ثمانية أعوام من حكم هادي: شرعية تتآكل وسلطة ظل

23 فبراير 2020
أتم هادي 5 سنوات بمنفاه في الرياض(إبراهيم حامد/فرانس برس)
+ الخط -

أتمّ الرئيس عبدربه منصور هادي عامه الثامن على هرم السلطة في اليمن. ومع مطلع عام تاسع، يقف الرجل، الذي تشهد بلاده حرباً دامية منذ سنوات، كحالة فريدة في تاريخ قادة دول العالم، بعد أن تجاوزت فترة حكمه في المنفى، تلك التي مارس فيها مهامه من داخل قصر رئاسي على أراض يمنية. ففي 21 فبراير/شباط 2012، تقلّد هادي رئاسة اليمن خلفاً للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بعد انتخابات رئاسية صورية كانت أشبه بالاستفتاء لم ينافسه فيها أحد. ووعد بأنه سيسلم السلطة لرئيس جديد بعد عامين، هي فترة انتقالية حددتها المبادرة الخليجية. لكن الرئيس الثاني للجمهورية اليمنية، يستميت اليوم من أجل البقاء في سدة حكم بلاد تمزقها الحرب وتتشرذم إلى دويلات تديرها جماعات وفصائل مسلحة.

ويقدّم هادي مسألة استمراره في رئاسة اليمن كشرط جوهري للدخول في أي مفاوضات سياسية ترعاها الأمم المتحدة، ويتمسك بأنه الرئيس الشرعي بموجب القرار الأممي 2216، الذي أعلن دعمه للحكومة الشرعية في مواجهة الانقلاب الحوثي. وقضى هادي، نحو 18 عاماً كظل لصالح، الذي عيّنه نائباً له منزوع الصلاحيات منذ أواخر عام 1994 وحتى فبراير 2012، فيما يبدو اليوم طامحاً إلى الاستمرار أطول فترة ممكنة في الحكم، خصوصاً أن ظروف البلاد لن تسمح له بتكرار تجربة حكم سلفه البالغة 33 عاماً. وشهدت ولاية هادي تعاقب أربع حكومات، هي حكومة محمد سالم باسندوة (من 2012 إلى 2014)، وحكومة خالد بحاح (من 2014 إلى 2016) وحكومة أحمد عبيد بن دغر (بين 2016 و2018) وحكومة معين عبد الملك (من 2018 وحتى الآن).

واحتفل الموالون لهادي بالذكرى الثامنة لتوليه مقاليد حكم اليمن، بشكل واسع. وازدحمت وسائل الإعلام الرسمي، المقروء والمرئي، ببرقيات تهانٍ من أركان حكمه، تشيد بمشواره الرئاسي وتصف يوم انتخابه بـ"الذكرى العظيمة". وفي المقابل، كان هادي هدفاً لعدد من الأصوات السياسية ونشطاء المجتمع المدني، الذين يقولون إن طريقة إدارته للحكم كانت السبب الرئيسي في ما آلت إليه الأوضاع في اليمن منذ الانقلاب الحوثي على السلطة أواخر عام 2014 وحتى الآن، وأنه فَقَد شرعيته وبات مجرد واجهة للتدخل السعودي. ويُتهم هادي، الذي أفلت من إقامة جبرية فرضها الحوثيون عليه في صنعاء، في فبراير 2015، بأنه غائب عن المشهد، في واحدة من أصعب مراحل اليمن. فيما يقول ناشطون إن السعودية، التي يقيم فيها منذ 5 سنوات، هي من قامت بتحييده من أجل التحكّم في البلاد، سياسياً واقتصادياً، كما تفعل منذ انطلاق عمليتها "عاصفة الحزم" قبل نحو 5 سنوات. وبعد مرور 8 سنوات على حكمه، لم يمارس هادي مهامه من داخل القصر الجمهوري في صنعاء سوى 3 سنوات، وشهر واحد من عدن بعد إفلاته من الإقامة الجبرية الحوثية، فيما أتم 5 سنوات في منفاه في العاصمة السعودية الرياض، حيث يستقبل الوفود الغربية والسفراء في مقر إقامته المؤقت.

ماذا حقق هادي؟

تحوّل الإعلام الرسمي اليمني، أمس الأول الجمعة، إلى ما يشبه حلبة تنافس لقيادات حكومة هادي على تقديم برقيات منمقة تمجّد قراراته وتعدد إنجازاته، في مشهد كشف أن قرارات التعيين وطابور المسؤولين المترامين في عواصم عربية مختلفة، كانت العلامة البارزة لحكم السنوات الثماني. وأجمعت قيادات الحكومة اليمنية على أن هادي حقق إنجازات، على رأسها "هيكلة مؤسستي الجيش والأمن وإعادة تنظيمها في 5 وحدات، شكلت القوات البرية والبحرية والجوية وحرس الحدود والاحتياط الاستراتيجي". وتطرّقت البرقيات الحكومية إلى أن إنجازات هادي تتمثل أيضاً في "رعايته للحوار الوطني الشامل بين فرقاء القوى السياسية ومختلف الأحزاب والمكونات وشرائح المجتمع، الذي اختتمت جلساته بنجاح في 25 يناير/كانون الثاني 2014، وإعلان وثيقة مخرجاته التي انقلب عليها الحوثيون لاحقاً".


