ثروة ليبيا الضائعة...استنزاف غربي للأصول المجمدة

22 ديسمبر 2019
الأصول الليبية منتشرة في أوروبا وأميركا وأفريقيا (Getty)
+ الخط -
يحذر الخبير الأميركي المختص في النزاعات بجامعة أريزونا، هنري تومبسون، من أن الأموال الليبية المجمدة تتآكل بعد مرور ثماني سنوات على الحرب وغياب أي أفق لحل الأزمة الليبية، لافتا إلى ضرورة تكثيف محاولات المؤسسة الليبية للاستثمار للمطالبة بإدارة الأموال قبل الدعوة لرفع التجميد عنها كما يقول لـ"العربي الجديد"، مستدركا أن المجتمع الدولي وبعض الدول المنخرطة في الصراع غير مستعدة في الوقت الراهن لتقديم هذا التنازل لمؤسسة محسوبة على حكومة الوفاق، خاصة وأنها لا تزال تراهن على فوز خليفة حفتر في المعركة الدائرة حاليا.

بالفعل تسعى المؤسسة الليبية للاستثمار (مقرها طرابلس) إلى إقناع وزارة الخزانة الأميركية بإعادة قراءة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 الصادر في 26 فبراير/شباط 2011، وبالتالي منح الشعب الليبي حقه في التصرف في الأموال والأصول والأسهم والودائع التي تتعرض لخسائر سنوية في الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن دفع رواتب الموظفين، وفق ما تكشف عنه وثيقة حصل عليها "العربي الجديد"، مكونة من 13 صفحة موقعة بتاريخ 10 يوليو/ تموز 2019 من مكتب محاماة بارز في واشنطن.

محاولات لفك التجميد

حسب الوثيقة التي حصل عليها "العربي الجديد"، فقد تعاقدت المؤسسة الليبية للاستثمار، مع شركة المحاماة الأميركية "جيرستمان شوارتز" Gerstman Schwartz من أجل أن تعمل الأخيرة على جعل واشنطن تفهم أن استمرار تجميد الأصول الليبية في الخارج في وقت يحتاج فيه الليبيون إلى هذه الأموال "ليس في مصلحة الشعب الليبي".

وتقول الوثيقة المرفقة بالعقد (صفحة 3) والمؤرخة بالثاني من يونيو/حزيران 2019 "لقد أدى تجميد الأموال الليبية إلى تقليل قيمة الأصول، لأن هذه الأموال تُركت في حسابات تحمل فوائد منخفضة أو سلبية"، مؤكدة أن "الدكتور علي محمود، الرئيس المعترف به للمؤسسة الليبية للاستثمار، هو الذي يتخذ القرارات بشأن أصول الشركة في جميع أنحاء العالم والتي تضم أكثر من 150 مشروعا في بلدان متعددة".

وتضيف "رغم استمرار الاضطرابات السياسية في ليبيا، اتخذت المؤسسة الليبية للاستثمار الخطوات المناسبة لتحقيق الاستقرار لهذا الصندوق السيادي ووضع قيادة مسؤولة ممثلة في الدكتور علي محمود، على رأس المؤسسة. كما أن هناك سبعة أعضاء في مجلس إدارة الشركة، التي تدير استثمارات في جميع أنحاء العالم".


استنزاف ثروة ليبيا

في 25 فبراير/شباط 2011، أصدر الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أمره التنفيذي رقم 13566 بفرض عقوبات أحادية الجانب ضد ليبيا، بما في ذلك تجميد مليارات الدولارات من الأصول المملوكة للحكومة الليبية، وأفراد من عائلة العقيد معمر القذافي، وجميع الكيانات ذات الصلة بما في ذلك الأصول المملوكة للمؤسسة الليبية للاستثمار.

