ثوابت أبو مازن ودعمها شعبياً بانتخابات
على الرغم من الهجوم المكثف عليه، أثبت الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، أنه سياسي عنيد، في ما يتعلق بتمسّكه بالثوابت الفلسطينية والتزامه بقراراته المعلنة. فمنذ إعلان الولايات المتحدة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وبعدها إعلان الرئيس ترامب وصهره كوشنر ما سميت "صفقة القرن"، قامت القيادة الفلسطينية بمقاطعة تامة لواشنطن، ولم تتراجع على الرغم من الإغراءات والصعوبات. ومنذ التهديد الإسرائيلي الرسمي بضم أجزاء من الضفة الغربية، أعلنت القيادة وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل ونفّذته، على الرغم من تشكيك كثيرين في قرارها. وقد عكست هذه المواقف القوة السلبية الفلسطينية، إذ على الرغم من أن القيادة الفلسطينية لا تستطيع تحرير الوطن أو فرض رؤيتها للمستقبل، إلا أن من الواضح أنها تستطيع منع تطبيق أي خطةٍ لا تلامس الحد الأدنى المقبول شعبيا.
لقد أثلجت صدور الشعب الفلسطيني رؤية العلم الفلسطيني يرفرف وحده في نشاطات الاحتجاج التي شارك فيها نشطاء من حركات فتح وحماس والجهاد الإسلامي وغيرها، ولكن ذلك لا يكفي لمواجهة تحدٍّ كبير كما الذي يواجهه الفلسطينيون في الظرف الراهن. من الضروري العمل المكثف على توحيد الجهد الفلسطيني، وذلك بالأساس من خلال العودة إلى الشعب مصدر السلطات. آن الأوان لإجراء انتخابات عامة، ليس فقط للمجلس التشريعي وللرئاسة، ولكن أيضا لتمثيل الشعب الفلسطيني في أنحاء العالم.
لقد أحدثت جائحة كورونا تغييرا جذريا في كيفية استخدام وسائل الاتصال للتعلم والعمل وغيرهما، فلماذا لا يتم التغلب على مشكلة الخوف من عدم مشاركة المقدسيين أو أهالي قطاع غزة من خلال الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية لإجراء الانتخابات، خصوصا أن جائحة كورونا تحتم عدم وجود تجمعات كبيرة، ومنها التي تفرضها انتخابات عامة. كما لا بد من الاستفادة من ذلك (ربما في الموعد نفسه) لإجراء انتخاباتٍ على مستوى العالم لباقي أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني.
آن الأوان لإجراء انتخابات عامة، ليس فقط للمجلس التشريعي وللرئاسة، ولكن أيضا لتمثيل الشعب الفلسطيني في أنحاء العالم
ستوفر العودة إلى الشعب تأكيدا واضحا للسياسة الفلسطينية، وستجيب على سؤال مهم: ماذا يريد الشعب؟ هل يريد التمسّك بحل الدولتين أم العودة إلى فكرة الدولة الواحدة من النهر إلى البحر ذات حقوق متساوية لكل مواطنيها؟ وسيتم اختيار جيل جديد من القيادة ذات حماس وشغف وقدرة على الابتكار السياسي والعملي، لنقل النضال إلى مراحل جديدة، تساعد في تحقيق الهدف المتفق عليه.
ومع أهمية العودة إلى الشعب وضرورتها، هناك أمور كثيرة أخرى، يمكن إنجازها، للاستفادة من الزخم العالمي الذي تحظى به القضية الفلسطينية. على سبيل المثال، من الضروري أن تنخرط القيادة الفلسطينية لدعم حملة المقاطعة العالمية (BDS). وفي ما مضى، كان الرئيس محمود عباس، قد أيد مقاطعة المستوطنات، لكنه رفض فكرة مقاطعة إسرائيل، في وقت كان هناك تفاعل مع إسرائيل ضمن اتفاق أوسلو. ولكن حاليا، وبعد انتهاء دور الاتفاق، لا يوجد أي مبرّر لغياب القيادة الفلسطينية عن حملة المقاطعة العالمية. لقد أبرزت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، الأسبوع الماضي، خبرا عن موقف حركة المقاطعة الرافض اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، ولكن تلك الإشارة الإيجابية ليست كافية، فالمطلوب توحيد الجهود مع إدارة الحملة وتوجيه كل الأطر الفلسطينية، ومنها السفارات ولجان التضامن في الخارج، لتقوية فعالية الحملة.
تواجه القضية الفلسطينية مرحلة صعبة للغاية. وقد رفضت القيادة الفلسطينية كل المحاولات لشطب القضية وإنهاء النضال التحرري الفلسطيني. ويجب دعم هذا التوجه من خلال مشاركة أوسع شريحة من الشعب الفلسطيني، ليس فقط في التظاهرات والبيانات ومهرجانات الشجب، بل أيضا بالتوافق على استراتيجية موحدة من خلال آليات متفق عليها، وبأيدي قيادات منتخبة ممثلة للشعب الفلسطيني.
في ظل التحدّيات الجمّة، لا بد من صدور قرار رئاسي يحدّد موعد الانتخابات العامة لاختيار ممثلي الشعب الفلسطيني وقيادته، والاتفاق على استراتيجية نضالية متمسّكة بالثوابت وقابلة للتنفيذ.