قصائد المديح لهادي لم تتوقف عند ذلك. فقيادات جهاز المخابرات قالت إنه "خاض عباب البحار المتلاطمة، وتحمّل كل المؤامرات لبناء مشروع اليمن الاتحادي، ولم يحنِ جبينه الزاهر، ووقف شامخاً كجبال شمسان وعيبان، صامداً راسخاً لا يهتز مهما كانت التحديات"، من دون التطرق إلى أي إنجازات أمنية، أو تقديم وعود ببذل المزيد من الجهود في سبيل استعادة الأمن المفقود في المحافظات اليمنية، خصوصاً الخاضعة للشرعية. وأثارت برقيات التهنئة سخط سياسيين وناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي. وقال السياسي اليمني والسفير السابق مصطفى نعمان: "في الجمهوريات المحترمة، لا أحد يبعث برقيات تهنئة للرئيس، خصوصاً إذا كان هارباً وعاجزاً عن العودة، وغير راغب في زيارة وطنه، ولم يقدّم أي إنجاز يذكره الناس له"، لافتاً إلى أن الذين يرفعون آيات الشكر والتبجيل والمديح والنفاق "يهبطون أخلاقياً إلى القاع".

في المقابل، يؤكد بعض المراقبين أن هادي حقق إنجازات حقيقية خلال سنوات حكمه الثماني، على الرغم من الإرهاصات الكبيرة التي مر بها اليمن، وعلى رأسها المحافظة على اليمن من الانفصال، وهيكلة الجيش، على الرغم من الدولة العميقة لنظام صالح في تشكيلاته، خصوصاً خلال عامي 2012 و2013. وقال الصحافي والمحلل السياسي اليمني، عوض كشميم، إن هادي لم يأت لرئاسة اليمن بانقلاب عسكري دموي، بل فرضته قوى المجتمع وحراكه الجماهيري في ثورة شبابية، أحدثت تغييراً عميقاً في مركز سلطة القرار السياسي والعسكري المركزي، مؤكداً أن "هذه حقيقة موضوعية وليس خيالاً أو دعاية".

لا قدرة للحكم

يذهب مراقبون يمنيون، إلى أن فترة حكم هادي تكشف بشكل مباشر عن واحدة من أسوأ مراحل اليمن. ويقولون إنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً سوى رعاية مصالحه هو وأفراد أسرته ومجموعة المنتفعين به. وقال المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، ماجد المذحجي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "هادي كانت لديه رافعة شعبية بعد 2012 يمكن أن تمهد الطريق أمامه، لكن طريقة إدارة حكمه، سواء قبل الحرب أو خلالها، كشفت أن الرجل أساساً غير قادر على التقاط أي فرص. لم ينجح في إدارة المرحلة الانتقالية، والأسوأ أيضاً أنه لم ينجح في إدارة الحرب". وأضاف "هادي رجل غائب عن المشهد، بينما تتحكّم قلة من أولاده ومدير مكتبه، والمنتفعين من رجال الأعمال، في بنية القرار السياسي، في واحدة من أهم مراحل اليمن". وأشار الباحث اليمني إلى أنه لا يمكن وصف مرحلة هادي إلا أنها مرحلة تقويض اليمن، متابعاً "لو كان الرجل يمتلك قدراً من الشجاعة والمسؤولية، لكان قد تنحى جانباً، ومنح الفرصة لإدارة (الملف) بشكل مختلف، سواء لمواجهة الانقلاب الحوثي أو كافة المشاريع الأخرى التي تهدد البلد".

ويُتهم هادي بتمكين أولاده من مفاصل القرار في إدارة الدولة، إذ يتحكّم نجله ناصر عبدربه هادي بالمؤسسة العسكرية من خلال قيادة ألوية الحرس الرئاسي، فيما يتحكم نجله الآخر جلال في القرار السياسي والاقتصادي، وذلك بإصدار قرارات تعيين وزراء ومحافظين ووكلاء وسفراء، وإقصاء من يختلف معهم. إضافة إلى ذلك، يرى خبراء أن هادي لم تعد لديه السلطة الفعلية على اليمن منذ اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء، وأصبح الآن مجرد واجهة للتدخّل السعودي في اليمن منذ عام 2015، إذ تؤكد الرياض أن وجودها في اليمن جاء بطلب منه ولإنقاذ شرعيته التي اختطفها الحوثيون.


