ثورة النساء... ثورتان!!

04 فبراير 2020
+ الخط -
بغض النظر عن ما وصلنا اليه من تفسيرات لكلمة نساء في القرآن الكريم، والتي يذهب بها محمد شحرور إلى مواقع متقدمة.. فالآية: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ .."، تعني أن "الأكثر كفاءة له القوامة في المنزل والمعمل والشركة والدولة، سواء كان ذكرًا أم أنثى، والرجال هنا ذكور وإناث، والنساء ذكور وإناث أيضًا، ولو كان الذكور قوامون دائمًا لقال "بما فضلهم الله عليهن"..

لم يعد ممكنا الاتكاء على إعادة تفسير القرآن من أجل مطاوعته لزماننا. فالديانات الإبراهيمية كلها تعتبر نقطة تاريخية لتحول الديانات من أمومية إلى أبوية ذكورية، يتسلط فيها الذكر على الأنثى.

ومهما حاولنا سيبقى القانون التراثي الذي يعود لقبل ألفي عام، لا يناسب، ولن يناسب زماننا، بعد أن وصلت فيه القوانين الإنسانية إلى مرحلة متطورة جدا في احترام الذات الإنسانية والفردانية، متمثلة بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تحمي كل أفراد المجتمع بغض النظر عن جنسهم أو ديانتهم أو إثنيتهم: كبشر أولا، وكمواطنين ثانيا!!

لم يكن تحويل العلاقة بين الدين والتراث، إلى علاقة مقدسة، عبثا. إذ إن كل قضايا المرأة وواقعها المزري في القوانين العربية ينبع، ويصب، ويطعن في هذه القداسة. وأي كلام عن تغيير هذا الواقع سيفضي بالمتحدث إلى التكفير، أو اتهامه بالإساءة إلى المقدس. وهكذا كُممت الأفواه لعقود طويلة، أصبحت فيها المجتمعات العربية متخلفة كثيرا عن ما وصلت إليه البشرية من تقدم، والتقدم هنا يعني الوصول إلى حالة قانونية وحقوقية في المواطنة، ناهيك عن أن هذه المواطنة هي من صنع التنمية الاقتصادية!


"الزوجة" بوصفها الحامية للنطفة الأصيلة!
يُرجِع كثيرون التسلط الذكوري على المرأة إلى تاريخ اكتشاف الزراعة، التي ساهمت في تشكيل الطبقات في المجتمع نتيجة التملك وفائض القيمة. ويعتقد إنجلز: "أن الرجال في المجتمع الطبقي سيطروا على الإنتاج وأدواته وهذا منحهم الحق في التملك والتحكم في الفائض، وبدؤوا بنسب الملكية إلى أبنائهم من نسلهم، بعدما كانوا مسؤولين عن أطفال أخواتهم؛ فقد كان الطفل سابقًا يُنسب إلى الأم ويدرج ضمن عائلتها، أما بعد المجتمع الطبقي فقد أصبح الرجل يتملك الأرض وينتج نسله عبر الاستحواذ على المرأة."

لم يكن الزواج مرتبطا بممارسة الجنس. حيث نجد العديد من أشكال العلاقات داخل المجتمع الإسلامي، مثلا: الجواري والإماء وما ملكت الأيمان والزوجات، وكل هذه الأشكال من العلاقات كانت تبيح للرجل ممارسة الجنس داخلها.

لكن لماذا لم تحظ هذه العلاقات بما حظيت به "الزوجة" في مؤسسة الزواج، بالقيمة الاعتبارية ذاتها، والتي تعتبر الشكل الأكثر قوة ومكانة في المجتمع، يصل إلى حد القداسة ويعتبر نصف الدين؟ والجواب هو في: "التوريث"!

فائض القيمة من الأموال والثروة يجب أن يذهب إلى ابنٍ من صلب الرجل. وكي يضمن الرجل أن هذا الولد الذكر من صُلبه، كان لزاما عليه أن يُطبِق الخناق جيدا على المرأة التي ستحمل الذكر الوارث..

