04 أكتوبر 2024
ثورة يناير باقية
أحاول، منذ خروجي من السجن، قبل ثلاثة أسابيع، أن أبتعد عن أي وسائل إعلام، أو أي أدوات تكنولوجية، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك، وهذا مهم، إذ أرغب في أن أعرف أكثر، وأتعلم أكثر عن العالم الجديد خارج السجن.
صحيح أني مكثت 37 شهراً فقط في السجن، ولم يكن الحكم خمس سنوات أو عشراً، كما حدث مع بعض الزملاء والرفاق ممن تم القبض عليهم في السنوات السابقة، بعد حبسي بارتكاب جريمة مخالفة قانون التظاهر، لكن الحبس الانفرادي والعزلة أكثر من ثلاث سنوات تحتاج إلى وقت حتى أعرف أكثر عن القواعد الجديدة للعالم خارج السجن، أو هكذا أعتقد.
عشت أكثر من ثلاث سنوات بدون وسائل اتصال وبدون تكنولوجيا ولم أمت، فما الضرر من التعامل بمنطق حد أدنى من الاتصال والتكنولوجيا يساوي توترا أقل، وتوفيرا أكثر للوقت، وحفاظا أكثر على الأعصاب.
أصبح الوقت أغلى من الماس، فالحكومة تأخذ من عمري اثنتي عشرة ساعة كل يوم، تحت المراقبة القضائية في قسم الشرطة، أما الساعات الاثنتا عشرة الأخرى فيضيع معظمها في الزحام المروري، وأما السويعات المتبقية في اليوم خارج المواصلات فتتوزع بين محاولات البحث عن عمل جديد، أو أداء التزامات عائلية، أو محاولة حل مشكلات وأمور تأخر حلها ثلاث سنوات.
حاولت كثيرا مقاومة الدخول على الإنترنت طوال الـعشرين يوما السابقة، ولكن يوم ذكرى ثورة 25 يناير يحتاج إلى نظرة سريعة على "تويتر"، فقط نظرة سريعة، لن أستهلك وقتاً كثيراً، ولن أسمح لـ "تويتر" أن يجرفني، ويستهلك أكثر من خمس دقائق.
لم يتغير كثيرا "تويتر"، الناس نفسها والتعليقات نفسها تقريباً، لم يتغير شيء منذ ثلاث سنوات، وإن كنت لاحظت سريعاً أن عدة أصوات كانت تبرر منذ ثلاث سنوات الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وتدافع عن الظلم والقهر والقتل والانتقام الجماعي، لكنهم اليوم ينتقدون على استحياء. جميل، لا مانع من العودة، ولو حتى على استحياء، لكن الجميع يحتاج لمراجعات، نحتاج جميعا لتشجيع المراجعات، وترشيد اللطميات، وتقليل المكايدات والملاسنات.
هاشتاج #لساها_ثورة_يناير فيه بعض الذكريات الجميلة والكلام والحماس وسط طوفان من اللطميات والبكائيات، أمر محزن ومحبط. ولكن، ماذا كان في وسعهم أن يفعلوا؟
صحيح أن الثورة تم إفشالها وتشويهها وشيطنتها. لكن، لا يزال هناك قطاع واسع مؤمن بها وبنبل أهدافها، على الرغم من كل الضربات والتشويه والشيطنة، وعلى الرغم من الإحباط المتزايد، وعلى الرغم من انتقال بعضهم إلى معسكر السلطة والمكاسب والمناصب، بعد التخلي عن الثورة، وبعد المشاركة في ذبحها. ولكن، لا يزال هناك قابضون على الجمر، #لساها_ثورة_يناير.
تتحدث الحسابات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين عن حراك ثوري. لا أعلم أين هو، لا نزال في حاجه لضبط المصطلحات وإعادة تعريفها، حراك وثوري لوصف مسيراتٍ محدودة يُفقد العبارة معناها، لا حول ولا قوة إلا بالله.
للأسف، لم يتغير شيء، ومن لا يزال غير معترف بالواقع الجديد "المؤلم"، لن يستطيع تجاوزه، ولن يستطيع تحديث خطط التعامل مع الأزمات.
