ثلاثية 2018

29 ديسمبر 2018
رسم عماد حجاج
+ الخط -
طبعت ثلاثية الانقسام التهدئة وصفقة القرن المشهد الفلسطيني خلال العام 2018، وهو ما سيتواصل غالباً في العام 2019، حيث يتفوق الانقسام في ثنائية أو جدلية الانقسام – المصالحة، وتتغلب التهدئة في ثنائية جدلية التهدئة – التصعيد، بينما تبدو كل الاحتمالات مفتوحة، في ما يخص صفقة القرن التي تتساوى احتمالات طرحها وطيّها خاصة مع قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من سورية، ثم قرار الذهاب إلى انتخابات مبكرة – نسبياً - في إسرائيل، ما يجعل احتمال طرحها – النظري - في النصف الأول من العام القادم أمراً صعباً وربما مستحيلاً أيضاً، علماً أنها لا تملك فرصا جدية للنجاح في حال طرحت أصلاً.
بدأ العام الذي يوشك على الرحيل مع آمال كبيرة بإمكانية طيّ صفحة الانقسام الفلسطيني والذهاب إلى المصالحة، خاصة بعد التوصل الى تفاهم جديد في القاهرة نهاية العام 2017، إلا أن العملية وصلت إلى طريق مسدود إكلينيكياً بعد شهور فقط أي مع محاولة تفجير موكب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله في غزة أواخر مارس/ آذار الماضي، بينما بدا إعلان الرئيس محمود عباس الأحادي قبل أيام بحلّ المجلس التشريعي والذهاب إلى انتخابات تشريعية فقط دون الرئاسية بمثابة إعلان سياسي رسمي عن موت عملية المصالحة برمتها مع رفض حماس ومعظم الفصائل للقرار.
لا بد من الانتباه إلى أن جهود المصالحة الأخيرة حملت في طياتها بذور فشلها، وكانت عودة القاهرة للوساطة أساساً مريبة ومثيرة للشك وناتجة عن الفشل في إجبار الرئيس عباس على إعادة القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان للمشهد السياسي، وصعوبة إجراء مصالحة محلية بينه وبين حماس فقط، فتم الانتقال إلى الخطة "ج" والسعي لإعادة تعويمه، ولكن من زاوية المصالحة الوطنية الشاملة عبر البوابة الغزاوية –الحمساوية - إضافة إلى ذلك فقد مثلت الوساطة المصرية بحد ذاتها تعبيرا عن فشل السلطات المصرية في هزيمة داعش بسيناء والرغبة في الاستعانة بحماس لضبط الحدود – تقديم المعلومات طبعاً - وقبل ذلك وبعده مثلت دليلا على انخراط نظام السيسي في الجهود الأميركية لتهيئة البيئة المناسبة أمام طرح صفقة القرن عبر احتضان وتحييد حماس، ونزع أي فتيل ممكن لانفجار فلسطيني داخلي أو باتجاه الخارج مع إسرائيل أو حتى مصر نفسها.
رفض الرئيس عباس سرّاً وعلانية الجهود المصرية، وهو طلب من حماس تجاهلها والعمل الثنائي لحلّ المشاكل والملفات الخلافية، ثم سعى لنسف العملية كلها عبر سعيه لفرض شروط استسلام على حماس طالباً أن تكون غزة كما الضفة خاتما في أصبعه حسب تعبيره الحرفي، وهي اللغة التي عفا عليها الزمن طبعاً.
من جهتها، انفتحت حماس أولاً على الحوار والمصالحة مع دحلان ثم سعت لاستغلال الجفاء بين عباس والقيادة المصرية، وحاولت للاستقواء بالقاهرة على رام الله، خاصة مع الحاجات الأمنية المتبادلة، وعدم استعجال نظام السيسي للتغير السلطوي في غزة وتفضيله الوضع الراهن على تأييد طلبات عباس بالتمكين الكامل فيها.
ليس بعيداً عن المصالحة وربما بارتباط وثيق معها طغت على المشهد الفلسطيني ثنائية أو جدلية أخرى، هي التهدئة - التصعيد في غزة معظم العام، ثم في الضفة الغربية مع نهايته في غزة، رغم انطلاق مسيرة العودة التي ارتبطت بعملية المصالحة، وكانت عملياً نتاجاً مباشراً لتعثرها وفشلها، إلا أنها لم تؤد إلى تصعيد كبير ولم تحقق رغم التضحيات الكبيرة، وحتى الهائلة نتائج لافتة أو باهرة، بل متواضعة، وحتى متواضعة جداً، وفي كل الأحوال أكدت أحداث نهاية العام بما فيها اشتباك نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بعد العملية الأمنية الإسرائيلية الفاشلة بخان يونس أن التهدئة راسخة وباتت هي القاعدة في ظل موقف ثابت من طرفي الصراع أي حماس والاحتلال بعدم الذهاب إلى تصعيد كبير يصل إلى حد الحرب، وهذا عائد طبعاً إلى مقاربات وحسابات مختلفة، لكنها تتفق على صعوبة إحداث تغيير جذري في الواقع الحالي المفضل أيضاً لكلا الطرفين.
أما صفقة القرن التي بدأت العام المنصرف بزخم كبير مع عدة مواعيد محتملة لها ثم بلغت أوجهها مع جولة عرابها جاريد كوشنير –المحبطة- في الصيف، الصفقة تعثرت نتيجة العناد الفلسطيني والاصطفاف من الجدار إلى الجدار في مواجهتها ما أثر على المواقف العربية التي وإن كانت مؤيدة لها من الباطن، إلا أنها عاجزة عن فعل ذلك علناً أمام الرفض الفلسطيني الذي أدى لدحرجتها رويداً رويداً إلى آخر العام، ثم مطلع العام القادم كموعد جديد، إلا أنها تلقت ضربة قد تكون قاصمة مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سورية، ما يعني انخراطا أقل من واشنطن بالمنطقة وأزماتها، وعدم امتلاك الصبر وطول النفس اللازم أمامها ثم جاء القرار الإسرائيلي بالذهاب إلى انتخابات مبكرة في إبريل/ نيسان ليزيد الطين بلة ما يعني أن الخطة على احتمالاتها الضئيلة لن تبصر النور قبل صيف العام 2019، هذا إذا كان مقدراً لها ذلك أصلاً.
بناء على ما سبق، يمكن توقع أن يستمر المشهد بمعالمه الرئيسية في العام القادم لجهة تفوق الانقسام على المصالحة وحتى الذهاب باتجاه تأبيده وتكريس الفصل النهائي بين الضفة وغزة. التهدئة ستكون كذلك هي الغالبة والقاعدة مقابل استثناء التصعيد في ظل مصلحة حماس والاحتلال وحتى السلطة في رام الله بعدم انهيار الواقع الحالي بينما ستتراجع احتمالات طرح صفقة القرن حتى إذا حصل ذلك فهي لا تملك الفرصة للنجاح، ورغم الواقع الفلسطيني القاتم فلا يمكن أن يمر أي شيء دون مشيئة الفلسطينيين القادرين حتى في أسوأ أحوالهم على منع أي تصفية للقضية وعدم الاستسلام أمام الاحتلال حرباً في الميدان أو سلماً على طاولة التفاوض.