وأدوات هذا الإطباق ثلاث: الرجل، المجتمع، والسلطة. تعاونوا جميعا لصناعة سجن من العادات والتقاليد والقوانين مضافا إليها أطنان من التشريعات الدينية والتراثية يهودية ومسيحية وإسلامية، كلها تُجمع على ذات النظرة الدونية للمرأة، وجعلها كائنا مستلبا مكانه المطبخ، ومهمته المقدسة الإنجاب، وخدمة الذكر، الذي امتلك كل أدوات تسلطه بدءا من مؤسسة الزواج، وليس انتهاء بدعم السلطات الدينية والسياسية، ومواد الدستور.

ازدواجية القوانين!
كل الدساتير العربية تمت استعارتها من الخارج المتحضِّر، الذي سبقنا كثيرا في بناء دولِه وتنظيم حياة مواطنيه. ومع أننا استعرنا دستورنا السوري من فرنسا، إلا أن المشرعين السوريين الأوائل ادخلوا مادة إليه، مازالت تتكرر في كل الدساتير السورية وصولا إلى دستور 2012، وهي، المادة 3: "الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع. تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام. الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية".

هذه المادة تعتبر إسفينا يضرب عمق الحياة المدنية السورية، ويعرقل أية محاولة للتطور في سبيل ملاقاة روح المواطنة والمساواة بين الرجل والمرأة، وبالتالي التنمية. وليصبح أي كلام عن حقوق امرأة أو ديمقراطية، كلاما فائضا عن الحاجة، أو كلاما معطلا لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع.

فلا ديمقراطية في واقع امرأة مزرٍ: شهادتها نصف شهادة. ولا تملك وصاية على ابنها. وحياتها الزوجية منتهكة بتعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية، أو ممنوعة من الطلاق بحسب شرائع الكنيسة الكاثوليكية، ومئات العقبات الأخرى من التي ينص عليها الشرع الديني الذي يبطل بعض مواد الدستور الحيوية، كالمادة 23: "توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع".

لا سبيل لتطبيق هذه المادة. لأن هذه المادة غير قابلة للتنفيذ. وكيف ستدعم الدولة المرأة إذا كانت مرجعتيها الفقه الإسلامي؟ إلى اليوم لم يتم إلغاء الطلاق الشفهي، مثلا. ومازالت كل النساء السوريات يطلقن شفهيا دون الرجوع للمحكمة؟

ثورتان متوازيتان!
بينما المجتمع اليوم يثور على الاستبداد، تثور المرأة على استبدادين: السلطة السياسية، والسلطة الذكورية. وبينما يُطلب من المرأة المشاركة بالثورة على الاستبداد السياسي، يتم قمع ثورة المرأة على سلطة الرجل والقانون الذكوري.

بل وأكثر من ذلك: تتم إحالة قضية المرأة إلى أنها قضية تخص النساء فقط، وعلى النساء أن يخضن هذه المعركة لوحدهن. وهذا يستحضر سؤالا موجعا حول معنى الثورة المنشودة: هل هي ثورة ضد الاستبداد كافة؟ أم أنها ثورة على الاستبداد السياسي فقط؟ سيما أن الإجابة أكثر من جلية وواضحة من خلال الأصوات الذكورية التي تتعالى لتسكت المرأة بحجج واهية: أن الكلام عن قضايا المرأة ليس وقته الآن. مع أن "الآن" هو الوقت الأكثر ملاءمة باعتبار أن هذا "الآن": هو ثورة!

وبينما تفضي معاني الثورة إلى كل مفاهيم التحرر، نجد أن هناك تواطؤاً واضحاً ضد تحرر المرأة، مع أنهم ينعتون الثورة بأنها: أنثى؟!

لا يمكن لأية ثورة أن تكتمل إذا لم تتكاتف النخبة للمطالبة بإزالة التمييز الذكوري ضد المرأة في القوانين. وهذا واجب حضاري لأن قضية المرأة جزء أساسي من قضية التحرر، تعني كل المواطنين رجالا ونساء. فأي مجتمع ننشد وأية دولة إذا كان يعاني نصفها من الاضطهاد؟ هي قضية عدالة وحقوق إنسان وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بتحرر الوطن. وطن نصفه عبيد ليس وطنا حرا مهما تغيرت وتبدلت السلطات. وطن فيه استبداد لنصفه، لا يمكن تحقيق الديمقراطية فيه!

فاديا أبو زيد

كاتبة سورية وناشطة نسوية، تؤمن بحقوق الإنسان وتسعى لتفعيلها في المجتمعات العربية كسبيل أمثل لنهضتها