وأخيرا قررت كتابة شيء ما. لكن، لا أعرف ما هو، ولا أريد أن أكذب. هل أكتب أن الثورة مستمرة، وسوف تنتصر وتعود، وسوف تشرق شمس الحرية؟ كلام مبالغ فيه بصراحة. نعم أنا مؤمن بثورة يناير، وأن هناك يوما ما ستنتصر وتتحقق أهدافها، ولكن هذا اليوم بعيد، ولا أريد المبالغة والتهليل، كما لا تنس شروط المراقبة، ذلك القيد الجديد المكبّل أكثر من السجن.
هل أكتب تحليلا ما، أم دعوة إلى التفاؤل، أم دعوة للتفكير؟ لا أعتقد أن وقتي المحدود سيساعد، بالإضافة إلى نجاح "تويتر" في أن يحول الخمس دقائق إلى أكثر من ساعة. ولم أقرّر شيئا حتى الآن، هل أكتب كل عام وأنتم بخير؟ بخير؟ أين؟ كل سنة وأنتم طيبون. ولكن، ما المقصود بطيبين؟ بعد وقت طويل أمام شاشة الهاتف، استطعت بالكاد كتابة "كل عام.... وبس، فقط لم أستطع الزيادة عن ذلك، كل عام وفقط، طيبون أم في حال سيئ، محبوسون أم أحرار، متفائلون أم محبطون، بخير أم ماذا؟
تذكّرت يوم 25 يناير داخل السجن، وكيف يكون يوما كئيبا، وكيف يكون يوم طوارئ وتوتر داخل السجون. لا يتم فتح الزنازين في مثل هذا اليوم، الخبز والطعام "الميري" يتأخران كثيراً، وإذا حاولت النداء أو الصراخ أو الاعتراض، فلن تسمع أي إجابة، إنه يوم الرعب، لا فتح للزنازين، لا شمس، لا أكل، لا حديث.
تذكّرت أيضاً أيام الرعب قبل 25 يناير، وقبل 6 إبريل، أو قبل أي دعوة للتظاهر، أو أي احتمالية للتظاهر، حيث التضييق والتفتيش المفاجئ للزنازين طوال الشهر السابق لليوم الموعود بجانب الغلاسة في الزيارات.
عدت إلى "تويتر". هناك ما أستطيع كتابته الآن، "النهارده إجازة، مش مهم سبب الإجازة. لكن مهم أكثر أننا نتذكّر أن في ناس في السجون، يتم تكديرهم أيام الإجازات، وفي شباب يتم تكديرهم أكثر بسبب علاقتهم بيوم 25 يناير".
كتب الدكتور محمد البرادعي عدة تويتات صباح اليوم. أعتقد أن من المهم أن نفكر ونتدبر ونراجع أنفسنا ونعترف بأخطائنا، فقد بدأت الخلافات الداخلية والمؤامرات بين قوى الثورة
بعضها وبعض أثناء الـ18 يوما وليس بعد تنحي مبارك، نحن الذين سهّلنا مهمة الفلول والعسكر للعودة مرة أخرى للسلطة.
هناك من كان حريصا على المكسب السريع، وبادر بالتحالف مع المجلس العسكري ضد قوى الثورة. وهناك من بادر بالتواصل والاتفاق السري مع عمر سليمان. وهناك من بذل كل مجهوده لإفشال مقترح مجلس رئاسي أو قيادة تعبر عن الثورة وتشمل الجميع. وهناك من عقد صفقةً مع العسكر، وساند مطلب الانتخابات قبل الدستور، من أجل تدعيم شرعية المجلس العسكري في مقابل الاستحواذ على البرلمان. وهناك أيضا قوى مراهقة استسهلت المليونيات بسبب وبدون سبب، بدلاً من بناء قواعد شعبية وإقناع الجماهير بالمنهج والمطالب والأفكار. وهناك من برّر للعنف الثوري بدون داعٍ. وهناك من استخدم التكفير لإرهاب الآخرين. وهناك من استخدام التخوين للجميع، ولكل من يختلف معه من أجل إرهاب الآخرين. وهناك أخطاء مدمرة استغلها النظام القديم أفضل استغلال، ولا بديل عن أن يقوم كل من شارك في "25 يناير" بالمراجعة والتحليل والنية لعدم تكرار الأخطاء الكارثية، حتى لا تتكرر الأخطاء... في المستقبل البعيد.