وعلى مدار 5 سنوات من "عاصفة الحزم"، لم تنجح السعودية في استعادة الشرعية وإعادتها إلى صنعاء الخاضعة للحوثيين، بل إن العاصمة المؤقتة عدن باتت على ما يبدو بعيدة المنال هي الأخرى على هادي، بعد أن أصبح "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات يتحكم في كل مفاصلها العسكرية والأمنية. ورأى الباحث والمحلل السياسي اليمني عبد الناصر المودع أن اختيار هادي كرئيس انتقالي لمدة عامين من دون انتخابات حقيقية، كان السبب الرئيسي في فشل عملية الإصلاح والتحوّل السياسي، بعد أن اتضح لاحقاً أنه كان بمثابة الشخص الخطأ لتلك المرحلة. وقال المودع، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "هادي لم يكن مؤهلاً ذاتياً، ولا موضوعياً، ليصبح رئيساً توافقياً، كما هدفت التسوية السياسية المعروفة بالمبادرة الخليجية. فمن الناحية الذاتية، لا يملك هادي أي مؤهلات معرفية أو قيادية ليكون رئيساً توافقياً في تلك الظروف، فمعارفه العامة سطحية". وأشار إلى أن "حكم هادي اتصف بالفساد والمحسوبية وسوء الإدارة، والتي من مظاهرها تحكّم أبنائه وأقربائه في منصب الرئيس، من دون أي اعتبار للمؤسسات الدستورية، وللدور الذي كان ينبغي عليه أن يقوم به وفقاً للمبادرة الخليجية".

واتهم الباحث اليمني، هادي، بـ"التماهي مع المشروع الانفصالي، وتآمره مع الحوثيين، بعدما اعتقد أنهم سيقوّون مركزه، وكان كل همه هو ومن حوله الاستمرار في المنصب أطول فترة ممكنة بأي ثمن وتحت أي ظرف، بما في ذلك المساهمة في تفكيك الدولة والتفريط في سيادتها"، لافتاً إلى أنه "يمكن القول إنه المتسبب الأول في وصول اليمن إلى هذا الوضع". واعتبر المودع أن "هادي فَقَد شرعيته السياسية حين تخلى عن دور الرئيس التوافقي بداية عهده، وانتهت شرعيته وفقاً للمبادرة الخليجية في 2014. كما فَقَد شرعيته القانونية وفقاً للدستور في فبراير 2019"، مضيفاً "بعد أن أدخل الحوثيين إلى صنعاء لم يعد لدى هادي السلطة الفعلية. وبعد التدخّل الخارجي، فَقَد كل سلطاته وأصبح مجرد واجهة لهذا التدخّل. ووفقاً لذلك، هادي لم يعد رئيساً حقيقياً لليمن، ومن دون الدعم السعودي تنتهي سلطته".

سلطة ظل

يتحكّم نجلا الرئيس اليمني، جلال وناصر، في مفاصل إدارة الدولة اليمنية، عسكرياً واقتصادياً. لكن مصادر محلية تقول إن السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، هو المتحكّم الفعلي في القرارات السيادية، وهو من يرسم السياسة الخارجية للبلاد. وإضافة إلى فرض رئيس الحكومة الحالي معين عبدالملك، يمتلك آل جابر حصة داخل الحكومة أكثر من الأحزاب اليمنية، إذ عجز الرئيس اليمني عن الإطاحة بوزير الإعلام معمر الإرياني، المقرب من السفير السعودي، على الرغم من إخفاق الإعلام الرسمي اليمني خلال فترة عهده في قيادة دفة المعركة ومجابهة الآلة الإعلامية الحوثية.

وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إن كل البيانات التي تصدر باسم الخارجية اليمنية، أو مصدر مسؤول في الحكومة، تأتي عبر مكتب السفير آل جابر، وكافة المواقف الحادة للشرعية، التي هاجمت الإمارات في أعقاب أحداث أغسطس/آب الماضي في مدينة عدن، كانت بضوء أخضر من آل جابر، الذي طالب الحكومة بعدها بالتوقف عن وصف ما جرى في عدن بأنه "انقلاب" والحديث عن "أزمة" فقط. وأكدت المصادر أن آل جابر هو من هندس اتفاق الرياض، الموقّع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لإنهاء انقلاب عدن، بالتشاور مع نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، وتم إخطار هادي به بعد الانتهاء من كافة التفاصيل. كما أنه من وقّع اتفاق استوكهولم مع الحوثيين بشأن الحديدة وتبادل الأسرى. ويقود السفير آل جابر المفاوضات التي ترعاها "القناة الخلفية" مع الحوثيين في مسقط. ووفقاً للمصادر، فإن السعودية تباحثت مع الحوثيين على تشكيل حكومة شاملة يشاركون فيها، من دون علم حكومة هادي. وبعد خروج القوات الإماراتية من عدن، توسع نفوذ آل جابر إلى كافة المدن الجنوبية التي بات يتحكّم فيها. كما وقف خلف الهجوم السعودي الأخير على قبائل المهرة وسيطرته على منافذها قبالة الحدود العمانية. وتم إطلاق توجيهات على لسان هادي بضرب قبائل المهرة، نشرها الوزير المقرب منه معمر الإرياني، لكنها لم ترد في وكالة "سبأ" الرسمية أو موقع الجيش الوطني اليمني.

المساهمون