ومباشرة بعدها بيوم واحد، وفي 26 فبراير 2011، تبنّى مجلس الأمن الدولي القرار 1970، الذي دعا إلى تجميد أصول ستة أفراد وكيانات محددة مرتبطة بالعقيد معمر القذافي. وفي 17 مارس 2011، أصدر المجلس مجددا القرار 1973 لتمديد القرار الأول (1970) حتى يشمل المؤسسة الليبية للاستثمار أو أي منظمة أخرى يمكن أن تقوم بتمويل عائلة القذافي.

اليوم، وبعد مرور ثماني سنوات ونهاية حقبة القذافي، "ما تزال الولايات المتحدة ترفض رفع الحظر عن الأموال المجمدة في ظل وجود حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، في وقت تلجأ أطراف غربية إلى صرف بعض الأموال المجمدة والفوائد إلى جهات مجهولة"، حسب المحامي الذي مدّ "العربي الجديد" بوثائق عن مساعي المؤسسة الليبية للاستثمار للتصرف في هذه الأموال وفضل عدم ذكر اسمه لكونه غير مخول بالحديث، قائلا: "ليبيا تخسر سنويا أزيد من 45 مليون دولار بسبب قرار تجميد أموالها منذ سنة 2011. القوى الإقليمية مثل الإمارات ومصر والسعودية ستستمر في دعم أطراف مختلفة في الساحة الليبية، بينما أموال الشعب تفقد قيمتها بسبب التضخم الذي يضرب الاقتصاد العالمي، وتهالك بعض الشركات التي لم تقم بتحديث وسائل إنتاجها مثل الآلات الموجودة في المصانع، المعدات الميكانيكية، وأجهزة الكمبيوتر منذ سقوط نظام القذافي، بالإضافة إلى قيام بعض الدول بالتصرف في الأموال المجمدة".


التلاعب في قيمة الأصول

قدر التقرير العام لديوان المحاسبة الليبي (في الفصل الثاني الخاص بالصناديق السيادية صفة 158) لعام 2017 أصول المؤسسة الليبية للاستثمار في العالم بـ 68.8 مليار دولار، و70 في المئة من هذه الأصول السائلة تقع تحت الحظر الدولي منذ سنة 2011. وقد جمدت وزارة الخزانة الأميركية لوحدها سنة 2011 ما يزيد عن 34 مليار دولار من الأصول الليبية، معظمها في شركات وبنوك عملاقة مثل غولدمان ساكس وسيتي غروب وجيه بي مورغان تشيس ومجموعة كارلايل.

ويرى تيم إيتون، المحلل المالي المختص في الشؤون الليبية بالمعهد الملكي للعلاقات الدولية في بريطانيا، إنه "من الصعب تحديد قيمة الخسائر السنوية الناتجة عن تجميد أصول المؤسسة الليبية للاستثمار في 550 شركة عبر العالم، لكنها من دون شك تقدر بالملايين من الدولارات"، ويضيف لـ "العربي الجديد"، أن "هناك دولا كثيرة تستغل الفراغ السياسي الراهن في ليبيا للحصول على أكبر المكاسب الممكنة من تجميد هذه الأموال".

ويوضح إيتون أن "الأموال الليبية في أكثر من بلد أوروبي أُسيء استغلالها. وعلى سبيل المثال جمدت السلطات البلجيكية الحسابات المالية للقذافي والشركة الليبية للاستثمار في 2011، استجابة لقرار مجلس الأمن الدولي، وتبلغ قيمة هذه الحسابات حوالي 16.1 مليار يورو، ومعظمها في شركة "يوروكلير". لكن في 2018 اتضح أن الفوائد والأرباح من هذه الأموال لم تخضع للتجميد، واختفت من الحسابات بعد أن تمّ سحبها وإرسالها إلى مؤسسات وأشخاص غامضين".

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي الليبي المقيم في واشنطن وعضو معهد السياسات الخارجية بجامعة جون هوبكنز، حافظ الغويل (مستشار سابق في البنك الدولي)، لـ "العربي الجديد"، أنه "يوجد قسم كبير من هذه الأموال يخضع للسرية المصرفية أو موجود تحت أسماء وهمية في جنات ضريبية منتشرة حول العالم"، مردفاً "أؤكد لكم أن القيمة السوقية للكثير من هذه الأصول نزلت في السوق. وسنة بعد أخرى تضيع ثروة الليبيين".

