30 اغسطس 2015
ثقافة الكراهية في الانقسام الفلسطيني
ضجت الساحة الفلسطينية، وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، في ردود فعل على الجريمة البشعة التي ارتكبها مستوطنون بحرق الطفل علي دوابشة الذي استشهد في الجريمة، وكذا أسرته التي يرقد أفرادها في حالة خطرة في مستشفى إسرائيلي. وعلى الرغم من أن الجريمة هزت مشاعر الجميع، إلا أنها مثّلت محكّاً لعمق الانقسام وحجم الاختلاف في المواقف السياسية، وخصوصاً بين أنصار كل من حركتي فتح وحماس.
انفجرت الأمور بشكل كبير مع الكاريكاتير، سيّئ الذكر، الذي نشره رسام الكاريكاتير، بهاء ياسين، والذي تضمن إهانة لفلسطينيي الضفة الغربية، وليس فقط للسلطة الفلسطينية. وتكررت إساءة بهاء للسلطة في رسم آخر، ما أثار غضب كثيرين في الضفة الغربية. حدث ذلك، إلى درجة أن التغريدات والعبارات تحولت من الغضب على الاحتلال لجريمته، لتدخل في حلقة المناكفات المفرغة داخلياً.
أساء رسام الكاريكاتير بهاء، بلا شك، للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من أن هذا يعبّر عن رأيه وموقفه، لكن خروجه للعلن أخذ بُعداً غير قانوني أو أخلاقي، إذ أساء إلى هوية شعب وقيمه وشخصيته وكرامته، ومثّل دوراً معاكساً للروح الوطنية في الصراع مع الاحتلال.
ليست المشكلة رسوم بهاء بحد ذاتها، بل ما مثلته من عمق الانقسام بين فتح وحماس. فقبل أيام، خرجت تصريحات صارخة وقاسية من نواب حماس في غزة، في لهجة لا تنسجم مع الموقف المُعلن للحركة تجاه السلطة ورموزها. وتضمنت التصريحات عبارات تخوين، ما يتناقض مع الخطاب الرسمي لحماس. في المقابل، وجد كثيرون من خصوم الحركة الفرصة سانحة للهجوم عليها، بسبب رسوم بهاء ياسين، وقبلها بالطبع بسبب تصريحات نواب حماس. والمتأمل في تلك الردود يجد أنها لم تكن معبرة عن مواقف مبدئية، بقدر ما كانت فرصة سانحة، ولحظة مواتية لكيل الشتائم على حماس، والنيل منها، والسخرية منها أيضاً.
ولأكون منصفاً، هناك إشكالية يجب حلها جذرياً، مرة وإلى الأبد. تتمثل في تقدير كل طرف وضع الطرف الآخر. ولا أدعي أنني أتحدث من برج عاجيّ بعيد عن الواقع، أو أنني أنتمي إلى طرف ثالث يساوي بين الطرفين، أو أبرر لهذا الطرف أو ذاك، لكني أعتقد، بشكل عملي وموضوعي، أن هذه الإشكالية يجب أن توضع تحت المجهر لكي تُشخص، وتُوضع لها الحلول المناسبة.
الإشكالية كما يلي: في غزة، هناك واقع معقد، ناتج عن خروج الاحتلال واستمرار حصاره لها، وغياب السلطة، ووجود قوى مسلحة على الأرض، ووجود قوة سياسية لها نفوذ في الواقع هي حركة حماس. ولذا، إن محاولة السخرية من هذا الواقع أو الانتقاص منه، أو نسج الأحلام بأنه يمكن "بكبسة زر" تغييره، وهمٌ من الأوهام، على الأقل في المدى المنظور. من يعتقد أنه يمكن إدخال غزة، بكل ما تحويه من تجارب ووقائع ومكونات، تحت عباءة التسوية وعملية السلام، وتحت عباءة السلطة التي لا وجود للمقاومة المسلحة في قاموسها، فإنه واهم من دون أدنى شك. ومن يعتقد أنه يمكن إنهاء حماس والجهاد (التي تمثل القوى المتنفذة في غزة) من الوجود واهم.
في الضفة، سلطة وشعب تحت الاحتلال المباشر، لا يمتلك قوة مسلحة، ولا تتبنى السلطة برنامج المقاومة المسلحة. مساحات شاسعة من الأرض مزروعة بالمستوطنات ومعسكرات الجيش. أما الأجهزة الأمنية فهي موجودة وفق اتفاق أوسلو، وليس بفعل التسلح الذاتي المبني على منهج المواجهة مع الاحتلال. بل وُجدت لحفظ الأمن الداخلي، وحماية الاتفاق الموقع بين الطرفين. (هناك من يقول إن هذه الأجهزة وجدت لحماية الاحتلال، وهذا موضوع معقد يحتاج إلى نقاش مطول ودراسة أبعاده المختلفة، لا أن تُلقى العبارات على عواهنها). ومن يعتقد أن من الممكن تحويل الضفة الغربية إلى ساحة مقاومة على نمط غزة، فهو واهم. وأقصد تحويل الضفة إلى قاعدة عسكرية للمقاومة، كما الحال في غزة. أما العمل المقاوم في الضفة فهو ممكن، ويظهر من وقت إلى آخر. ومن يعتقد أنه يمكن شطب حركة فتح من المعادلة، وإنهاء وجودها، فهو واهم بلا شك.
