ثلاثيّ الدراما والثورة السورية

26 مارس 2015
مشهد تصوير دراما سورية في غازي عينتاب (Getty)
+ الخط -

عرفت الدراما السورية في أحد الأوقات بأنها الأولى عربياً، وكانت بحقّ جامعةً للناس حول القصص والحكايا التي تحكيها المسلسلات الدرامية، خصوصاً في أوقات الذروة للمشاهدة كما في رمضان مثلاً، وقد يبدو ذلك في حاضرنا تاريخاً وردياً، أما في حقبة الثورة، إن صح التعبير، فقد انقسمت الدراما السورية إلى ثلاثة أقسام تشبه إلى حدٍّ كبير ساحتها السياسية وأوضاعها الاجتماعية وتقسيمات نفوذها على الأرض.

من الأقسام الثلاثة قسمان متضادان، تماماً، يشبهان ما وصفه تميم البرغوثي في قصيدته الأشهر (في القدس) حيث قال "يا كاتب التاريخ مهلاً! فالمدينة دهرها دهرانِ، دهرٌ أجنبيٌّ مطمئنٌ لا يغيّر خطوه وكأنه يمشي خلال النوم" وذلك يمثله الفريق الذي ما زال ينتج قصصاً، عن حياة ما وعن مجتمع ما، منفصلةً تماماً أو ربما متجاهلةً تماماً لما يحصل اليوم للناس على بعد بضعة كيلومترات من مواقع التصوير من موتٍ وجوعٍ ويتم وتهجير، وكأنهم زوارٌ من كوكبٍ آخر! ولاؤهم لكوكبهم وقادته وحسب، يرونه بأنه الواحد الأوحد وبأنه يستحق الوجود والمجد إلى الأبد، بل وإلى أبدٍ آخر خارج حدود إدراكنا.. وفريقهم السياسي، هو النظام السوري، الذي ما زال يمشي وكأنما يمشي خلال النوم حقاً.. ومازالت تعرض إنتاجات هؤلاء على الشاشات العربية للباحثين عن الدراما المعتادة، ولكي لا تفسد متعة المتابعة اليومية لتلك الأحداث خارج إطار الزمن والواقع والحقيقة..

"وهناك دهرٌ كامنٌ .. متلثمٌ.. يمشي بلا صوتٍ حذار القوم" وهذا يمثله الفريق الثوري الذي اتخذ من فنه قضيةً وتطور من مرحلة اللاوجود إلى الوجود الملثم، ثم إلى الوجود الصريح الذي يحمل أصحابه أسماءهم وسلميتهم في حينها أو سلاحهم .. وأولئك يؤمنون أن ثمة حياة أخرى بمواصفاتٍ أخرى غير التي اعتادوها، وأن ثمة مصطلحات وتعاريف أخرى لتلك المصطلحات كالعدالة والحريّة والحقوق.. كتداول السلطة والحياة الكريمة .. وفريق هؤلاء هو فريق الثوار بمعظم أطيافه وألوانه بداخله وخارجه، ولربما يكون الخارج السوري أنشط في هذا اللون من الدراما، وهو الذي حاكى الواقع اليومي واعتمد في كثيرٍ من الأحيان على الكوميديا السوداء كما حصل في المسلسل اليوتيوبي "حرية وبس" على سبيل المثال لا الحصر.. والمعروف أن الإعلام الجديد هو الحاضنة الرئيسة لهذا الفريق ولما ينتج من فنٍّ ودراما..

أما الفريق الثالث إن صح جمعه مع غيره وهو ليس كغيره من الصنفين اللذين سبقا، ولكنه يشترك مع كل صنف من الصنفين السابقين في صفةٍ واحدة.. يتشارك أصحابه مع الفريق الأول بدمويتهم ومع الفريق الثاني بحسابهم على المعارضة أو الثوار .. أجل أتحدث عن داعش.. صاحب العرض الدرامي الأعنف والأقسى والأكثر دناءةً والأقل إنسانية في هذا العام، وربما، أيضاً، الأكثر احترافية في الإنتاج من كل ما سبق، فيلم داعش الذي لعب فيه على كل الأوتار والأصعدة، لم يبدأ في ساعة بث الفيلم وحسب، بل بدأ بعملية الخطف والتحفّظ والقتل والنحر والإرباك الذي تم بالتفاوض اللامنطقي والذي يخسر الكل فيه ما عداه.. فيلمٌ درامي حبس أنفاس العالم بأسره وأسال دموعه، وأرسل من بعض دوله الجيوش ووضعها هدفاً لكل من ينادي ببعض الإنسانية، حتى غطت على حدث الثورة كله، وأصبحت هي الصلع الذي ينبغي إزالته من المثلث وفقدت كل التعاطف الذي جنته، ولو على استحياءٍ قبلاً وتبرأ منها الكثير من مريديها الأوائل..

إذن، هي الدراما التي فرقت وجمعت وهي التي مازالت وستظل محركاً ولو ظاهرياً وشعورياً للشعوب العربية الموصوفة بالعاطفية، وربما كما شهدنا أخيراً تشارك الدراما في رسم سياسات المنطقة والعلاقات الدبلوماسية وفي إعلان الأزمات وإشعال الحروب وفي تحديد مصائر الشعوب.


(اليمن)

المساهمون