ثورة المظلات: ماذا يحصل في هونغ كونغ؟

01 أكتوبر 2014
لم تأبه المعارضة بالتهديدات ودعوات العودة للمنازل(كزوم أوليروس/فرانس برس)
+ الخط -

كان العالم يدرك، والصين أيضاً، أن ادارة هونغ كونغ "الليبرالية" ستكون مهمة صعبة على بكين، الشيوعية النظام والرأسمالية السوق. فـ99 عاماً من الحكم البريطاني، تركت أثراً قبل عودة المقاطعة إلى حكم التنين في 1 يوليو/تموز 1997. لم يتظهّر هذا سريعاً، فالجميع كان يترقّب كل شيء، في ظلّ سماح الصين "بحرية" معقولة لهونغ كونغ، قياساً على باقي المقاطعات. فهونغ كونغ دولة مستقلة "تقريباً"، بفضل الحيّز الواسع للحكم الذاتي الذي تتمتع به.

وكان من المفترض أن تستمر تلك "الحرية" و"الاستقلالية"، لمدة 50 عاماً، على الأقلّ بعد عام 1997، بفعل الاتفاقية الصينية ـ البريطانية، على أن تتمّ إعادة النظر في النظام الرأسمالي في هونغ كونغ في عام 2047. لذلك، سعى بعض سياسيي هونغ كونغ إلى العمل بقوة، لتحقيق الاستقلال الناجز قبل انقضاء هذه المدة. وبعد سلسلة من الاجراءات التشريعية والقانونية التي تصبّ في اتجاه الاستقلال التامّ، تم تحديد عام 2017، موعداً للانتخابات الرئاسية. وهنا المشكلة.

رأت بكين أن هونغ كونغ ستبتعد عنها، وأن الإرث البريطاني ـ الغربي سيلعب دوراً في تلك المرحلة، فعمدت إلى الاعلان في 31 أغسطس/آب الماضي، عن السماح لثلاثة مرشحين فقط في خوض الانتخابات الرئاسية في هونغ كونغ، على أن تُسمّي السلطات الصينية المرشحين الثلاثة، الذين، وبطبيعة الحال، سيرفضون الاستقلال وسيتمسكون بالارتباط المباشر مع الصين.

انتفضت المعارضة في هونغ كونغ إثر الاعلان الصيني، وبدأت تظاهراتها "الصغيرة"، التي لم يسمع بها العالم في البداية. كما شهدت بداية سبتمبر/أيلول الماضي، تمركز أربع دبابات صينية في وسط هونغ كونغ، كتحذير من مغبة التمرّد على قرار بكين. لم تأبه المعارضة بذلك، وأشعلتها ثورة، عُرفت باسم "ثورة المظلات"، كون سكان البلاد يستخدمون المظلات بكثافة، بسبب الشمس الحارقة وبسبب الأمطار الموسمية الغزيرة.

وبرزت حركة "أوكوباي سنترال" (احتلوا الوسط، أي وسط هونغ كونغ)، وبدأت تُصعّد في وجه القرار الصيني، الذي أيّده بعض الداخل في هونغ كونغ، ومن بينهم رئيس الحكومة لونغ شون ينغ، الذي دعا المتظاهرين إلى فضّ الاعتصامات ومغادرة وسط المدينة.

وما كان يحصل في أنحاء مختلفة من العالم، وجد طريقه إلى قلب هونغ كونغ. اشتباكات، تظاهرات، قنابل مسيّلة للدموع. كلّه يجري في "سفوح" جبال ناطحات السحاب في المدينة. لم يكن رئيس الحكومة موفقاً في دعوته وتأييده القرار الصيني، ومع أن المعارضة ردّت بسرعة عليه، وطالبته بالرحيل، غير أن بعض السيناريوهات القاتمة بدأت تلوح في الأفق.

أولى تلك السيناريوهات، هو اعتبار السلطات الصينية أن "ما يجري هو شأن صيني داخلي، لا علاقة لأحد به". تماماً كما قضية مسلمي الأيغور في مقاطعة شينجيانغ، أو بوذيو التيبت (سقف العالم)، أو كاثوليك شنغهاي. تريد بكين تكريس سطوتها، ولو بالقوة، إذا اقتضى الأمر. من هنا يخشى البعض، أن تكون دعوة شون ينغ، خطوة أولى قبل طلب الدعم الصيني العسكري، لإخضاع المقاطعة، وفرض "الإصلاحات" الصينية عليها. فتجربة ساحة تيانانمين في 1989، ما زالت ماثلة في الأذهان.

من السيناريوهات القاتمة أيضاً، أن تؤدي بيانات الشجب والاستنكار الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى ردّ فعل عكسي وقيام محورين، يتصارعان في هون كونغ، فيذهب عمل المعارضة هباء، تماماً، كما حصل ويحصل في أوكرانيا، التي انغمس شرقها في حربٍ لم تنتهِ بعد، كما أن كل المعطيات تشير فيها حتى الآن، إلى فرض روسيا سطوتها في الحكم وعلى الأرض الأوكرانيين، تحت شعار "حكومة أوكرانيا عميلة للغرب".

وإذا كان التدخل العسكري الروسي المباشر في شبه جزيرة القرم، وغير المباشر في حوض دونباس، لم يُوَاجَه بردّ فعلي غربي مماثل، فإن الخشية تنمو في شرق آسيا، وخصوصاً أن "البيئة الحاضنة" للقوات الأميركية هناك، في كوريا الجنوبية واليابان والفيليبين وغيرها، ترفض أي صدام مع الصين، عكس أوروبا الشرقية، التي دعا بعض دولها، بولندا تحديداً، إلى نصب الصواريخ في أراضيها في مقابل روسيا.

في الأساس ظنّ البعض أن الطبقة الرأسمالية مغايرة للبروليتاريا أو الحركات العمالية والشعبية، لكن هونغ كونغ أثبتت أن الجميع يرفض مبدأ الحكم الصيني في الأصل. لا تريد هونغ كونغ أن تكون اسكتلندا أو كيبيك أو كاتالونيا أخرى، تضخّ ضرائبها في شرايين بكين دون الاستفادة منها. وهو ما أدركه قطاع رجال الأعمال وقطاع العمال في مقاطعة الـ1104 كيلومترات مربّعة.

وإذا كانت هونغ كونغ تطمح إلى الاستقلال، فإن الصين في المقابل ترفض المزيد من "الجزر المتناثرة" على أطرافها، وهي لم تصدّق بعد عودة ماكاو وهونغ كونغ بالذات إليها، بعد نكسة تايوان. كما تعتبر بكين نفسها بوابة كوريا الشمالية عالمياً، وهي التي قضت على انتفاضات استقلالية لمساحات شاسعة في شينجيانغ (1.664.9 مليون كيلومتر مربّع) والتيبت (2.5 مليون كيلومتر مربّع)، ولن تقبل بالتالي بخروج هونغ كونغ عن طاعتها، مهما كلّفها الأمر. الموضوع ليس اقتصادياً بالنسبة إلى الصين، بل يتعلق بـ"هيبة تنين".

المساهمون