صحيح أني مكثت 37 شهراً فقط في السجن، ولم يكن الحكم خمس سنوات أو عشراً، كما حدث مع بعض الزملاء والرفاق ممن تم القبض عليهم في السنوات السابقة، بعد حبسي بارتكاب جريمة مخالفة قانون التظاهر، لكن الحبس الانفرادي والعزلة أكثر من ثلاث سنوات تحتاج إلى وقت حتى أعرف أكثر عن القواعد الجديدة للعالم خارج السجن، أو هكذا أعتقد.
عشت أكثر من ثلاث سنوات بدون وسائل اتصال وبدون تكنولوجيا ولم أمت، فما الضرر من التعامل بمنطق حد أدنى من الاتصال والتكنولوجيا يساوي توترا أقل، وتوفيرا أكثر للوقت، وحفاظا أكثر على الأعصاب.
أصبح الوقت أغلى من الماس، فالحكومة تأخذ من عمري اثنتي عشرة ساعة كل يوم، تحت المراقبة القضائية في قسم الشرطة، أما الساعات الاثنتا عشرة الأخرى فيضيع معظمها في الزحام المروري، وأما السويعات المتبقية في اليوم خارج المواصلات فتتوزع بين محاولات البحث عن عمل جديد، أو أداء التزامات عائلية، أو محاولة حل مشكلات وأمور تأخر حلها ثلاث سنوات.
حاولت كثيرا مقاومة الدخول على الإنترنت طوال الـعشرين يوما السابقة، ولكن يوم ذكرى ثورة 25 يناير يحتاج إلى نظرة سريعة على "تويتر"، فقط نظرة سريعة، لن أستهلك وقتاً كثيراً، ولن أسمح لـ "تويتر" أن يجرفني، ويستهلك أكثر من خمس دقائق.
لم يتغير كثيرا "تويتر"، الناس نفسها والتعليقات نفسها تقريباً، لم يتغير شيء منذ ثلاث سنوات، وإن كنت لاحظت سريعاً أن عدة أصوات كانت تبرر منذ ثلاث سنوات الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وتدافع عن الظلم والقهر والقتل والانتقام الجماعي، لكنهم اليوم ينتقدون على استحياء. جميل، لا مانع من العودة، ولو حتى على استحياء، لكن الجميع يحتاج لمراجعات، نحتاج جميعا لتشجيع المراجعات، وترشيد اللطميات، وتقليل المكايدات والملاسنات.
هاشتاج #لساها_ثورة_يناير فيه بعض الذكريات الجميلة والكلام والحماس وسط طوفان من اللطميات والبكائيات، أمر محزن ومحبط. ولكن، ماذا كان في وسعهم أن يفعلوا؟
صحيح أن الثورة تم إفشالها وتشويهها وشيطنتها. لكن، لا يزال هناك قطاع واسع مؤمن بها وبنبل أهدافها، على الرغم من كل الضربات والتشويه والشيطنة، وعلى الرغم من الإحباط المتزايد، وعلى الرغم من انتقال بعضهم إلى معسكر السلطة والمكاسب والمناصب، بعد التخلي عن الثورة، وبعد المشاركة في ذبحها. ولكن، لا يزال هناك قابضون على الجمر، #لساها_ثورة_يناير.
تتحدث الحسابات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين عن حراك ثوري. لا أعلم أين هو، لا نزال في حاجه لضبط المصطلحات وإعادة تعريفها، حراك وثوري لوصف مسيراتٍ محدودة يُفقد العبارة معناها، لا حول ولا قوة إلا بالله.
للأسف، لم يتغير شيء، ومن لا يزال غير معترف بالواقع الجديد "المؤلم"، لن يستطيع تجاوزه، ولن يستطيع تحديث خطط التعامل مع الأزمات.