ما يُفجر الوضع في الضفة ليس المقاومة بشكل أساس، بل إجراءات الاحتلال من مصادرة أراض، وحملات اعتقال وبناء مستوطنات، واستهداف الناس، كما حدث في دوما وغيرها. وجميع أشكال المقاومة في الضفة ما هي إلا ردود فعل على السياسات الإسرائيلية. والقول إن المقاومة في الضفة يجب أن تتوقف، لأنها تهدد الاستقرار صحيح في حال كان هناك فعلاً استقرار. لذلك، أقترح على السلطة توقيع تهدئة مع الاحتلال، على نمط المتفق عليها في غزة، تتوقف فيها المقاومة في الضفة في مقابل وقف اقتحام المدن، ووقف قتل الناس وإذلالهم، ووقف الاعتقالات، وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي، وتفكيك الاستيطان.
وحتى لا نبتعد كثيراً عن موضوعنا، على القيادات الفلسطينية، وفي مقدمتها قيادة السلطة وفتح، وقيادة حماس، أن تضع حداً للحرب الإعلامية والمناكفات، واتخاذ الإجراءات اللازمة للسير في طريق المصالحة (الصعبة والمعقدة).
لم يطهر كثيرون من المثقفين والصحفيين ألسنتهم وأيديهم من الفتنة والانقسام، بل خاضوا كما يخوض عناصر الأحزاب والفئات، وكل يتشفى بالآخر، بطريقة تنفي عنهم الثقافة والرقي. والمشكلة أن هناك من الطرفين من يعمل على تعميق الخلاف والصراع، ويؤجج نار الفتنة، ويستغل كل حدث لكي يوظفه لخدمة "جماعته"، بقصد أو بدون قصد. وهنا، يأتي دور العقلاء والقادة وأصحاب القرار وذوي النفوذ الذين بيدهم الحل والعقد.
يجب أن ننتبه، وينتبه الجميع، إلى أن ثقافة الكراهية والانقسام بدأت تضرب جذورها عميقاً في الأرض، وهذا خطير جداً، ليس فقط على الصعيد الاجتماعي، بل على الصعيد السياسي أيضاً. يجب أن ننتبه إلى أن هذه الثقافة هي التي ستعصف بالقضية الفلسطينية، وليست جرائم الاحتلال. يجب أن نلتفت إلى مستقبل شعبنا وأمتنا وقضيتنا، قبل أن نلتفت إلى مصلحة هذه الجماعة أو تلك.
أساء رسام الكاريكاتير بهاء، بلا شك، للشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من أن هذا يعبّر عن رأيه وموقفه، لكن خروجه للعلن أخذ بُعداً غير قانوني أو أخلاقي، إذ أساء إلى هوية شعب وقيمه وشخصيته وكرامته، ومثّل دوراً معاكساً للروح الوطنية في الصراع مع الاحتلال.
ليست المشكلة رسوم بهاء بحد ذاتها، بل ما مثلته من عمق الانقسام بين فتح وحماس. فقبل أيام، خرجت تصريحات صارخة وقاسية من نواب حماس في غزة، في لهجة لا تنسجم مع الموقف المُعلن للحركة تجاه السلطة ورموزها. وتضمنت التصريحات عبارات تخوين، ما يتناقض مع الخطاب الرسمي لحماس. في المقابل، وجد كثيرون من خصوم الحركة الفرصة سانحة للهجوم عليها، بسبب رسوم بهاء ياسين، وقبلها بالطبع بسبب تصريحات نواب حماس. والمتأمل في تلك الردود يجد أنها لم تكن معبرة عن مواقف مبدئية، بقدر ما كانت فرصة سانحة، ولحظة مواتية لكيل الشتائم على حماس، والنيل منها، والسخرية منها أيضاً.
ولأكون منصفاً، هناك إشكالية يجب حلها جذرياً، مرة وإلى الأبد. تتمثل في تقدير كل طرف وضع الطرف الآخر. ولا أدعي أنني أتحدث من برج عاجيّ بعيد عن الواقع، أو أنني أنتمي إلى طرف ثالث يساوي بين الطرفين، أو أبرر لهذا الطرف أو ذاك، لكني أعتقد، بشكل عملي وموضوعي، أن هذه الإشكالية يجب أن توضع تحت المجهر لكي تُشخص، وتُوضع لها الحلول المناسبة.
