ثعلب سياسي في ورطة

07 يوليو 2014

ساركوزي في حملته الانتخابية (2007/Getty)

+ الخط -


يعلّق الفرنسيون على انتخابات الرئاسة في أميركا بحكمةٍ سياسيةٍ تقول: "الشعب الأميركي عظيم، لكنه غالباً ما ينتخب رئيساً سيئاً". دار الزمان، وصار للفرنسيين أسوأ رئيس دولة عرفته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. إنه نيكولا ساركوزي الذي نام، الأسبوع الماضي، في مخفر للشرطة بعد ١٥ ساعة من تحقيقات معه بشأن شبهة تورطه في الفساد والرشوة واستغلال النفوذ واستعمال أموال قذرة في الحملة الانتخابية لسنة 2007.

خرج ساركوزي من المخفر، مباشرة، إلى استوديوهات التلفزات الخاصة التي كان يغدق عليها، أيام كان رئيساً، وقال للفرنسيين الذين صُدموا فيه "إن جزءاً من القضاء في هذه البلاد مسيّس، ويريد أن يهينني".

لم يصدّق الفرنسيون حكاية تسييس القضاء، وجاء في أحدث استطلاعات الرأي أن ٦٥% من الشعب الفرنسي يرون أن القضاء، الذي وجّه التهمة رسمياً لساركوزي، يتصرف من وحي القانون والضمير، وأن أمام الرئيس السابق كل ضمانات المحاكمة العادلة، وهو ليس فوق القانون الذي يسري على الجميع في بلاد الثورة التي ضحت كثيراً من أجل بناء دولة الحق والقانون، وفصل السلطات واستقلالية القضاء، وتساوي المواطنين أمامه.

ما هي قصة سقوط الثعلب ساركوزي في شرك ألاعيبه؟

قبل أشهر، وضع الرئيس الفرنسي السابق تحت التنصت من قاضي التحقيق الذي كان يبحث في تهم عدة وجّهت إليه، منها الحصول على تمويل غير قانوني لحملته الانتخابية سنة ٢٠٠٧ من العجوز بيتنكور، صاحبة مجموعة لوريال المتخصصة في أدوات التجميل، وفتح القضاء التحقيق في شبهة حصول ساركوزي على أموال لحملته الانتخابية من خزائن الديكتاتور الليبي، معمر القذافي، قبل إطاحته.

تحرك التحقيق، ومعه آلة ساركوزي الإعلامية والسياسية وجيش من المحامين، يتقدمهم صديقه تييري هرزوغ، المعتقل هو الآخر رهن التحقيق (يقول الفنان الفرنسي الساخر كولوش: هناك طريقان لربح قضية في المحكمة، أن تختار محامياً يعرف القانون جيداً، أو أن تختار محامياً يعرف القاضي جيداً). اختار ساركوزي، حسب ملف الاتهام، الطريق الثاني، وكلف صديقه المحامي بربط الاتصال بقاضيين في النيابة العامة، هما جيلبير أزيي وباتريك ساسوست، ثم حاول ساركوزي الوصول إلى قاضٍ كبير، وعده بمناصب مغرية إن تعاون معه للخروج سالماً من هذه القضية. بدأت خطة الثعلب ساركوزي لإفشال التحقيق، وتضليل القضاء، عن طريق إخباره بأن هاتفه موضوع تحت التنصت، ليأخذ كل احتياطاته، ولا يسمح للسانه بالثرثرة، لم تنجح الخطة، والأسرار تسربت إلى القضاء الذي وجّه رسمياً التهمة إلى ساركوزي، في سابقة من نوعها في التاريخ الفرنسي.

ساركوزي متهم رسمياً، الآن، بمحاولة رشوة القضاة، والحصول على أموال لحملته الانتخابية خارج القانون واستغلال النفوذ، وهي تهم ثقيلة، تصل عقوبتها إلى عشر سنوات سجناً.

سيتابع العالم مجريات المحاكمة في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، لكن الذين يعيشون في بلدان ديمقراطية سيعتبرون الأمر مثيراً، لكنه ليس غريباً. فالقضاء في المجتمعات الديمقراطية مستقل، ولا يدقق في الهويات والنفوذ والثروة والمكانة والألقاب، قبل ان يباشر عمله. العدالة في هذا العالم الغربي الديمقراطي عمياء، لا تميّز بين المواطنين، ولا بين الكبار والصغار. لكن، في البلاد المتخلّفة، والتي ما زال فيها القضاء مجرد مرفق تابع للحكام، والقضاة مجرد موظفين يؤمرون فيطيعون، سيتابع سكان هذا العالم محاكمة ساركوزي، وكأنها فيلم من أفلام الخيال العلمي، وسيفركون عيونهم، ويمسحون آذانهم عند كل نشرة أخبار تعرض لوقائع محاكمة رئيس دولة سابق..

الديمقراطية تمرض، لكنها لا تموت، إنها نظام قادر على تصحيح أخطائه، وهذا هو الفرق الجوهري بينها وبين النظام الديكتاتوري. وصول سياسي فاسد ومراوغ وعنصري وشعبوي إلى قصر الإليزيه في فرنسا أمر ممكن. لكن، ما ليس ممكناً أن يخرج الشخص نفسه من الحكم سالماً، وأن يفكر في العودة، مرة أخرى، إلى الرئاسة.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.