ثلاثة أعوام على ولادة جنوب السودان: انهيار الأماني

10 يوليو 2014
احتفالات بطعم الدم (تشارلز لومودونغ/فرانس برس/getty)
+ الخط -

في التاسع من يوليو/ تموز من عام 2011، أي قبل ثلاثة أعوام، أُعلنت دولة جنوب السودان، كآخر دولة حديثة تنضم الى دول العالم. ورفعت علمها المستقل، وعزفت نشيدها الوطني.

عبّر الجنوبيون في حينها عن سعادتهم باستقلال دولتهم، خصوصاً بعد ويلات الحرب الأهلية التي عانو منها ما يقارب نصف قرن؛ فمنذ استقلال السودان في 1956 لم يهنأ الجنوب بالسلام، وظل في حروب متواصلة إلى أن تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة في الخرطوم والحركة "الشعبية لتحرير السودان" بقيادة جون قرنق في عام 2005، التي نصت على إجراء استفتاء في الجنوب بعد 6 أعوام. وهو ما حصل ما بين 9 يناير/كانون الثاني و15 يناير/كانون الثاني 2011، تقرّر على إثره انفصال الجنوب وإعلانه دولة مستقلة.

وصوّت على الاستفتاء أكثر من 98 في المئة من الجنوبيين لمصلحة الانفصال، الذي تم بطريقة سلسلة. وكان الرئيس السوداني، عمر البشير، أول من باركه وأعلن اعترافه به. غير أنّ إعلان الاستقلال لم يُنه الأزمة، بل دخلت الدولتان السودانيتان في سلسلة من المشاكل على المستوى الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

تبدأ الدولة الفتية عامها الرابع تقصم ظهري البلدين. وعلى الرغم من أنّ الحرب الأهلية في الجنوب اندلعت أخيراً أي في ديسمبر /كانون الأول من العام الماضي، لكن ما أفرزته من دمار يعادل حروباً استمرت أعواماً.

ووضعت الحرب التي بدأت كنزاع سياسي قبل أن تتحول إلى حرب أهلية ثم قبلية، الدولة الوليدة على شفير الانهيار، لاسيما مع تراجع إنتاج النفط إلى ما يقارب 40 في المئة، بسبب الحرب وتعثر الحكومة في توفير مرتبات العاملين، إلى جانب تحذيرات منظمات الأمم المتحدة من حصول مجاعة في الدولة الجديدة بسبب غياب الحلول السياسية للمشاكل.

وبالنسبة للشمال، فإنّه مع انفصال الجنوب مباشرة تجدّدت الحرب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، لتنضم الى الحرب المشتعلة أصلاً في إقليم دارفور في عام 2003. وعلى المستوى الاقتصادي، فإن اقتصاد الخرطوم لم يشهد عافية منذ الانفصال، وتحول إيرادات البترول جنوباً، بعدما كانت تساهم في ميزانية الدولة بما يقارب الـ 70 في المئة. وفي وقت قليل، انهارت العملة المحلية، فيما وصل الدولار إلى أدنى مستوياته، إذ يعادل الدولار اليوم ما يقارب الـ 9.500 جنيه سوداني. فيما ارتفعت معدلات التضخم لشهر يونيو/حزيران إلى 45.3 في المئة، الأمر الذي انعكس سلباً على الوضع المعيشي، وبات يهدّد وجود النظام.

ولم تشهد علاقة الدولتين استقراراً إلا في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد البدء في تنفيذ اتفاقيات التعاون التسع العام الماضي، بعد أكثر من عام على توقيعها. غير أن الحرب التي اندلعت في دولة الجنوب، سرعان ما أسهمت في تجميدها. وفي وقت سابق، تأزمت العلاقة بين البلدين، وصلت إلى الاشتباك المسلح بسبب النزاع على منطقة هجليج. وتطور النزاع إلى إعلان الدولتان حرباً اقتصادية، عبر إغلاق كل الجنوب لآبار البترول، والشمال لأنابيبه، رغم أنّ الأخير بمثابة شريان الحياة للبلدين.

ويرى القيادي الجنوبي والمحاضر في جامعة "هارفت" الأميركية، لوكا بيونق، أنّ الذكرى الثالثة لاستقلال الجنوب تدفع الشعب الجنوبي إلى الوقوف عندها ليسأل إن كان هذا خيارهم الذي صوتوا من أجله للانفصال عن السودان، وسط المآسي التي خلفتها الحرب التي اندلعت نهاية العام الماضي. ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجنوبيين الآن يتساءلون إلى أي مدى حققوا أمانيهم بالانفصال؟ وما هو الواقع الذي يريدون وربع مليون نسمة من الشعب نزح جراء الحرب إلى دول الجوار كلاجئين، وأكثر من مليون آخرين نزحوا من الداخل، و3.2 مليون في حال عجز غذائي، و37 في المئة مستقبلهم في الحياة غير معروف، و60 ألف طفل يواجه خطر الموت من الجوع".

غير أن بيونق يؤكّد أنّ هناك فرصة أمام الجنوبيين لتحويل المأساة إلى فرصة جديدة بخلق أرضية للدولة؛ واقع جديد ومؤسسات جديدة وصولاً إلى مستقبل أفضل أسوة بدول من حولها كرواندا، التي حولت مأساتها إلى فرص أفضل، وباتت دولة قوية بعد الصراع العرقي الذي عانت منه.

احتفال بطعم الدم

يقول رئيس جمعية "الأخوة السودانية" (الشمالية/الجنوبية)، محجوب محمد صالح لـ"العربي الجديد": إنّ احتفال الجنوب بعيد الاستقلال هذا العام يأتي في أصعب الظروف التي تعيشها الدولة الوليدة في ظل الانهيار الذي يتهدد وجودها، إلى جانب معاناتها من الحرب الأهلية والقبلية المستعرة. وأشار إلى أن ذلك انعكس في علاقة الجنوب بالسودان، الأمر الذي عطل معه اتفاقيات التعاون التسع التي وقعها الطرفان في سبتمبر/أيلول 2012، ودخلت حيز التنفيذ العام الماضي، وعالجت أوجه الخلاف بين البلدين.

ويضيف "عموماً الانفصال له أسباب كثيرة والصراع الذي طفا على السطح في الأصل كان موجوداً قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الخرطوم، خصوصاً وأنّ الحركة التي تحكم جوبا حركة تحريرية يقودها جيش غير منضبط، ويعكس تحالف الميلشيات والقوى السياسية". ويقول: إن كانت الهيئة السياسية الحاكمة للدولة الوليدة ضعيفة، سيكون حكم القانون أيضاً ضعيفاً، كما أن الاجراءات المطلوبة لبناء الدولة لن تتم خلال ثلاثة أعوام.

المساهمون