الإشكالية كما يلي: في غزة، هناك واقع معقد، ناتج عن خروج الاحتلال واستمرار حصاره لها، وغياب السلطة، ووجود قوى مسلحة على الأرض، ووجود قوة سياسية لها نفوذ في الواقع هي حركة حماس. ولذا، إن محاولة السخرية من هذا الواقع أو الانتقاص منه، أو نسج الأحلام بأنه يمكن "بكبسة زر" تغييره، وهمٌ من الأوهام، على الأقل في المدى المنظور. من يعتقد أنه يمكن إدخال غزة، بكل ما تحويه من تجارب ووقائع ومكونات، تحت عباءة التسوية وعملية السلام، وتحت عباءة السلطة التي لا وجود للمقاومة المسلحة في قاموسها، فإنه واهم من دون أدنى شك. ومن يعتقد أنه يمكن إنهاء حماس والجهاد (التي تمثل القوى المتنفذة في غزة) من الوجود واهم.
في الضفة، سلطة وشعب تحت الاحتلال المباشر، لا يمتلك قوة مسلحة، ولا تتبنى السلطة برنامج المقاومة المسلحة. مساحات شاسعة من الأرض مزروعة بالمستوطنات ومعسكرات الجيش. أما الأجهزة الأمنية فهي موجودة وفق اتفاق أوسلو، وليس بفعل التسلح الذاتي المبني على منهج المواجهة مع الاحتلال. بل وُجدت لحفظ الأمن الداخلي، وحماية الاتفاق الموقع بين الطرفين. (هناك من يقول إن هذه الأجهزة وجدت لحماية الاحتلال، وهذا موضوع معقد يحتاج إلى نقاش مطول ودراسة أبعاده المختلفة، لا أن تُلقى العبارات على عواهنها). ومن يعتقد أن من الممكن تحويل الضفة الغربية إلى ساحة مقاومة على نمط غزة، فهو واهم. وأقصد تحويل الضفة إلى قاعدة عسكرية للمقاومة، كما الحال في غزة. أما العمل المقاوم في الضفة فهو ممكن، ويظهر من وقت إلى آخر. ومن يعتقد أنه يمكن شطب حركة فتح من المعادلة، وإنهاء وجودها، فهو واهم بلا شك.
ما يُفجر الوضع في الضفة ليس المقاومة بشكل أساس، بل إجراءات الاحتلال من مصادرة أراض، وحملات اعتقال وبناء مستوطنات، واستهداف الناس، كما حدث في دوما وغيرها. وجميع أشكال المقاومة في الضفة ما هي إلا ردود فعل على السياسات الإسرائيلية. والقول إن المقاومة في الضفة يجب أن تتوقف، لأنها تهدد الاستقرار صحيح في حال كان هناك فعلاً استقرار. لذلك، أقترح على السلطة توقيع تهدئة مع الاحتلال، على نمط المتفق عليها في غزة، تتوقف فيها المقاومة في الضفة في مقابل وقف اقتحام المدن، ووقف قتل الناس وإذلالهم، ووقف الاعتقالات، وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي، وتفكيك الاستيطان.
وحتى لا نبتعد كثيراً عن موضوعنا، على القيادات الفلسطينية، وفي مقدمتها قيادة السلطة وفتح، وقيادة حماس، أن تضع حداً للحرب الإعلامية والمناكفات، واتخاذ الإجراءات اللازمة للسير في طريق المصالحة (الصعبة والمعقدة).
لم يطهر كثيرون من المثقفين والصحفيين ألسنتهم وأيديهم من الفتنة والانقسام، بل خاضوا كما يخوض عناصر الأحزاب والفئات، وكل يتشفى بالآخر، بطريقة تنفي عنهم الثقافة والرقي. والمشكلة أن هناك من الطرفين من يعمل على تعميق الخلاف والصراع، ويؤجج نار الفتنة، ويستغل كل حدث لكي يوظفه لخدمة "جماعته"، بقصد أو بدون قصد. وهنا، يأتي دور العقلاء والقادة وأصحاب القرار وذوي النفوذ الذين بيدهم الحل والعقد.
يجب أن ننتبه، وينتبه الجميع، إلى أن ثقافة الكراهية والانقسام بدأت تضرب جذورها عميقاً في الأرض، وهذا خطير جداً، ليس فقط على الصعيد الاجتماعي، بل على الصعيد السياسي أيضاً. يجب أن ننتبه إلى أن هذه الثقافة هي التي ستعصف بالقضية الفلسطينية، وليست جرائم الاحتلال. يجب أن نلتفت إلى مستقبل شعبنا وأمتنا وقضيتنا، قبل أن نلتفت إلى مصلحة هذه الجماعة أو تلك.