ثالوث السينما المصرية: الجنس والبلطجة والتطبيل

19 ديسمبر 2015
منعت السلطات مسلسل أهل إسكندرية من العرض (فيسبوك)
+ الخط -
قبل أن يتخذ صديقي الأجنبي الذي ألح علي برغبته في مشاهدة أفلام السينما المصرية ليتعرف أكثر على القوى الناعمة لمصر، كنت قد نصحته مرارا قبل اتخاذ قرار المشاهدة أن محتوى الأفلام لن يكون كما يضع في حسبانه، وأنه لا داعي لمشاهدة أفلام هابطة وبلا قصة ولا محتوى ولا أي هدف من وراء العرض بالأساس، ولكنه تجاوز ذلك متوقعاً حداً معيناً لن يزيد معه مستوى السفاهة، وبالفعل دخلنا العرض الذي كان عبارة عن فقرات متتالية من الرقص والطبل والغناء فقط لا غير، بل إن 75% من العرض كان عبارة عن مجموعة من الأغاني والراقصات، وقصة الفيلم، غير الموجودة أصلا، قد شُوهدت في بعض اللقطات العابرة أثناء الأغاني الراقصة التي يغلب عليها الطابع الإباحي.


وبدون وجود أي صلة بالموضوع، لا داعي أن يتزين مهرجان الرقص بلقطة "حب مصر" في مشهد ترفرف فيه الأعلام المصرية وإظهار صورة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي ويكتمل المشهد بخلفية كلمات أغنية "بشرة خير" بصوت حسين الجسمي في لقطات مصطنعة، للتدليل على أن منتج الفيلم يقدم قربان الوطنية، لكن في واقع الأمر أي قربان هذا بعد المحتوى الهابط الذي أفرزه؟!

خرجنا من العرض وسألت صديقي عن رأيه في ما شاهده؟ وكانت الصدمة بارزة ولم يكن يتوقع أن هذه هي السينما المصرية التي أتى لمشاهدتها، واصفاً العرض بعد صمت بالعامية دا فيلم "زبالة".

في السنوات الأخيرة، كان المشهد السائد للسينما المصرية هو إظهار ثلاثة عناصر رئيسية - البلطجي، الراقصة، الطبال - في العمل السينمائي حتى يحقق المنتج أعلى إيرادات دون أن ينظر صناع السينما إلى هدف المحتوى المراد تقديمه، غير مكترثين بدورهم الوطني أيضا بإعلاء قيم وأخلاق السينما المصرية التي هي إحدى أدوات نشر الثقافة الفكرية للجمهور أو كما يطلق عليها القوى الناعمة soft power والتي تعد سلاحا لدول أخرى كما هو الحال بالنسبة "لهوليود" في الولايات المتحدة الأميركية.

خلال العامين السابقين كانت الأفلام المصرية تسير على نهج واحد يتمثل في سيناريوهين على طول الخط، "البلطجة والرقص"، مما جعل بالأساس أغلب الممثلين أنفسهم يعيدون تكرار نفس التجربة لكن في شكل آخر، بعد أن ارتأى المنتج أن الزيادة في عدد الراقصات والإيحاءات الجنسية يساعد على جذب جمهور أكبر، وفي الواقع هذا الأمر يدعو للاستغراب ويطرح سؤالاً، هل يساعد الجمهور نفسه على الدفع بالسينما الهابطة للأمام؟ أم ذلك نتاج للواقع الذي نعيش فيه؟.

كان الكثير من النقاد السينمائيين قد طالبوا في العديد من المرات بالتصدي لهذا النوع من السينما الهابطة وإنقاذ السينما المصرية وما كان يعرف عنها بعراقتها في الماضي من الانحطاط غير المسبوق الذي أصابها، ولكن تلك النداءات لم تصل لأي نتيجة وظل الحال كما هو عليه.

بعد ثورة يناير قامت غرفة صناعة السينما المصرية بلفت الانتباه للثورة على مضض وكأن الثورة لم تأت على هواهم، ولكن سرعان ما عاد الوضع إلى ما كان عليه، حتى وصل الأمر لتشويه الثورة في المسلسلات المختلفة وتسويقها على أنها نقمة جلبت الفوضى للبلاد.

لكن هناك بعض الممثلين المحسوبين على الثورة قد أبدو اهتماماً بتقديم نوع جديد من الأفلام، كان إحدى تلك الشخصيات عمرو واكد البطل الرئيسي في فيلم "الشتا اللي فات"، والذي لم يكن لينال رضى الدولة بالتأكيد.

يبدو أن من يحاولون زرع محتوى هادف داخل السينما المصرية يتم معاقبتهم حسب توجههم السياسي من قبل السلطة التي لم تعد توفر أي مساحة طالما اختلف الاتجاه السياسي للممثل مع النظام حتى إن وجدت المهنية، ففي انطلاقة مسلسلات رمضان منذ عامين منعت السلطات الأمنية عرض مسلسل "أهل إسكندرية" الذي كان مقرراً عرضه على قناتي الحياة والمحور إلا أنهما سحبتا إعلانات الفيلم من الشوارع بعد أمر السلطات الأمنية بذلك، بحسب كاتب سيناريو القصة بلال فضل، وكذلك أيضاً للظهور القوي لأبطال المسلسل "هشام سليم، بلال فضل، عمرو واكد" بالإضافة إلى الفنانة بسمة، وهي أسماء غير محببة لدى الدولة، وقد تم منع المسلسل من العرض للعام التالي على التوالي أيضاً.

تعتبر إحدى أدوات العدو لضرب عقول الشعوب المفعول بها هو التسلل للقوى الناعمة Soft power ولفرض استراتيجية لتغييب تلك الشعوب وجعل محور اهتماماتها واحتياجاتها يتدنى، ليصبح متمحوراً في جوانب تافهة، بل جعل التفاهة هي الاهتمام الأول، ولكننا في العشر سنوات الماضية، ولاسيما فترة 2010، حتى يومنا هذا لم يُعرف عن مصر أنها احتُلت بواسطة عدو خارجي حتى يتم فرض استراتيجية العدو على القوى الناعمة، ولا أن ضغوطاً سياسية أو اقتصادية دفعت بمتخذي القرار عنوة عنهم للهبوط المقصود وتنفيذ استراتيجة العدو في مقابل مكاسب أخرى.. بل كانت الدولة ذاتها هي من تشجع على ذلك، وكأن ذلك استكمال للواقع المصري وتمثيل حقيقي لتكامل حالة اللامنطق التي تعيشها مصر.

(مصر)
المساهمون