وعقب الضجة الإعلامية التي تلت خرق بلجيكا لقرار تجميد الأموال الليبية، ومن أجل تجنب استغلال ثغرة قانونية في القرار رقم 1970، أصدر مجلس الأمن في 17 ديسمبر/كانون الأول 2018 "مذكرة المساعدة على التنفيذ رقم 6" وهو قرار يدعو إلى "جعل فوائد وأرباح الحسابات المجمدة الخاصة بالهيئة الليبية للاستثمار مجمدة أيضا".

ويضيف المحامي "بعض الدول الغربية تحاول حرمان الشعب الليبي من أمواله المجمدة في البنوك عبر العالم. لقد ظهرت هذه النوايا مؤخرا في بريطانيا عندما طالب نواب في تقرير أصدرته لجنة في البرلمان البريطاني بأن تخصص السلطات جانبا من هذه الأصول التي تُقدر بنحو 12 مليار جنيه استرليني (15.7 مليار دولار أميركي) لضحايا هجمات شنها الجيش الجمهوري الإيرلندي، بذريعة أن القذافي كان يمد هؤلاء المتمردين بالسلاح".

ويتفق هنري تومبسون مع هذا الرأي قائلا إن "تسييل الأصول المجمدة قد يثير قلق الدول والشركات والبنوك التي تستفيد حاليا من هذه الأصول وعوائدها، وفي مقدمتها دول أوروبية تعاني من تبعات الأزمة المالية".


مخاوف من العرقلة

ترى كلوديا غازيني، المحللة المالية المتخصصة في الشؤون الليبية بمجموعة الأزمات الدولية، أن "الأمم المتحدة تريد رؤية حكومة مستقرة في ليبيا قبل تخفيف العقوبات، والسماح للمؤسسة الليبية للاستثمار بالتصرف في هذه المليارات المجمدة التي تفقد سنويا قيمتها الفعلية".

وتؤكد غازيني، التي أعطت في مارس/آذار 2016 إفادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي عن الوضع الليبي، لـ"العربي الجديد"، أن "الانقسامات السياسية والعسكرية عميقة والجهود المبذولة لتقريب وجهات نظر كل الأطراف فشلت، ولحد الساعة لا توجد وصفة سريعة لحل الأزمة الليبية، ما يجعل الأموال الليبية المجمدة رهينة هذا الصراع".

لكن الخبير الاقتصادي الليبي، حافظ الغويل، يقول إن "الإمارات وربما أيضا السعودية تضغطان على دول داخل مجلس الأمن الدولي حتى لا تحصل الحكومة المعترف بها دوليا على الأموال المجمدة. الإمارات ستجعل جهود الضغط على وزارة الخزانة الأميركية أيضا أمرا صعبا"، مشيرا إلى أن "الإماراتيين والسعوديين يريدون أن تتحول أموال ليبيا إلى الرجل المارق في الشرق، أي حليفهم خليفة حفتر".

وقد أسس اللواء المتقاعد خليفة حفتر مؤسسة موازية في الشرق الليبي أطلق عليها "هيئة الاستثمار العسكري والأشغال العامة"، ووضع على رأسها أحد الجنرالات يدعى محمد المدني الفاخري، كما يضم مجلس إدارتها ضباط جيش والمساعدين الأكثر ولاء لحفتر، ويحاول أيضا أن يضع يده على الأموال الليبية المجمدة في الخارج وتصدير البترول الليبي في السوق السوداء. وتعوّل الإمارات والسعودية ومصر على حفتر في مسعاها المستمر لوضع نظام حليف في هذا البلد المغاربي الغني بالنفط، لذلك يقول الغويل "الأقوياء في الخليج لن يتركوا الدول الغربية تفرج عن الأموال الليبية، لأنهم يراهنون على فوز حفتر في المعركة الدائرة حاليا".