجل وثني" واستلهم فيها سيرة وحياة الرسام الإيطالي فلامينك، متناولاً بشكل خاص سيرورة الخلق الابداعي. وتحولت الرواية لاحقاً إلى ثلاثية وتطلبت منه كتابتها عشر سنوات من الاعتكاف.

وصدر الجزء الثاني بعنوان "الجمال يركع على ركبتيه" ثم ختم الثلاثية برواية "الجلد الصلب" التي استلهم فيها حياة الرسام الفرنسي شارل ديبيران وعكست حبه الدفين لفن الرسم منذ الطفولة. ونال عن هذه الثلاثية جائزة المكتبات الفرنسية وسجلت عودته إلى مواضيع أكثر مرحاً فيما يشبه نوعا من المصالحة مع فكرة السعادة.

عندما سأله مرة أحد أصدقائه الرسامين "من تكون أنتَ؟" شبه بيري نفسه بقوقعة بحرية، وقال "أنا كقوقعة أتغذى باللامرئي وقليل من الشمس صباحاً. وأقضي بقية اليوم في مكتبي في الظل".

ورغم أن بيري كان يتمتع بحظوة لافتة في الأوساط الأدبية الفرنسية في الستينيات والسبعينيات، فإنه كان دوماً يصرّ على النأي بنفسه عن الرهانات والمساجلات الأدبية التي كانت تميّز فرنسا تلك الفترة مع صعود وأفول التيار الوجودي وظهور حركة "الرواية الجديدة".

استمر بيري في الكتابة بشكل منتظم وبمعدل رواية كل عامين تقريباً حتى وفاته السبت الماضي مخلفاً وراءه منجزاً ضخماً من 32 رواية وثلاث مسرحيات.

دلالات
المساهمون