وأخيرا قررت كتابة شيء ما. لكن، لا أعرف ما هو، ولا أريد أن أكذب. هل أكتب أن الثورة مستمرة، وسوف تنتصر وتعود، وسوف تشرق شمس الحرية؟ كلام مبالغ فيه بصراحة. نعم أنا مؤمن بثورة يناير، وأن هناك يوما ما ستنتصر وتتحقق أهدافها، ولكن هذا اليوم بعيد، ولا أريد المبالغة والتهليل، كما لا تنس شروط المراقبة، ذلك القيد الجديد المكبّل أكثر من السجن.
هل أكتب تحليلا ما، أم دعوة إلى التفاؤل، أم دعوة للتفكير؟ لا أعتقد أن وقتي المحدود سيساعد، بالإضافة إلى نجاح "تويتر" في أن يحول الخمس دقائق إلى أكثر من ساعة. ولم أقرّر شيئا حتى الآن، هل أكتب كل عام وأنتم بخير؟ بخير؟ أين؟ كل سنة وأنتم طيبون. ولكن، ما المقصود بطيبين؟ بعد وقت طويل أمام شاشة الهاتف، استطعت بالكاد كتابة "كل عام.... وبس، فقط لم أستطع الزيادة عن ذلك، كل عام وفقط، طيبون أم في حال سيئ، محبوسون أم أحرار، متفائلون أم محبطون، بخير أم ماذا؟
تذكّرت يوم 25 يناير داخل السجن، وكيف يكون يوما كئيبا، وكيف يكون يوم طوارئ وتوتر داخل السجون. لا يتم فتح الزنازين في مثل هذا اليوم، الخبز والطعام "الميري" يتأخران كثيراً، وإذا حاولت النداء أو الصراخ أو الاعتراض، فلن تسمع أي إجابة، إنه يوم الرعب، لا فتح للزنازين، لا شمس، لا أكل، لا حديث.
تذكّرت أيضاً أيام الرعب قبل 25 يناير، وقبل 6 إبريل، أو قبل أي دعوة للتظاهر، أو أي احتمالية للتظاهر، حيث التضييق والتفتيش المفاجئ للزنازين طوال الشهر السابق لليوم الموعود بجانب الغلاسة في الزيارات.
عدت إلى "تويتر". هناك ما أستطيع كتابته الآن، "النهارده إجازة، مش مهم سبب الإجازة. لكن مهم أكثر أننا نتذكّر أن في ناس في السجون، يتم تكديرهم أيام الإجازات، وفي شباب يتم تكديرهم أكثر بسبب علاقتهم بيوم 25 يناير".
كتب الدكتور محمد البرادعي عدة تويتات صباح اليوم. أعتقد أن من المهم أن نفكر ونتدبر ونراجع أنفسنا ونعترف بأخطائنا، فقد بدأت الخلافات الداخلية والمؤامرات بين قوى الثورة
هناك من كان حريصا على المكسب السريع، وبادر بالتحالف مع المجلس العسكري ضد قوى الثورة. وهناك من بادر بالتواصل والاتفاق السري مع عمر سليمان. وهناك من بذل كل مجهوده لإفشال مقترح مجلس رئاسي أو قيادة تعبر عن الثورة وتشمل الجميع. وهناك من عقد صفقةً مع العسكر، وساند مطلب الانتخابات قبل الدستور، من أجل تدعيم شرعية المجلس العسكري في مقابل الاستحواذ على البرلمان. وهناك أيضا قوى مراهقة استسهلت المليونيات بسبب وبدون سبب، بدلاً من بناء قواعد شعبية وإقناع الجماهير بالمنهج والمطالب والأفكار. وهناك من برّر للعنف الثوري بدون داعٍ. وهناك من استخدم التكفير لإرهاب الآخرين. وهناك من استخدام التخوين للجميع، ولكل من يختلف معه من أجل إرهاب الآخرين. وهناك أخطاء مدمرة استغلها النظام القديم أفضل استغلال، ولا بديل عن أن يقوم كل من شارك في "25 يناير" بالمراجعة والتحليل والنية لعدم تكرار الأخطاء الكارثية، حتى لا تتكرر الأخطاء... في المستقبل البعيد.