بعد أسابيع من رحيلها في شباط/ فبراير الماضي، أعلنت إحدى المؤسّسات الرسمية عن إطلاق جائزة للرواية تحمل اسم الكاتبة الجزائرية آسيا جبار (1936 - 2015).
حينها، استقبل المشهد الثقافي الجزائري الخبر بشيء من التفاؤل، عزّزه غياب جوائز أدبية في البلاد، منذ توقّف "جائزة مالك حدّاد للرواية المكتوبة بالعربية" التي كانت تُشرف عليها أحلام مستغانمي و"جائزة أبوليوس" التي كانت تمنحها "المكتبة الوطنية الجزائرية"، في فترة مديرها السابق أمين الزاوي، إلى ثلاث روايات محلية مكتوبة بالعربية والأمازيغية والفرنسية و"جائزة الهاشمي سعيداني" التي توقّفت بعد رحيل مؤسّسها الطاهر وطّار.
الحقيقة أن الجوائز الأدبية لم تكن غائبةً تماماً، إذا ما أخذنا بالحسبان "جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب"، التي تُمنح، سنوياً، في مجالات إبداعية عديدة من بينها الشعر والرواية. لكن الجائزة ظلّت محلّ انتقاداتٍ كثيرة؛ من بينها أنها تُوزّع "بالجملة" ولا تحدّد شروطاً معيّنة للمشاركة أو الفوز بها، فضلاً عن تواضع قيمتها المادية وعدم متابعة الأعمال الفائزة بالنشر أو الترجمة أو التسويق. منذ إنشائها في 2007، ظلّت الجائزة مجرّد "شيك" يُوزّع في احتفال رسمي، ثم ينتهي الأمر.
هكذا، جاءت "جائزة آسيا جبّار" ومعها تفاؤل بميلاد جائزة أدبية كبيرة تغطّي ذلك الفراغ. حينها، قال المشرف على الجائزة، محمد بلحي، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن الهدف منها هو دعم صناعة الكتاب والنشر في الجزائر وتحفيز الناشرين على الاهتمام بالكتاب الأدبي، وأيضاً تشجيع الروائيّين الجزائريين على الكتابة دون "حسابات مسبقة"، مُعتبراً أن كثيراً منهم باتوا يكتبون على المقاس، من أجل الظفر بجوائز في باريس أو في عواصم غربية أو عربية أخرى.
سرعان ما انضمّت إلى "المؤسّسة الوطنية للنشر والإشهار" دار نشر حكومية أخرى هي "المؤسّسة الوطنية للفنون المطبعية". أُعلن عن رفع القيمة المالية للجائزة التي اختير "معرض الجزائر الدولي للكتاب" موعداً للإعلان عن الفائزين في فروعها الثلاثة: العربية والأمازيغية والفرنسية.
يوم أمس، أُعلنت نتائج الدورة الأولى وجرى تسليم الجائزة للفائزين الثلاثة، وهم: عبد الوهاب عيساوي عن روايته "سييرا دي مورتي" بالعربية ورشيد بوخروب عن "تيسيلينت أوغانين" بالأمازيغية وأمين أيت هادي عن "بعيداً عن الفجر" بالفرنسية.
رغم الترحيب بأسماء الفائزين في أوساط الكتّاب والصحافيين، خصوصاً رواية عيساوي التي لاقت اهتماماً نقدياً وإعلامياً منذ صدروها العام الماضي (تتناول زجّ حكومة فيشي الجمهوريين الإسبان في معتقلات بالجزائر في الأربعينيات)، إلاّ أن المناسبة لم تمرّ دون انتقادات.
بعضهم انتقد تحويل اسم الكاتبة الراحلة إلى "سجل تجاري" أو "أداة سياسية". على "فيسبوك"، تساءل الكاتب والباحث في السياسات الثقافية عمّار كسّاب: "كيف قبلت عائلة الكاتبة الكبيرة آسيا جبار أن تُستغل ذاكرتها في جائزة تحمل اسمها، يستعملها النظام كأداة سياسية. النظام نفسه الذي كان يمقتها بالأمس؟".
وكتب الروائي والناشر بشير مفتي: "أعتقد أن الجائزة وُلدت ميتة. فهي، من البداية، رغبت أن تخسر رهان المصداقية، وهذا مشكل كل الجوائز التي تأسّست تحت رعاية رسمية". ينتقد مفتي، هنا، استبعاد روايات صدرت أثناء معرض الكتاب العام الماضي، معتبراً أن "كلّ الجوائز في العالم تنظر إلى سنة النشر، لا إلى نشر الرواية أثناء أو بعد معرض للكتاب".
انتقد مفتي أيضاً منح جائزة للكتّاب باللغة الفرنسية قائلاً: "منح جائزة للرواية المكتوبة بالفرنسية أمرٌ غريب فعلاً، دون تنقيص لما يُكتب بهذه اللغة. الفرنسية ليست لغة البلد على ما أظن، وإن كانت غير ذلك، فرسّموها ولا أحد سيناقشكم في الأمر".
خلال حفل توزيع الجائزة، حضر عددٌ كبير من وزراء الحكومة. بعضهم علّق ساخراً بأن ذلك يعكس اهتمام الحكومة بالثقافة، بينما رأى آخرون أن السلطة أصبحت تحب الكاتبة بعد رحيلها. وأياًّ كان، يعوّل كثيرون على لجنة التحكيم التي تضمّ كتّاباً وأكاديميين يُشهد لهم بالكفاءة والموضوعية في تتمتّع الجائزة شيء من الاستقلالية، وحتّى وإن كانت رسمية. لعلّ ذلك هو أهمّ سؤال تواجهه، إلى جانب قدرتها على الاستمرار.
اقرأ أيضاً: الجزائر: ليست الجوائز وحدها ما يتوارى